في العمود السابق، قبل ثلاثة أيام، قلت في هذا الركن إن دخول حزب التجمع الوطني للأحرار إلى الحكومة لن يكون سهلا وخاليا من التكلفة. الأكيد أن عبد الإله بنكيران يعرف ذلك، لكنه لم يكن مستعدا، فقد اعتقد أن البيت فيه نافذة واحدة، وها هي نافذة أخرى لم يرها من قبل. قبل أن يباشر رئيس الحكومة مفاوضاته التي ستكون شاقة مع حزب صلاح الدين مزوار فتحت جبهة جديدة للصراع داخل البيت الذي صارت فيه الآن نافذتان، إذ ما الذي يجمع بين الصراع الذي نشب داخل الحكومة حول عتبة تشكيل فريق برلماني بالغرفة الأولى، التي يرى حزب التقدم والاشتراكية أنه المتضرر الرئيسي منه، وبين بداية المشاورات حول انضمام التجمع إلى الحكومة؟. الذين يؤمنون بالمصادفات في السياسة يجب أن يبحثوا عن صيدلية لمجاورتها تلافيا للطوارئ. لقد كان واضحا أن الذي خسر بسهولة لن يربح بسهولة، فبنكيران الذي فرط في حليفه السابق بسبب الصدام الذي حصل بين شعبويتين أخطأ الحساب حين أغفل ما تخبئه الظروف القادمة لحكومته التي ولدت غير مستقرة منذ البداية، والآن عليه أن تكون لديه خفة الساحر لكي يتعامل مع مشكلتين في وقت واحد. لقد اعتقد أنه يضع حليفين في الجيب، وأن القضية هي إيجاد الحليف الثالث، والمشكلة أنه تعامل مع حليفيه كرئيس لحزبين آخرين لا رئيسا للحكومة فحسب، ولذلك لم يضع في حسابه أن المزاجية سمة أساسية في الحياة السياسية المغربية. هل هذا يعني أن هناك خلطة يتم تحضيرها؟ لا شيء يؤكد ذلك، لكن لا شيء أيضا ينفيه. بيد أن الأسوأ في جميع السيناريوهات هو أن يخبط حزب التقدم والاشتراكية الباب ويغادر خلف خطى حزب الاستقلال. فحزب التجمع الوطني للأحرار لم يعد الآن مجرد برغي لتثبيت عجلة مائلة، بل صار يطالب بإعادة النظر في تركيبة الحكومة برمتها، ويدعو إلى إعادة كتابة البرنامج الحكومي لأن البرنامج الحالي لم يساهم في وضعه وكان أحد خصومه. أما الذي ساهم فيه فقد خرج إلى المعارضة الآن، وحتى لا نصبح أمام مفارقة وجود حزب داخل الحكومة يدافع عن برنامج لم يضعه وحزب خارجها يعارض برنامجا شارك فيه، يجب على بنكيران الموافقة على وضع برنامج آخر يلبي رغبة الوافد الجديد. لكن إعادة النظر في تركيبة الحكومة تعني أشياء كثيرة، من بينها سحب حقائب وزارية من حزب وتفويتها إلى حزب آخر، أي أن الأحزاب الأربعة يجب أن تجلس حول طاولة عليها رقعة شطرنج لكي تلعب لعبة فريدة تجعل الجميع يخرج رابحا. لكن ما العمل لو شعر أحد الحلفاء أن ما تم ترتيبه قسمة ضيزى؟. في هذه الحالة سيكون على بنكيران أن يغضب البعض لكي يرضي آخرين، وسيصبح مدبر أزمات بدل رئيس حكومة، لكن الغاضبين سوف يحتفظون بخياراتهم، وهنا سيلجأ إلى لازمته المعروفة لكي يتهم التماسيح والعفاريت، وسيقول إن حزب الاستقلال خرج بعد أن نسف الحكومة من الداخل. ولأن المزاجية سمة رئيسية في السياسة المغربية دعونا نجازف. تفتقر معارضة حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي إلى الثقل السياسي الذي يكسبها التأثير المطلوب. لقد وضعا في الأسبوع الماضي أرضية مشتركة للتنسيق في المعارضة، لكن هذه الأرضية تحتاج إلى إطار، ومنذ سنوات والحزبان العتيدان بعيدان عن بعضهما، لكن... داخل الحكومة!، ولم يجربا تنسيقا في المعارضة إلا من تحت مظلة ذلك النادي المفتوح دون أن يلجه زائر: «الكتلة الديمقراطية». وقبل أسابيع تذكر أمين عام حزب الاستقلال حميد شباط هذا النادي. حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي يريدان أن يمنحا لمعارضتهما للحكومة صبغة إيديولوجية، ولذلك سيكونان بحاجة إلى التقدم والاشتراكية الذي ربما سيجد نفسه في الحكومة مثل ضيف مرحب به في حفلة كبيرة، لكنه لا يجيد الرقص، حاضر لكنه غير مشارك. والهرج والمرج الذي تعيشه الحكومة حاليا ربما كان بداية هذه الخلطة: الحركة الشعبية تطالب بإنصافها، والتجمع الوطني للأحرار القادم في الطريق يريد أن يكون حساب الحقل موازيا لحساب البيدر. الجميع يتحدث اليوم وعلى لسانه لغة جديدة مختلفة، هي لغة الأرقام، ولو تحدث الجميع نفس اللغة فإن حزب التقدم والاشتراكية سيأتي من يقول له: عليك أن تلتحق بزملائك! إلا إذا أراد البقاء، لكن أن لا يرقص.