من رجل متشدد حول الصومال إلى أفغانستان خلال حكم الملا عمر خلال فترة رئاسته للمحاكم الإسلامية، منبوذ من طرف المجتمع الدولي مرورا بزعامة «التحالف من أجل إعادة تحرير الصومال» وصولا إلى الرئيس الصومالي الجديد، أصبح اليوم الشيخ شريف شيخ أحمد، في نظر العالم، الرجل الوحيد الذي يمكن أن يحل معادلة التعايش مع برلمان منقسم، وشعب جائع، وعالم خارجي يتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، والتحديات العسكرية الكبيرة لجماعة الشباب. اليوم، رقصت صوماليات في الشوارع وأطلقت في الهواء صواريخ مضادة للطائرات احتفالا بالرئيس الجديد شيخ شريف أحمد الذي تعهد بإنهاء الصراع في بلاده وإحلال السلام مع الدول المجاورة مع نزاهة الحكم وإقامة العدل. اليوم واشنطن رحبت بتنصيب الرئيس الجديد، وشبه المبعوث الأمريكي الخاص إلى الصومال جون ييتس أداء اليمين الدستورية بحفل تنصيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وذكر بيان أصدرته السفارة الأمريكية في نيروبي أن الولاياتالمتحدة تتطلع إلى التعاون مع الرئيس الجديد لإحلال السلام في الصومال. لكن أقل من سنتين فقط قبل اليوم، كان الشيخ شريف، في نظر العالم،» قائد النسخة الإفريقية من طالبان»، التي تضم بين صفوفها الشيخ ظاهر عويص الذي يوجد اسمه في قوائم الإرهاب لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية، والرجل الذي حول الصومال إلى أفغانستان خلال حكم الملا عمر. لم يفرض، حسب مراسل مجلة نيوزويك الأمريكية، الإسلام المتشدد على الطريقة الوهابية فحسب بل وفر ملاذا لإرهابيين دوليين ومنع الأفلام والموسيقى وحفلات الزواج المختلطة في العاصمة وأغلق المقاهي المفتوحة التي كانت تعرض أشرطة فيديو بطولة كأس العالم لكرة القدم. وكان شيخ شريف شيخ أحمد قد عاد إلى الصومال في بداية نونبر الماضي، بعد سنتين قضاهما في المنفى، إثر هزيمة القوات الإثيوبية مسلحي اتحاد المحاكم الإسلامية من مقديشو، بهدف تعزيز سلطة الحكومة المؤقتة على العاصمة الصومالية، وفراره إلى الأراضي الكينية، حيث تم اعتقاله لحوالي شهر. بعد إطلاق سراحه، شد الرحال إلى اليمن في فبراير 2007، ليلحق بعدد من عناصر جماعته التي فرت إلى اليمن بعد دخول القوات الإثيوبية إلى العاصمة مقديشو. في اليمن، أعلن الشيخ شريف عن استقالته من المحاكم الإسلامية، ووقع اتفاقا منفردا مع نور عديّ، رئيس الوزراء الصومالي السابق، في جيبوتي برعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة لدى الصومال، وتولى شريف رئاسة تحالف المعارضة الصومالية الذي تأسس السنة الماضية. وبعد أسبوع على توقيع هدنة لوقف إطلاق النار، تدعو في الوقت نفسه إلى سحب القوات الإثيوبية من الصومال بشكل كامل مع حلول عام 2009، منهية وجودا دام عامين في بلد أدمته الحروب، عاد الشيخ شريف إلى الصومال وشارك في الانتخابات الرئاسية. وقد تغلب شيخ شريف، الذي يتزعم «التحالف من أجل إعادة تحرير الصومال»، على كل من نور حسن حسين، الذي انسحب بعد جولة أولى من التصويت، وكذلك الجنرال مصلح سياد بري، نجل الرئيس الصومالي الأسبق، محمد سياد بري، في جولة ثانية. قبل أن يصبح الشيخ شريف شيخ أحمد قائدا للمحاكم الشرعية الإسلامية كان يعمل مدرسا في إحدى المدارس الثانوية بمنطقة «ياقشيد»، شمال العاصمة، وهناك وقع ما سيغير حياته إلى الأبد. فقد اختطفت ميليشيات مسلحة أحد طلبة