في هذه الورقة يكتب الشاعر المغربي صلاح بوسريف عن الأزمة الحالية التي يجتازها اتحاد كتاب المغرب، وهي أزمة ليست وليدة اليوم في اعتقاده، بل هي وليدة تراكمات سلبية في تدبير الشأن الثقافي المغربي وفي تعاطي هذه المؤسسة التي بلغت من العمر عتيا ولم تجدد أساليب تدبيرها، في الوقت الذي يغادر فيه الثقافي مجال الحياة العامة في المغرب ، فاسحا المجال لما دونه. ما هذا الذي يجري. أنحتاج، دائماً، لكل هذا الوقت الضائع لنعترف في النهاية بأخطائنا، وبسوء التدبير، وما آل إليه الوضع من بؤسٍ، رغم أن هذا من النقد الذي جاء من أكثر من مكان. أليست هذه هي عقلية الأنطمة نفسها، وطُرُقُ عملها، كما خَبَرْنَاها منذ زمن. نفسُ الآلة أصبحت تَحْكُمُ، المؤسسات الثقافية، التي راهنت على السلطة، ولم يكن الشأنُ الثقافي رِهَانها. فحين نُحَوِّلُ مؤسسات مستقلةً، أو هكذا كان وَضْعُها، رَهْنَ رِيَاحٍ تَأتي مِنْ جِهاتٍ لا تَعْبَأُ إلاَّ بمصالحها، وبما يصونُ سُلَطَها، فلا يمكن أن تكون النتيجة إلا هذه نفسها التي آلَ إليها وضع اتحاد كتاب المغرب. أُذَكِّر: في رسالتي للسيد عبد الحميد عقار، رئيس الاتحاد، التي نُشِرَت في نفس هذا الشهر من السنة الماضية، هاهو الزمن يعود من حيث بدأ، كٌنْتُ، اعْتَبَرْتُ عقدَ المؤتمر لا جدوى منه، وأن ما ينبغي فعله، هو عقد أيام دراسية حول وضع الاتحاد، وإعادة النظر في مفهوم الاتحاد ذاته، وفي القوانين المنظمة له، في دوره، ووظيفته، وصلاحية، كثير مما هو عليه اليوم، لما أصبح يعتمل في الواقع من تحولاتٍ... كُل هذا قلته، وأكثر، واعتبرتُ عقد مؤتمر آخر، بالصيغة نفسها، وبما هو عليه الاتحاد من مشاكل، وحالات جُمود، ومواتٍ، سيكون بمثابة تأكيد لموت هذا الاتحاد، أو هو نوع من الدوران حول نفس المكان، وكأن لا شيء يجري خارجَ الاتحاد. مَنْ يعود إلى « أنشطة» الاتحاد، منذ أكثر من عقد من الزمن، سيلمس، كيف أن الاتحاد، تحوَّلَ إلى جمعية من الجمعيات الصغيرة، التي تنشط هنا، وهناك. وكيف أن حضور أنشطة الاتحاد لم يعد يعني حتى أعضاء مكتبه المركزي. فهذه الأنشطة، أصبحت، فقط، إعلانُ حياة، أو صارت بمثابة النبض الصاعد من لِحَافِ جَسَدٍ مَاتَ اكِلِينيكياً، وُجُودُهُ بشرط الوُجود فقط، هو ما كان يشغلُ المسؤولين عن هذه المؤسسة، التي آلتْ هي نفسُها، للأسف، إلى نفس المصير الذي آلت إليه أحزاب ومنظمات لم تُجَدِّد دَمَها، وقابلت النقد، بالجُحود، وعدم الإنصات. لم أستغرب بلاغ اتحاد كتاب المغرب، بعقد مؤتمر استثنائي، فهذا أمر كان ينبغي أن يَحْدُثَ قبل المؤتمر السابق، لكن ما استغربتُه، هو أن يكون جدول أعمال المؤتمر، انتخاب أعضاء المكتب المركزي، وانتخاب رئيس للاتحاد. ها نحن نعود لنقطة الصفر، نعود لنفس المكان، وكأن لا شمس تجري في الأفق. كان مفترضاً، وها أنا أعيد نفس ما قلتُه منذ سنة، في هذا المكان بالذات، أن يتم التحضير لإعادة هيكلة هذه المؤسسة، والتأكيد على ضرورة إعادة بنائها بالصورة التي تخرج بها من شَرَقِ الموت، إلى ما يُشبه نِعَمَ الحياة. إسمح لي السيد الرئيس، الصديق عبد الحميد عقار، لم يعد الوضع يحتمل كل هذه السخرية، آن الأوان لتكون أكثر جُرْأةً، في قلب الطاولة، والبدء من حيث أصبحت تشرق الشمس، لا تنسَ أنَّها، كما يقول هيراقليط، تَتَجَدَّدُ في كل يوم، فالشمس التي كُنتَ تراها بالأمس، ليست هي نفسُها التي في ضوئها تريد اليوم عقد مؤتمر آخر، لانتخاب رئيس جديد. ها أنت تسعى لتكريس نفس ما كنتَ بالأمس القريب ضِدَّهُ. لم، بهذا السخاء النادر، أيها الصديق، تُغَيِّرون جُلُودَكم، ولا تحسبون حساباً لتاريخ، لا أحد يفلتُ من حسابه. إن من يحمل مشروعاً ثقافيا جديراً باسمه، لا يمكنه أن يقبل السقوط في ما سقطتم فيه. الاتحاد ليس مسألة رئيس، أو من ينوب عنه، وهذه بالأسف هي حساباتُكم، الاتحاد هو ملك عام لكل منْ يَكٍتُب ويُفَكِّر، وليس غنيمة، كُل قبيلة تسعى للحصول منها على أكبر الحظوظ. الاتحاد يا سيدي، هو مؤسسة، جاءت، في أصلها، حُرَّةً، وغير تابعة لأي كان، ولو أنني هنا أتحدَّثُ نظرياً، أي بما هو مُثْبَتٌ في أدبياتكم. وهذه الحرية، أو الاستقلالية، كما تسمونها، كانت هي نقطة القوة في هذه المؤسسة. اليوم، اختلط الحابل بالنابل، وصرتُم تخبطون خبطَ عشواء، كما جاء في كلام الأُوَّلِ. الجرأة، وهذه المرة أخاطب كل الأصدقاء في المكتب المركزي الحالي، تقتضي أن يكون المؤتمر فرصةً لتغيير مجرى النهر، لا لخضخضة مائهِ، أو إيهام المؤتمِرين، من الكتاب الذين دَعَوْتُموهُم، بهواتفكم المحمولة للحضور، للِتَّصويتِ فقط، أن المعرفة بدون اتحاد ليس معرفة، أو بتعبيرٍ لابن عربي، من لا ينتمي للاتحاد لا يُعوَّلُ عليه. اخرجوا من وهمكم، وكونوا تاريخاً جديداً للاتحاد، بقلب المفاهيم، والقوانين، والتصورات، واتركوا الأجيال الجديدة تتحمل مسؤولية تسيير الاتحاد، فالحقيقة ليست ملكاً لأحد. ألم يبرهن هؤلاء الشبان، على جدارتهم، في خلق منتديات، وجمعيات، وتسييرها، وتنشيطها، بدينامية، فاقت، ما كنتم تُنْجِزُونه من فداحاتٍ. أما زالت عقدة السبق، وأنا وبعدي الطوفان، الشعار الذين يحكم رؤيتكم لما يجري. كفى، أرجوكم، من كل هذه المهاترات، ودَعوا القارب ينطلق نحو الماء، فالبحر أوسع مما تتصورون.