سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
البحارة الذين تحولوا إلى أرباب قوارب كانوا يتوجسون من القروض البنكية كان ميناء أكادير في السبعينيات في وضعية جيدة سواء من حيث النظافة أو الأمن والنظام العام
يحكي الحاج الحسين الجموعي أنه رافق أحد الرياس إلى إحدى المؤسسات البنكية من أجل أخذ قرض بنكي، من أجل بناء مركب للصيد وكان ذلك خلال سنة 1974، وعندما دخلا على الموظف المكلف بالقروض الخاصة بمهنيي الصيد، طلب الرايس قرضا بمبلغ 40 مليون سنتيم إلا أن المستخدم بادره بضرورة أخذ مبلغ 60 مليون، لأنه سيحتاج لأكثر من ذلك المبلغ لكن الرايس المذكور توجس من هذا المبلغ وصاح قائلا «أنا لا أريد أن آكل أموال الناس»، وهو ما جعل مرافقه يترجم ما دار بينهما بقوله إن المستخدم يطلب منك أن تبني المركب بمبلغ 40 مليون والباقي اشتري به منزلا، ولكن بعد أن قام الرايس المذكور ببناء القارب احتاج إلى مبلغ إضافي من أجل إكمال بقية المهام وكذا مصاريف أول رحلة له في البحر. كانت الميزة التي تميز العاملين في البحر هي حسن النية والصدق وهو الأمر الذي يقتضيه التعامل مع البحر، لأن الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود ولا أحد يحب أن يخوض غمار البحر وهو مثقل بدين أو يؤنبه ضميره تجاه أحد. فقد كان أهل البحر أهل صلاح ونية ومعقول كما تقول الشهادات، إلا أن الأمر تحول بشكل كبير، كما أن البحارة القدماء كانوا يؤدون ما عليهم من ضرائب ولا يترددون في ذلك، كما أن المكتب الذي يتولى تنظيم الصيد كان يشرف عليه أجنبي وكانت جميع وثائق بيع المنتوج تتم بشكل مرتب ومنظم. فحتى أسماء المراكب كانت لا تخرج عن أسماء لها دلالة أخلاقية وقيمية ك«النية» وغيرها من الأسماء. وبحكم مهمته كمحاسب لفائدة مجموعة من بواخر الصيد يروي الحاج الحسين الجموعي أن الفرنسي الذي كان مسؤولا بمكتب بيع المنتوجات البحرية كان يسلمه لائحة بأسماء مجموعة من أرباب القوارب الذين وقع خطأ بشأن مبيعاتهم، حيث أصبحت بذمة المكتب لفائدتهم مبالغ مالية تتم إعادتها إليهم نهاية كل سنة محاسباتية. ويذكر الحاج الحسين الجموعي على أن هذه المبالغ كانت تصل في بعض الأحيان إلى عشرة آلاف درهم وخمس مائة درهم و100 درهم أحيانا ورغم هزالتها إلا أن هذا الفرنسي كان يعيد هذه المبالغ إلى أصحابها، وأطلق الحسين الجموعي أثناء تعليقه على هذه الواقعة زفرة تعبيرا عن الحسرة على واقع الحال اليوم حيث لم يحدث أن أعاد مكتب البيع أي مبلغ لأي صاحب مركب، سواء قل أو كثر وسواء حدث خطأ واحد أو أكثر. في سنوات السبعينيات كان ميناء أكادير في وضعية جيدة، سواء من حيث النظافة أو الأمن والنظام العام للمرسى، وبحكم أن غالبية أرباب القوارب أميون فقد كانوا يقصدون مكتب المحاسب الحسين الجموعي من أجل تنظيم حساباتهم ويذكر أن هناك من البحارة من اشتغل معه لأزيد من أربعين سنة وهو ما تفسره الثقة التي كان يحظى بها في صفوف هؤلاء ولولا ذلك ما كان لهم أن يستمروا كل هذه المدة في التعامل معه. بحيث كان يتولى جميع الأمور التي لها علاقة بالحسابات وكذا ملفات الوضعية الضريبية للمراكب، كما كان مكتبه يحل بعض الإشكالات المتعلقة بيتامى وأرامل البحارة الذين وافتهم المنية أو وقعت لهم حوادث غرق، بحيث يقوم بجميع الإجراءات من أجل أن يستفيدوا من التعويضات المناسبة لمثل هذه الحوادث التي تدخل دائما في إطار حوادث الشغل. وهو الواقع الذي جعل الحاج الحسين الجموعي يسجل اعتراضه على أن نظام التقاعد هو نفسه الذي يتم تطبيقه على العاملين في البحر، وهو الأمر الذي يجب أن تتم مراجعته، لأن نظام الاشتغال في البحر ليس هو نفسه الذي يسري في باقي القطاعات بسبب ارتباط البحر بفترات الراحة البيولوجية وكذا ما يعرف بالمنزلات المرتبطة بأحوال الطقس وغيرها من العوامل. وهي المهمة التي يرى الجموعي أن على النقابات أن تتولاها باقتراح تعديلات خاصة بالعاملين بالبحر وكذا بتسهيل مأمورية الخروج من البحر في حالة بعض البحارة الذين ينوون تصفية قواربهم واختيار مسار مهني آخر بسبب التعقيدات الضريبية وغيرها. وهو ما يلحق أضرارا كبيرة سواء بالبحارة أو أرباب القوارب على حد سواء وهو ما يحتاج إلى مجهود كبير على مستوى الوزارة الوصية من أجل إعادة النظر في الأساليب المتبعة في هذا الإطار.