المدرسة التي كان يدرس فيها، وبما أن الخاطفين كانوا موجودين بمنطقة ال«سي سي» التي كان يقطنها، فقد شارك البحث عن الطالب المخطوف ومفاوضة الخاطفين. وبعد تحرير الطالب الرهينة بعد أيام، طرح الأهالي فكرة إنشاء محكمة إسلامية وقوة أمنية خاصة بالحي لردع الخاطفين والمجرمين الآخرين، ووقع اختيارهم على الشيخ شريف رئيسا للمحكمة الإسلامية بمنطقة ال«سي سي» . ووجد الشيخ شريف نفسه «وسط العمل السياسي والأمني في وقت ضعفت فيه سلطة زعماء الحرب، واشتدت عمليات الخطف والنهب التي تقوم بها الميليشيات القبلية المسلحة، وقد تحولت منطقة ال«سي سي» التي كانت في السابق أخطر المناطق في العاصمة مقديشو إلى منطقة آمنة وعادت إليها الحياة من جديد». هذه النتائج المبهرة أوحت لشريف بفكرة توحيد المحاكم الإسلامية المنتشرة في العاصمة لتعزيز قوتها، وعددها 13 محكمة إسلامية، كل منها تملك ميليشيات مسلحة منظمة إلى جانب جهاز قضائي يقوم بمهمة فصل المنازعات وتوثيق العقود إلى جانب حماية الأمن. وفي سنة 2004 ، تم تحقيق الحلم وإنشاء «اتحاد المحاكم الإسلامية»، كما تم انتخاب الشيخ شريف رئيسا لهذا الاتحاد الذي أصبح قوة لا يستهان بها في العاصمة. كان والد الشيخ شريف شيخ أحمد وجده من شيوخ الطريقة الإدريسية في الصومال، وذلك منذ منتصف القرن التاسع عشر. ولد الشيخ شريف شيخ أحمد في 25 يوليوز سنة 1964 خارج بلدة مهادي، إلى الشمال من جوهر التي تبعد 90 كيلومترا شمال العاصمة مقديشيو. درس الشيخ شريف أولا في المدرسة الابتدائية والإعدادية في جوهر قبل أن ينتقل بعد ذلك إلى مقديشيو، حيث درس في مدرسة الشيخ الصوفي الثانوية التي يلتزم فيها الجميع بالتعليم باللغة العربية. وفي منتصف الثمانينات توجه إلى السودان لمتابعة تعليمه العالي، ودرس هناك في جامعة كردفان في مدينة الدلنج وتخصص في الجغرافيا واللغة العربية. وفي سنة 2002، عاد الشيخ شريف إلى جوهر في الوقت الذي كانت فيه حكومة عبد القاسم صلاد حسن تسعى لترسيخ سيطرتها في مقديشيو. وعمل مع محمد ديري، أمير الحرب الذي ينتمي إلى نفس عشيرته والذي كان مسيطرا على جوهر آنئذ، وذلك ضد صلاد حسن. وقد أصبح أحمد رئيسا للمحكمة الإقليمية في جوهر، غير أن تحالفه مع ديري، وهو العضو الرئيسي في التحالف ضد الإرهاب والذي كان لا يزال يسيطر على جوهر، لم يستمر طويلا وفر من جوهر إلى مقديشيو حيث بدأ التدريس في مدرسة جبة الثانوية إلى أن حدث ما حدث وتبدلت حياته بالكامل. كل التطورات والأحداث المتعاقبة في الصومال، إضافة إلى مسؤوليته الجسيمة كقائد، حرمته من هوايته المفضلة ألا وهي القراءة. فالشيخ شريف يعشق الكتب ويقرأ بنهم المؤلفات في التاريخ الإسلامي والأدب العربي كما كان فيما قبل يتابع الحركة الثقافية والأدبية في العالم العربي، ويستمتع بشدة بالشعر العربي الكلاسيكي. مهمة صعبة تنتظر الرئيس الصومالي الجديد، فالصومال يواجه مجموعة من التحديات الكبرى، بما فيها المجاعة، والفقر، والغياب المزمن للأمن وحكم القانون، والدول المجاورة التي تتدخل في الشؤون الداخلية للصومال، إلى جانب الذكرى المؤلمة لسلسلة الإخفاقات لمساعي تحقيق السلام. لكن رغم صعوبة هذه المهمة، فهي ليست مستحيلة بالنسبة إلى رجل عرف عند الصوماليين بكونه منقذا للصومال من الغرق في مستنقع الفوضى وتفشي الإجرام وأمراء الحرب، وحول مقديشيو إلى مدينة آمنة لا يسمع فيها صوت طلقة رصاص واحدة.