كان كريم البخاري، ابن احمد البخاري أشهر عميل استخبارات في المغرب، يستعد لدراسة السينما في فرنسا، فوجد نفسه طالبا في شعبة البيولوجيا والجيولوجيا بالدار البيضاء، لم يرقه ذلك فقرر أن يصبح طبيبا.. هكذا ارتدى الوزرة البيضاء وعلق سماعة الطبيب لمدة سبع سنوات، وعندما حان موعد تقديم أطروحته لنيل الدكتوراه، قفز إلى الصحافة ل«معالجة» مواضيع الثقافة والسياسة والمجتمع، ولا يزال، إلى الآن، طبيبا مع وقف التنفيذ. على كرسي اعتراف «المساء»، يحكي كريم البخاري عن علاقته بعلي يعتة، القيادي الشيوعي ومدير جريدة «البيان» التي كانت أول جريدة يشتغل فيها، وكيف كان علي يعتة يؤدي رواتب الصحافيين ب«الكانزا» ودون عقدة عمل، دون أن يغفل الحديث عن رفض والده احمد البخاري لعمله الجديد ونعته الصحافة بكونها مهنة تافهة. ويقف كريم البخاري، أيضا، عند أقوى اللحظات في تجربتي «تيل كيل» و«لوجورنال»، وكيف اختلف مع بنشمسي في نشر ملف عن الأمير مولاي هشام؛ كما يتذكر علاقته بادريس البصري الذي كان يسمي البخاري «طاراس بولبا»، وحواره الذي لم ينشر مع هشام المنظري، ومفاوضاته مع عدد من رجالات الدولة؛ ويعترف، على كرسي البوح مع «المساء»، بأنه تدخل في كتابة مذكرات والده، فشطب على أمور وأعاد ترتيب أخرى، كما يستعيد المضايقات والتحرشات التي تعرض لها هو ووالدته. - ما هو الشيء الذي لم يقله والدك عن علاقته بالمهدي بنبركة؟ المؤثر هو ما حكاه لي والدي من أنه هو وعدد من زملائه السابقين في «الكاب 1» حدث لهم ما يشبه «متلازمة ستوكهولم» لكن بشكل معكوس «Le syndrome de Stockholm» (هو مصطلح يطلق على من يتعاطف مع من أساء إليه). لقد أصبح لوالدي وعدد من زملائه السابقين في «الكاب 1» ارتباط وجداني بالمهدي بنبركة، وقد حكى لي أنه عندما كان يلتقي بهم في لقاءات متعددة كانوا يتذكرون نظراته ويتحدثون عنه بتقدير عال.. لقد أصبح الجلاد معجبا بضحيته. من ناحية أخرى، أنا تربيت في حضن رجل يشتغل مع النظام في جهاز حساس، وبالتالي كان يفترض أن أكون ملكيا، لكن العكس هو الذي حدث، وهذا راجع إلى كوني تربيت في بيت يذكر فيه المهدي بنبركة كمثل أعلى ورمز للطهارة والنقاء. - كيف جرى الاتصال الأول بين والدك وبوبكر الجامعي مدير، «لوجورنال»؟ في البداية، سلم والدي «لوجورنال» ظرفا يحتوي على مذكراته وتقاريره التي تضمنت بعض تفاصيل مقتل بنبركة، كما أرسل ظرفا مماثلا إلى «دومان»، لكنه تلقى ردّا سريعا من بوبكر الجامعي فالتقى به في صيف 2001، ليُنشر بعد ذلك ملف عن بنبركة، استنادا إلى شهادة والدي، وقعه في كل من «لوجورنال» و»لوموند» الثلاثي بوبكر الجامعي وعلي عمار وستيفن سميث. - كيف اشتغل الصحافي ستيفن سميث مع والدك أحمد البخاري على نشر مذكراته في «لوموند» الفرنسية؟ لقد اشتغل ستيفن سميث مع والدي كمحقق صارم، فكان يسأله بالتدقيق عن تفاصيل الأحداث والوقائع والساعة التي حدثت فيها، ثم يعود ليطرح عليه السؤال نفسه بعد أن يجري بحثا حول وقائع تزامنت مع ما حكاه له والدي، كأن يقول له: «لقد فعل الحسن الثاني في اليوم نفسه كذا وكذا بينما أنت تقول عكس ذلك».. لقد كان ستيفن سميث يشتغل مع أحمد البخاري بلا عواطف، وهذه ميزة الصحافيين الأمريكيين؛ فمرة، تحدث في أحد مقالاته عن أختي التي كانت تشتغل في مصحة بالرباط، وقد أزعجني ذلك كثيرا، لأنه كان بيننا اتفاق ضمني على ألا يتطرق في مقالاته إلى أفراد عائلتنا غير المعنيين بما صرح به والدي، وأذكر أنني اتصلت به مرات عديدة طيلة يومي السبت والأحد، لكنه لم يكن يرد على الهاتف، وفي مساء الأحد اتصل بي سميث يخبرني بأنه لا يرد على المكالمات خلال عطلته الأسبوعية. وقد تفهمت ذلك رغم أنني كنت أستشيط غضبا، إذ لو كان الأمر يتعلق بصحافي فرنسي لما تردد في الرد على اتصالي حتى خلال عطلة نهاية الأسبوع. - مع بداية نشر شهادة والدك، صرح بأنه وأفراد أسرته يتعرضون لمضايقات؛ كيف عاشت أسرتكم هذا الوضع الجديد؟ أصبح الوضع صعبا مع بداية صدور شهادة والدي في الصحافة. حينها كنت أسكن في شقة بمفردي، وكانت لي صديقتان مقربتان تعرضت شقتاهما للسرقة خلال أسبوع واحد؛ والسبب ببساطة هو الصداقة التي كانت تربطهما بي. كما أن هاتفي النقال أصبح موضوعا تحت مراقبة مشددة، فكنت أتواصل بصعوبة مع والدتي، مثلا، لأنني كنت أسمع ما معدله كلمة من خمس كلمات. أضف إلى ذلك أنه قبل أن تبدأ «لوجورنال» و»لوموند» في نشر تصريحات والدي، صارت لقاءاته مع بوبكر الجامعي تتم تحت مراقبة مكثفة؛ وأذكر أنه في أحد لقاءاتي أنا ووالدي مع بوبكر الجامعي وعلي عمار وستيفن سميث، صحافي «لوموند»، كانت هناك سيارة تلاحقنا أينما انتقلنا، حيث اضطررنا إلى أن نقوم بعدد من التمويهات لنضللها، حتى إننا عمدنا إلى تغيير السيارة التي كنا نستقلها بأخرى في أحد المرائب في سلا. ومرة، كنت ذاهبا مع والدي على متن سيارتي إلى بيت الأسرة في حي بوركون بالدار البيضاء، وفطنّا إلى أن هناك سيارة من نوع «أونو» تتعقبنا أينما ذهبنا، وأذكر أنني دخلت إلى سوق بوركون خصيصا لأتمكن من تضليل ملاحقينا وسط زحمة السوق، وفي لحظة ما نظرت في المرآة «Rétroviseur» فلم أر سيارة «الأونو» خلفنا، توقفت قليلا، وعندما سألني أبي عن السبب أخبرته بأنني أنتظر أصدقاءنا الذين يلاحقوننا حتى يصلوا إلينا، فانفجرنا ضاحكين. وفي إحدى المرات ذهبت لزيارة أبي، فلمحت سيارة ال»أونو» التي كانت تربض ليل نهار أمام بيت الأسرة. ركنت سيارتي قرب المنزل ومشيت بضع خطوات في اتجاه سيارة «الأونو»، وفي تلك اللحظة بالضبط لمحت رجلا في الشارع يسرق محفظة امرأة ويركض، على مرأى من الجميع، بمن فيهم رجال الأمن المكلفون بمراقبة أفراد أسرتنا، فاتجهت إلى سيارة «الأونو» وقلت لمن بداخلها: «ألن تتحركوا لإلقاء القبض على اللص؟»، فأجابني أحدهم: «هذا ليس شأننا، احنا هنا باش...» وأشار بأصبعه إلى بيتنا.