ما حدث ويحدث في خيمة اتحاد كتاب المغرب من الناحية الأخلاقية لا يشرف أحدا. ثمة أزمة لا شك في ذلك. ولها جذور وتراكمات سوسيوثقافية. بداية نؤكد أن هذه الورقة غير معنية بإصدار أحكام مسبقة ضد أي طرف ولا باتهام أحد، ولكنها تحول أن تفهم الوضع الراهن لاتحاد كتاب المغرب كمؤسسة، من خلال رصد بعض آليات اشتغالها، وبالتالي فهي تنزاح عن الحوار السجالي التي يتجه نحو شخصنة المواقف. بالنظر إلى التحولات التي عرفها السياق الثقافي والاجتماعي، المشكل الحالي الذي تفجر في الاتحاد، أكبر من مجرد إشكالات تنظيمية وتدبيرية. فهذه الإشكالات الفرعية ليست سوى مظاهر للأزمة العميقة. أزمة الهوية. ظل الاتحاد يشتغل بأدوات وآليات تقليدية متمركزة في موقع المكتب التنفيذي، وهو ما أتاح له (أي المكتب التنفيذي) التحكم في قواعد اللعبة وضبط حدود مجال اللعب، ولم يستطع الانفتاح على الإبدالات الجذرية التي اخترقت الحقل الثقافي وغيرت خرائطيته بإحداث جغرافيات جديدة: جيل جديد من الكتاب، حساسيات جديدة، انفتاح مجال النشر الورقي والالكتروني، تحول مفهوم الثقافة في مجتمع الإعلام والتواصل وظهور ما يسمى بثقافة الانتشار. أهمية هذه الجغرافيات الجديدة تكمن في تفتيت مفهوم السلطة وتمركزها، وهو ما حرم أي مؤسسة من أن تمارس دور الوصاية، بفضل ما تتيحه هذه الجغرافيات الجديدة من فضاءات بديلة، وخطوط انفلات . على عكس هذه التحولات الجذرية التي غيرت من مفاهيم /أدوار الثقافة والمثقف والسلطة، ظل الاتحاد يشتغل بنفس النسق التقليدي، السلطة المتمركزة، حيث المكتب التنفيذي (المكتب المركزي سابقا، التسمية الجديدة لم تغير شيئا من الواقع القائم) هو المتحكم في قواعد اللعبة، من حيث رسم حدود الحقل الثقافي وتوزيع خيراته. لذلك ليس غريبا أن يحتدم الصراع من أجل ربح معركة المكتب التنفيذي، ولو أدى ذلك إلى التضحية بأخلاقيات الكتابة و اعتبارات الفكر واستنارات الثقافة. الدعوة إلى عقد مؤتمر لحل المشكل من الناحية التنظيمية منطقية، وصادقة، ولكن هل ستحل أسباب الأزمة. قد تحل المشكل من الناحية القانونية والتنظيمية بانتخاب مكتب تنفيذي جديد، ونعود إلى قواعدنا سالمين غانمين. لكنها لن تعالج المشكل من جذوره الثقافية في ضوء ما يعرفه السياق السوسيو ثقافي من تحولات جديدة.فالمؤتمرات للأسف ما زالت تشتغل بمنطق الكواليس ، حيث تطبخ الاصطفافات والتسويات والمحاصصات وتوزيع الخيرات الرمزية والمادية. وعلى الرغم من أن فضاء جلسات مناقشة أوراق المؤتمر يوحي بالمساواة بين الجميع، فإن القدرة على المشاركة مقيدة بعدم التمكن من المعلومات بفعل ثقافة الكواليس. هي إذن "هوية الخندقة" (مايك كرانغ) التي تفرز المكتب التنفيذي. لهذه السياسات التدبيرية مخاطرها، فهي تجعل الاتحاد مهددا بالانفجار في اللحظة التي يختل فيها ميزان التوازنات داخل المكتب التنفيذي، وتنطلق شرارة" حرب المواقع". من جهة أخرى، فإن تشكيل المكتب التنفيذي وفق إكراه هوية الخندقة يقوي