كان من الواضح بخصوص الشأن السوري أن قطر تقوم بتسليح الثوار وتمويل الجماعات المسلحة المعارِضة، وليس بالضرورة الجماعات الأكثر اعتدالا أو ديمقراطية، بل حتى بعض الجماعات المدعومة من منظمات هي الآن على القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية. وعندما يُسأل المسؤولون القطريون عن دور بلادهم في دعم الجماعات الإسلامية يقولون: «نحن نريد أن نكون مواكبين للتغيرات التاريخية.. والرياح اليوم تهبّ لصالح «الإخوان المسلمين» الذين هم بصدد تحقيق فوز كبير في الانتخابات التي تشهدها الكثير من الدول العربية. وأفرد الكتاب مساحة مهمّة للدور القطري في الأحداث الدائرة في سوريا. ويكشف في هذا السياق أنّ أمير قطر بات مهووسا بهذا الملف، الذي جعل منه معركة شخصية، حيث ستكون نجاة الأسد ذاتَ انعكاسات وخيمة على السياسة الخارجية وحتى الداخلية القطرية.. ولذلك يوظف كل طاقاته لإسقاطه. وقد أكد أحد أبناء عمومته أنه «إذا طال عمر الأزمة السورية، فقد يهتزّ التوازن الداخلي في الدوحة، ذلك أنّ ثمة صراعا يدور بين رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، الذي «يهندس» الإستراتيجية القطرية في سوريا، والأمير تميم بن حمد، الذي يدير هذا الملف بطريقة مغايرة تماما». وفى السياق ذاته، أكد دبلوماسي فرنسي أنّ السلطة في قطر لا تخطط للمدى الطويل بشأن الأزمة في سوريا، وإنما تعمل على المدى القصير، أيْ إسقاط الأسد بأي ثمن، وهو ما يشكل نقطة ضعفها.. فمنذ صيف عام 2012، قررت قطر تسليح المعارضة السورية على الأرض، وذهبت إلى حد إرسال قوات قطرية خاصة انتشرت عند الحدود التركية والأردنية مع سوريا.. لكنّ محاولاتها المتكررة لإسقاط بشار الأسد باءت بالفشل. ويكشف الكتاب أنه منذ صيف العام الماضي، دخل القطريون في غرفة الحرب التي أُقيمت في تركيا بدعم سعوديّ، مما سمح للأتراك بالإشراف على تدفق الأسلحة الخفيفة، وخصوصا «الكلاشينكوف» وبعض القاذفات المضادة للدّروع والدبابات، وراح المسلحون يشترون هذه الأسلحة من السوق السوداء بفضل أموال المبعوثين السّعوديين والقطريين. ومنذ غشت 2012 بدأ الخلاف يدبّ بين القطريين والسعوديين، حيث أصرّ الإخوان المسلمون، المدعومون من قطر وتركيا، على الإشراف على شبكات وصول السلاح إلى المتمرّدين بغية تعزيز سيطرتهم على الأرض، وهو ما أغضب السعوديين وأحدث شرخا بين المقاتلين على الأرض، بعد أن أصبح كل طرف يقاتل بعيدا عن الآخر، الإخوان، المدعومون من قطر، في جهة، والسلفيون، الذين تدعمهم السعودية، في جهة ثانية.. ويروى الكتاب كيف أنّ القطريين عملوا على أنْ تكون ممارستهم في سوريا هي نفسها الممارسة التي طبّقوها في ليبيا.. ففي حال رفض أوامرهم من طرف قائد فصيل مسلح يفتح المبعوث القطري على الفور خطا مع مساعد القائد ويدفع له مبلغا هامّا من المال، وغالبا ما يقبل الرجل الثاني وينشقّ ويؤسّس مجموعته، وهو ما أدى إلى «تفتت» الثوار.. ويورد الكتاب معلومات في غاية الأهمية عن مساهمة قطر في إسقاط العقيد معمر القذافي، وعن الأسلحة والتمويل والقوافل العسكرية التي كانت تمر بالسودان، والغضب الفرنسي بعد اكتشاف المخابرات الفرنسية أن جزءا من هذه الأسلحة لم يكن يمر إلى المجلس الانتقالي الليبي، وإنما يذهب مباشرة إلى المتطرفين الإسلاميين، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إلى عدم دعوة أمير قطر لمرافقته ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى بنغازي للاحتفال بليبيا الجديدة.. ويُسخّر القطريون المال والإعلام والنفط والغاز في كل تحرّكاتهم السياسية، بعد أن ترسخت لديهم القناعة بأنه بإمكانهم «شراء» كل شيء.. وينقل الكتاب عن قيس العزاوي، سفير العراق في جامعة الدول العربية، قوله: «حينما اتخِذ القرار بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، تحفظت ثلاث دول هي العراق والجزائر ولبنان، وحاولتُ أنا تحريك دول أخرى ضد القرار، فاتصلت بسفراء اليمن ومصر والسودان وتونس، وكلهم طمأنوني بأنهم ضد إبعاد سوريا.. ولكنْ أثناء التصويت فوجئتُ بأنهم جميعا دعموا القرار ضدّ دمشق».. ويضيف: «تعلمون أن القطريين يساعدون كثيرا تونس ومصر والسودان، في ما يشبه نوعا من الابتزاز القطري حيال هذه الدول للحصول على دعمها.. ولحسن الحظ أن التململ بدأ اليوم يزداد ضد قطر في صفوف الدبلوماسيين العرب في الجامعة». وقد استنتج المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، ذلك بنفسه في 13 شتنبر 2012 لدى مروره بالقاهرة في طريقه إلى دمشق للتفاوض مع الرئيس بشار الأسد.. فبعد وصوله إلى مصر، استدعاه رئيس الوزراء القطري، حمد بن جاسم، إلى جناحه في فندق «فور سيزونس»، لكنه سارع بالإجابة: «إذا كان يريد لقائي فما عليه سوى المجيء إلى فندقي، وهذا ما وقع، حيث ذهب إليه الشيخ حمد.. وفي اللقاء، الذي حضره الأمين العامّ للجامعة العربية، نبيل العربي، رفض المبعوث الأممي مَطالب رئيس الوزراء القطري، الذي حدّد له بضعة أسابيع لمهمته، «وإلا فإنّ الدول الأوربية ستقيم منطقة حظر جوّى». وأجابه الإبراهيمي: «أنا مبعوث خاص للأمين العامّ للأمم المتحدة، ولا أعمل بهذه الطريقة، ولا أقبل أيضا أن يحدّد لي شخص ما مهمّتي!»..