أحكم رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم قبضته على كلّ ملفات السياسة الخارجية القطرية، التي لعب دورا محوريا فيها رغم تزايد نفوذ وليّ العهد تميم بن حمد، الذي أبان عن كفاءة عالية في إدارة ملف ليبيا، وكان له دور حاسم في الإطاحة بالقذافي.. وكان يحلو لرئيس الدبلوماسية القطرية أن يلعب دور القائد بين نظرائه العرب. ويكشف الكِتاب، نقلا عن أحد الدبلوماسيين المغاربة، واقعة حدثت في أحد اجتماعات جامعة الدول العربية في المغرب، وجّه خلالها حمد بن جاسم تهديدا صريحا لوزير الخارجية الجزائري مراد المدليسى لرفضه -بشدّة- تبنى موقف معارض للنظام السوري بالطريقة التي تريدها قطر.. فبينما شرع الوزير الجزائري في شرح موقف بلاده، قاطعه حمد بن جاسم بقوله: «اصمت، لم يحنْ دورك للكلام!».. ثم أدار وجهه للحاضرين قائلا: «على كل حال، ليس أمامكم إلا أن تتبعوني، لأنّ الأمريكيين ورائي أنا».. غير أنّ نظرة الأمريكيين أنفسِهم إلى حمد بن جاسم تختلف، لأنه يحاول ممارسة ضغوط في غير محلها على نظرائه العرب وآخرين أيضا. فبعد الحرب الإسرائيلية على حزب الله فى لبنان، في عام 2006، كان من المفترض أن يكون هناك غداء في اختتام اجتماع فى نيويورك عقدته وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها، كوندوليزا رايس، مع وزراء الخارجية العرب، لكنّ كوندوليزا رايس أصرّت على عدم حضور حمد بن جاسم تحديدا، لأنه سيحاول -كعادته- «استعراض عضلاته».. ولم يبذل أيّ من الوزراء العرب جهدا لمحاولة تغيير رأيها أو الإصرار على أن يحضر حمد بن جاسم الغذاء.. ولا يكتفي رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري بإهانة بعض نظرائه، حيث يتصرّف وكأنه الأمير الفعليّ، بل ذهبت به الجرأة، يقول الكتاب، إلى حد أن يدسّ ميكروفونا تحت السجادة خلال حديث بينه وبين العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز.. وكان لا بد -مع تعاقب السنوات- أن تطفو على السطح صراعاتٌ في قلب العائلة المالكة القطرية قد تغيّر مسار حمد بن جاسم، وخاصة صراعه مع الشيخة موزة وابنها وليّ العهد تميم بن حمد، الذي مكّنه والده من ملفات صفقات التسليح التي ظلت في يد حمد بن جاسم لوقت طويل، وبدأ يُدخله وهو لم يتجاوز بعدُ الثلاثين من عمره، إلى قلب نفوذ حمد بن جاسم، وهو مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية لقطر. شهدت الحرب على ليبيا تزايدَ دور الأمير تميم في مجال العلاقات الخارجية، وشرع أمير قطر يعتمد على ابنه أكثرَ لإدارة الملفات الدبلوماسية الحساسة التي كانت في الأساس مهمّة رئيس الوزراء. وخلال الحرب ضد نظام القذافي في ليبيا، كان الأمير تميم هو المسؤول عن الاتصالات بالقبائل الليبية، التي لعبت دورا شديد الأهمية والحسم في الإطاحة بالقذافي.. وكان نجاح تميم في إدارة الملف الليبي سببا في أن يعتمد عليه والده من جديد في تعامل قطر مع الأزمة السورية، وهو الملف الذي أجّج الصّراع بين حمد بن جاسم وعزمي بشارة، رجل تميم في الملف السوري، على حد وصف الكتاب.. وتكشف إحدى البرقيات الدبلوماسية السرية التي أرسلتها السفارة الفرنسية في الدوحة أن قطر سعت في أزمة سوريا إلى حشد التأييد الدولي لدعم المعارضة السورية بكل الوسائل، بما فيها حشد الفنانين والكتّاب، وتقديم الدعم المالي والسياسي للمجلس الوطني السوري، وتحريك رجال الأعمال السوريين.. باختصار، كل ما يمكن أن يجعل الدّوحة عاصمة المعارَضة السورية، التي يتم التخطيط لمستقبل سوريا فيها. وكما حدث في ليبيا، فإنّ رجلا واحدا لعب دورا محوريا في هذا التحرّك، وهو عزمي بشارة، نائب الكنيست الإسرائيلي السابق من عرب إسرائيل، الذي تم نفيه من إسرائيل بسبب صلاته بحزب الله، واستضافته الدوحة بعد ذلك لكي يدير أحد مراكز الأبحاث فيها. وعزمي بشارة، المقرب من الأمير تميم، منخرط مع المعارضة السورية منذ بداية الأزمة، لكنه اضطرّ لاحقا إلى أن يتراجع أمام رئيس الوزراء حمد بن جاسم، الذي انتزع ملف الأزمة السورية وأحكم قبضته عليه.. ومنذ اللحظة التي وُضِع فيها الأمير حمد ابنه الثانى فى منصب ولى العهد، راح الأمير تميم -الذي ورث عن أبيه القامة الكبيرة- يضع رجاله فى المواقع المؤثرة والحيوية فى قطر. وكان هو بالفعل المحرّكَ الأساسى فى كل الأحداث الرياضية التى قررت قطر تنظيمها، ومنها كأس العالم فى 2022، الذي فازت قطر بتنظيمه، وهو ما مكّنه من تدعيم سلطته داخليا، ومنح القطريين مشروعا يلتفون به حوله.. ولم يبق له سوى معرفة اللحظة التى سيتسلم فيها فعليا الحكم من والده، وما إذا كان سيتمتع بالدعم الكامل من باقى مجلس العائلة المالكة القطرية، ومن رئيس الوزراء حمد بن جاسم على وجه التحديد.. والمعروف عن ولي العهد القطري أنه إصلاحيّ، درس فى الأكاديمية العسكرية الملكية البريطانية، مثل أبيه. يجيد الإنجليزية والفرنسية بطلاقة كبيرة، خاصة أنه تربّى على يد مربية بلجيكية، ودرس في جامعة «لوفان» البلجيكية.. وكان هو صاحب فكرة شراء قطر ناديّ كرة القدم الفرنسى «باريس سان جيرمان»، الذى ترك إدارته لصديقه ناصر الخليفى، المدير العامّ لقنوات «الجزيرة الرياضية».