حقائق تنشر لأول مرة على لسان محمد الحبابي، «الشيوعي» الذي أسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية رفقة المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، دون أن يتخلى عن صداقته لمستشاري الحسن الثاني وجنرالاته الأقوياء. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يتحدث أستاذ الاقتصاد عن علاقته بالجنرالين القادري والدليمي وبإدريس البصري، وكيف جمع بين علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد لتأسيس الكتلة الوطنية، ثم اتصل بالقصر الملكي لتشكيل حكومة الكتلة في 1971؛ ويتطرق الحبابي إلى علاقة الاتحاديين بالانقلاب على الحسن الثاني سنة 1972. ويميط اللثام عن أسرار غير معروفة في قضية المهدي بنبركة، وكيف خطط رفقة اليازغي لاختطاف «قتلة» المهدي، وكيف سجنه الحسن الثاني رفقة بوعبيد واليازغي بعد رفضهم الاستفتاء حول الصحراء سنة 1981. - سبق أن صرحت بأن ادريس السلاوي، مستشار الحسن الثاني، الذي كان صديقا لك، أجابك، عندما سألته عن مكان دفن بنبركة، قائلا: «إنها جريمة قتل بدون جثة». ألا يرجِّح هذا رواية أحمد البخاري، عميل «الكاب 1»، الذي يقول إن جثة المهدي تم تذويبها في حوض من الحمض؟ لا، رواية البخاري هي رواية جهاز الاستخبارات الأمريكية ال«سي آي إيه»، الذي عندما رأى أن قضية المهدي قد عادت لتثير النقاش، مع الانفراج الذي صاحب بداية التسعينيات، وما قد يشكله ذلك من انكشاف خيوط المؤامرة المتشابكة التي أدت إلى اختطاف واغتيال المهدي، قام (ال«سي آي إيه») باختلاق هذه الرواية التي تضع حدا للبحث عن جثة المهدي والجهد المبذول من أجل تحديد الجهات التي تسببت في مقتله، وذلك بالقول إن جثة المهدي لا وجود لها وإن المسؤولين المباشرين والأساسيين عن اغتياله قد ماتوا، وبالتالي فإن القضية قد انتهت. أما صديقي ادريس السلاوي، المستشار الملكي، فعندما طلبت منه أن يدلني على مكان دفن جثة المهدي، بعد حوالي أسبوع أو أسبوعين على اغتياله، فقد أجابني قائلا: اسمع يا بوبي (هكذا كان يناديني) c est un assassinat sans cadavre، وكان يقصد الرواية التي سوف يكشف عنها الدكتور كليري (طبيب العائلة الملكية) في الكتاب الذي أصدره في 2002 والتي تقول إن أوفقير وضع رأس المهدي بنبركة في وعاء، بحضور مستشاري الملك ادريس السلاوي ومحمد الشرقاوي، فأغمي على هذا الأخير من هول ما رآه. - هل أكد لك صديقك ادريس السلاوي هذه الرواية؟ لا، عندما أصدر الدكتور كليري كتابه في 2002 كان ادريس السلاوي قد مات، لكن محمد الشرقاوي أكد هذه الواقعة للفقيه البصري الذي حكاها لي. كما أن الإخوة بوريكات أكدوا أن رأس المهدي مدفون في المعتقل السري «PF3». - هل كان نشاط المهدي بنبركة الدولي، ضمن حركة التحرر الوطني، محط رضى قيادات الحزب، وأساسا عبد الرحيم بوعبيد؟ لم يكن عبد الرحيم موافقا تماما على تحركات المهدي في الخارج. كان يتمنى لو أن المهدي يستثمر طاقته في المغرب. وموقفه هذا بقدر ما كان موضوعيا، لم يكن يخلو أحيانا من غيرة من المهدي نتيجة الشهرة التي أصبح يحظى بها الأخير بفعل تحركاته الدولية. - ما الذي كان يميز المهدي بنبركة عن عبد الرحيم بوعبيد؟ لقد كان المهدي يتجاوز عبد الرحيم كثيرا في التنظيم والقدرة على التحرك، حيث كان بإمكانه أن يعقد، في اليوم الواحد، ما بين ثلاثة وأربعة اجتماعات في مدن متفرقة؛ أما عبد الرحيم فكانت قوته في الفكر، وقد كان هو واعيا بهذا، فقد قال لي مرة: هناك شخصان استثنائيان في المغرب: أنا والحسن الثاني. وبالفعل، كان عبد الرحيم شخصا استثنائيا لكنْ شعبيا ومتواضعا وقنوعا، إلى درجة أنه لم يكن يريد أن يغادر منزله في بطانة في سلا للسكن في الرباط، وكان يقول لي: ما الذي سأفعله بمنزل كبير. ولولا أننا قمنا أنا واليازغي بالبحث له عن منزل في الرباط، بأموال زوجته، لما غادر حي بطانة في سلا. - أسست في سنة 1964 جريدة «ليبيراسيون»، التي سيتم إيقافها بعد اختطاف المهدي بنبركة؟ قبل تأسيس «ليبيراسيون» كان مستشار الحسن الثاني أحمد رضا اكديرة يصدر جريدة «ليفار»، التي تأسست في 1959، وكانت تهاجمنا بسبب أو بدونه. - هل، فعلا، كان الحسن الثاني يكتب افتتاحيات «ليفار»؟ راج ذلك بالفعل، لكنني لست متأكدا منه. ما أخبرني به الزياني، الذي كان يشتغل في ديوان اكديرة، هو أن مواد الجريدة كانت تأتي من وزارة الداخلية. وأذكر أن أحد أعداد «ليفار» رسمني، عندما كنت مديرا لمكتب الأبحاث والمساهمات الصناعية، في كاريكاتور وأنا أحاول أن أمسك سروالي المتهدل. وقد صادف نشر ذلك الكاريكاتور الحملة الانتخابية لسنة 1963، فاتصلت بالزياني لأستفسره عن سبب تهكم الجريدة علي، فأجابني بأن مواد الجريدة تأتي من وزارة الداخلية. - كيف فكرت في إصدار «ليبيراسيون»؟ عبد الرحيم هو صاحب الفكرة. كنت أتحدث إليه يوما حول صحافة الحزب، فقال لي: يجب أن تكون لنا جريدة ناطقة بالفرنسية، إلى جانب جريدة «التحرير»، وطلب مني أن أشرف عليها، ووعدني بأن يتعاون معي. وفي شتنبر 1964 أصدرنا العدد الأول، لكن عبد الرحيم لم يكن يكتب إلا بعض الافتتاحيات، فيما كنت أتكفل أنا بكتابة كلّ مواد الجريدة، وأحيانا كنت أطلب من عبد الواحد الراضي أو محمد التبر أن يكتبا مقالات من حين إلى آخر، لكن 90 في المائة من المقالات كنت أكتبها أنا. - لم تكن الجريدة تتوفر على صحافيين؟ كان هناك أندري أزولاي الذي بعث به إلي عبد الرحيم بوعبيد للاشتغال كصحافي في الجريدة، وقد اشتغل معي حوالي شهرين، صرفت له فيهما راتبه؛ وقد كان أزولاي يكتب في الغالب في الاقتصاد، لكن الجريدة لم يكن بإمكانها تحمل أداء راتبه، فاتصلت بعبد الرحيم وقلت له: «أنا الجريدة مكتطيح علي حتى بصولدي، وهاذ أزولاي غادي يدِّي لي الميزانية كلها، لذلك قلت له الله يهنيك».