كان كريم البخاري، ابن احمد البخاري أشهر عميل استخبارات في المغرب، يستعد لدراسة السينما في فرنسا، فوجد نفسه طالبا في شعبة البيولوجيا و الجيولوجيا بالدارالبيضاء، لم يرقه ذلك فقرر أن يصبح طبيبا.. هكذا ارتدى الوزرة البيضاء وعلق سماعة الطبيب لمدة سبع سنوات، وعندما حان موعد تقديم أطروحته لنيل الدكتوراه، قفز إلى الصحافة ل«معالجة» مواضيع الثقافة والسياسة والمجتمع، ولا يزال، إلى الآن، طبيبا مع وقف التنفيذ. على كرسي اعتراف «المساء»، يحكي كريم البخاري عن علاقته بعلي يعتة، القيادي الشيوعي ومدير جريدة «البيان» التي كانت أول جريدة يشتغل فيها، وكيف كان علي يعتة يؤدي رواتب الصحافيين ب»الكانزا» ودون عقدة عمل، دون أن يغفل الحديث عن رفض والده احمد البخاري لعمله الجديد، ونعته الصحافة بكونها مهنة تافهة. ويقف كريم البخاري، أيضا، عند أقوى اللحظات في تجربتي «تيل كيل» و«لوجورنال»، وكيف اختلف مع بنشمسي في نشر ملف عن الأمير مولاي هشام؛ كما يتذكر علاقته بادريس البصري الذي كان يسمي البخاري «طاراس بولبا»، وحواره الذي لم ينشر مع هشام المنظري، ومفاوضاته مع عدد من رجالات الدولة؛ ويعترف، على كرسي البوح مع «المساء»، بأنه تدخل في كتابة مذكرات والده، فشطب على أمور وأعاد ترتيب أخرى، كما يستعيد المضايقات والتحرشات التي تعرض لها هو ووالدته.
- من يكون كريم البخاري، إذا استثنينا كونك صحافيا وابن عميل «الكاب 1» الشهير أحمد البخاري؟ ازددت سنة 1967 في القنيطرة حيث كان والدي يشتغل في الأمن. وبما أن للوالد تكوينا فرنسيا فيما للوالدة تكوين عربي، فقد أثر ذلك في تشكيل شخصيتي فجاءت جامعة بين الثقافتين العربية والفرنسية. وعندما انتقلنا إلى الدارالبيضاء للاستقرار فيها رغبت والدتي، على عكس ما كان متوقعا منها، في أن أتابع دراستي بثانوية ليوطي الفرنسية، فيما عارض والدي هذا الأمر وأصر على أن أتابع دراستي في مدارس «اولاد الشعب» العمومية. وعلى العموم، فقد راوحت بين متابعة دراستي وسط «اولاد الشعب» ووسط «اولاد المرفحين»، لكنني لم أكن مقبولا تماما، إن وسط هؤلاء أو أولئك؛ ف«اولاد الشعب» كانوا يعتبرونني من أبناء «المرفحين» فيما الأخيرون كانوا ينظرون إلي كواحد من أبناء الطبقة الشعبية. - بالقنيطرة، هل كان والدك يشتغل في جهاز الاستخبارات «كاب 1» أم في سلك الشرطة؟ والدي اشتغل في «الكاب 1» منذ تأسيسه سنة 1960، حيث تم اختيار أهم العناصر من سلك الشرطة وتكوينهم في المجال الاستخباراتي. - في أي سياق انتقل والدك، ومعه أسرتكم، إلى الدارالبيضاء؟ انتقلنا بداية من القنيطرة إلى الرباط، ومنها إلى فرنسا التي تم تكليف والدي بمهمة فوق ترابها، لكن بعد محاولة الانقلاب الثانية في 1972 تمت المناداة على والدي للعودة إلى المغرب. - ما هي المهمة الاستخباراتية التي كان والدك مكلفا بها في فرنسا؟ لا أعرف، فلم يكن عمري في 1971 يتجاوز خمس سنوات. - مع بداية تشكل وعيك كطفل وكمراهق، ما الذي عرفته عن عمل والدك؟ منذ السبعينيات أصبحت علاقة والدي ب»الكاب 1» مركبة، فقد كان يقوم بأعمال حرة بالموازاة مع اشتغاله مع جهاز الاستخبارات، لذلك كنت أنظر إليه كرجل أعمال. - هل كان معروفا وسط محيطكم العائلي أن احمد البخاري رجل أعمال؟ لا يجب أن ننسى أن مهنة البوليس في السبعينيات كانت تثير رهبة الناس، ولم يكن أحد يجرؤ على النبش كثيرا حول من لهم علاقة بهذه المهنة. ما كان والدي يصرح لنا به هو أنه يشتغل ضمن فرقة الدرّاجين الذين يرافقون الملك، وهو بالفعل كان قد خضع لتدريب في هذا المجال، لكن هذه كانت طريقته في «أن يقول بدون أن يقول»، وعندما بدأ وعيي يجعلني أحدس أن والدي يشتغل لصالح جهاز سري لم أتجرأ على طرح سؤال من هذا النوع عليه. - متى عرفت بالتفصيل طبيعة عمل والدك؟ في بداية التسعينيات، حينما كانت علاقته بجهاز «الكاب 1» قد انقطعت وكنت أنا قد دخلت عقدي الثالث، وأصبح لدي من النضج ما يكفي لتجنيبي الصدمة. ثم إن والدي ليس من النوع الذي يتحدث بإسهاب عن نفسه، إذ يمكنه أن يحدثك لساعة عن الموضوع دون أن تخرج بفكرة واضحة عنه، كما أنه ليس من النوع الذي يمكنه إجابتك تلقائيا متى سألته. - هل كانت والدتك تعرف تفاصيل عمل زوجها أحمد البخاري؟ بالتأكيد، فهي زوجته، لكنني أظن أنها كانت تعرف عمله بشكل عام دونما إحاطة بالتفاصيل، وهذا طبيعي بالنظر إلى نوعية المهمات التي تسند إلى العاملين في أجهزة الاستخبارات، كما أن فيه حماية للأسرة نفسها. - بعد حصولك على الباكلوريا درست الطب قبل أن تجد نفسك صحافيا؟ بعد حصولي على الباكلوريا في العلوم التجريبية، كنت أطمح إلى دراسة السينما، وكنت بالفعل قد اجتزت بنجاح مباراة انتقائية في «معهد الدراسات العليا السينماتوغرافية» في فرنسا (IDHEC)، الذي أصبح يعرف الآن ب«المدرسة الوطنية العليا لمهن الصورة والصوت» (FEMIS)، وهي أكبر مدرسة للسينما في فرنسا وأوربا. وبينما كنت أستعد للسفر لإتمام إجراءات التسجيل في «IDHEC»، تخلفت عن موعد التسجيل لأجد نفسي في بداية الموسم الدراسي أدرس البيولوجيا والجيولوجيا، في كلية «طريق الجديدة»بالدارالبيضاء، لكنني لم أكن متحمسا لدراسة هذه الشعبة. وفي نهاية السنة، اجتزت مباراة الولوج إلى كلية الطب بنجاح. وعلى مدى سنتين درست الطب بشكل عادي، لكنني توقفت خلال السنة الثالثة (السلك الثاني) في منتصف العام الدراسي وقمت بثورة على نفسي واتخذت قراري الأحمق: أن أذهب إلى أمريكا. وهكذا حصلت على التأشيرة وسافرت. - ألم يعارض أحد من أسرتك هذا الاختيار «الأحمق» كما وصفته؟ أبدى والدي ووالدتي معارضة شديدة، لكنني كنت مصمما على قرار السفر. - ما الذي فكرت في القيام به في أمريكا؟ أن أعيش (يضحك). حينها كان ابن خال لي يعيش في واشنطن، وكان قد أصبح «إخوانيا» بعدما كان عاشقا لموسيقى «الروك أند رول». أعددت حقيبة من الكتب والأشرطة الموسيقية وسافرت، غير أن «رحلة العمر» التي طالما حلمت بها تحولت إلى رحلة أسبوعين، فعندما نزلت في واشنطن وجدت أن الأجواء «الإخوانية» لابن خالي لا تلائمني، بحثت لي عن عمل منذ اليوم الثاني من وصولي إلى واشنطن، التقيت بمغاربة.. لكن سرعان ما تداعى حلمي ودخلت في سلسلة من المراجعات.. لقد تركت دراستي، وأنا لا أتقن الإنجليزية جيدا. بعد أسبوعين، جمعت ما يكفي من المبررات للعودة إلى المغرب. وبعد مرور شهر على عودتي سنة 1989، قصدت جريدة «البيان». - لماذا «البيان» بالتحديد؟ حينها لم تكن هناك خيارات كثيرة في الصحافة الناطقة بالفرنسية، كانت هناك «لوبينيون» لكن مكتبها كان في الرباط، فيما كانت أسبوعية «ليبراسيون» لا تتوفر على مقومات الجريدة، أما «لوماتان» فهي جريدة المخزن، لذلك لم يكن أمامي غير «البيان».