موقع الرئيس، ويعزز منطق الاستمرارية، استمرار آليات وأساليب التدبير التي تظل عرضة للانفجار بفعل هشاشة التوازنات. وفي ظل هشاشة التدبير والمؤسسات يتعزز موقع الرئيس. هكذا ينتهي الأمر بالتماهي بين الاتحاد (المؤسسة) والمكتب التنفيذي ،من خلال ترسيخ سلسلة الترابط العمودي بين المكتب التنفيذي والفروع، صعودا ونزولا في تراتبية تنظيمية هرمية. يصبح الواحد هو الكل، والكل هو الواحد. من جهة أخرى ، يقوي تمركز السلطة في موقع الرئيس سلسلة من التخوفات التي غالبا ما تنفجر مع اندلاع أي خلاف . بفعل سلسلة التعزيزات والامتيازات المحايثة لموقع الرئيس، ليس غريبا ما نشهده اليوم من معركة شرسة داخل المكتب التنفيذي. وليس غريبا أيضا ألا تحظى جلسة مناقشة الورقة الثقافية التي تحدد هوية الاتحاد ومستقبله وديناميته بنفس القيمة الحاسمة التي تحظى بها جلسة الانتخاب. سيكون من السذاجة العلمية أن يستمر تدبير الاتحاد بنفس الأساليب والآليات ونتصور تحقيق حلول جذرية للأزمة. لذلك، من أجل تفادي ما تحدثه معركة المكتب التنفيذي من خسائر ضحيتها الأولى صورتنا الثقافية والرمزية واستحقاقاتنا المبدئية، يجب فتح نقاش نقدي صريح حول هوية الاتحاد ودوره، يبدأ بإعادة صياغة دور المكتب التنفيذي بما يحد من هيمنته المفرطة على وظيفة الاتحاد، ويقلص من سلطة الرئيس. ألا يمكن التفكير مثلا في إنشاء مجلس حكماء أعلى داخل الاتحاد تكون له سلطة فض النزاعات المصيرية التي تهدد وجود ومستقبل وهوية الاتحاد. ينبغي أيضا، إعادة صياغة علاقة الفروع بالمكتب التنفيذي، التي تبين أن دورها في هذه الأزمة الحالية مشلول، حيث ظلت عاجزة عن الفعل والتدخل. يبدو الأمر وكأنها تنتظر حسم المعركة لتحدد موقعها. لا يعقل أن تظل الفروع مجمدة إلى أن يحسم المكتب التنفيذي معركته. وبالتالي فالمطلوب هو إعادة صياغة دور الفروع بما يمكنها من التدخل في حالة الأزمة. صياغة جديدة تقطع مع سياسات هوية الخندقة التي شكلت جغرافية الاتحاد وفق هندسة تراتبية هرمية، وتنفتح على "هوية التوسع" (مايك كرانغ)التي أفرزها مجتمع المعرفة والإعلام، حيث كل الأفراد يستلزمون تموقعا أفقيا، أي مشاركة في الهوية بين أنداد، تتيح للجميع أن يجتمعوا كأنداد رسميين، إلى حد أن رأي كل فرد يحمل وزنا متساويا بغض النظر عن هويته. فقط هويته كإنسان حر (في حالة الاتحاد كاتب) بتعبير الشاعر إيمي سيزار، وهو يعلن تحرره من الكره الذي شعر به ذات يوم لمضطهديه في موعد النصر الكبير على الهوية المتخندقة : لكن عمل الإنسان يبدأ هذه اللحظة ويبقى على الرجل أن يقهر كل العنف المتخندق في أعماق عواطفه المشبوبة. ولا يملك أي عرق أن يحتكر الجمال والذكاء، والقوة، وثمة مكان للجميع في موعد النصر ثمة مكان للجميع من مختلف الأطياف والحساسيات والأجيال والإيديولوجيات في موعد الانتصار، انتصار أخلاقيات الكتابة، حيث يبدأ العمل الحقيقي، الإبداع والنقد والفكر الخلاق، ولا يملك أحد أن يحتكر الحقيقة والجمال.