هناك إشكالية في المغرب اسمها الشيشة. المعسّل يباع جنبا إلى جنب في الصّاكا مع باقي السجائر وعلب الحليب والشوكولاته، وأدوات تدخين الشيشة تباع في البازارات جنبا إلى جنب مع التحف الفنية والجلاليب، ومع ذلك فإن الأمن يداهم بين الفينة والأخرى مقاهي وأوكار تدخين الشيشة ويعتقل المدخنين وتصادر أدوات التدخين. القضية تشبه تماما طلوع الشجرة من أجل أكل الكرموس. لماذا هذا التناقض إذن، ولماذا تستورد الدولة المغربية أطنانا من المعسّل وبعد ذلك يتم اعتقال مدخنيه، ولماذا تباع أدوات الشيشة في كل مكان وبعد ذلك تتم مصادرتها؟ القضية أيضا تشبه قضية كتامة وما جاورها. ففي المغرب عشرات الآلاف من الهكتارات المزروعة بالحشيش، والسلطات تعرف بالضبط أين تزرع، لأن مساحة 100 ألف هكتار ليست حديقة سرية في قلب غابة الأمازون، وفي كل عام يتم إنتاج مئات الأطنان من المخدرات الجاهزة للتبوقيل، ويتم ضبط نسبة منها ومصادرتها، بينما الباقي يجد طريقه نحو الأسواق الخارجية والداخلية. هذا هو التناقض الذي يصعب تفسيره، أي أن النبتة التي تنتجها أرضك تصبح ممنوعا من المتاجرة بها، والغريب أنك لا تستطيع أن تتوقف عن زرع تلك النبتة ولا أحد يريد منك التخلي عنها لأنها مفيدة للجميع. وهل هناك مجنون يمكنه أن يحارب 12 مليار دولار، هي خلاصة عصير الحشيش كل عام. لكن إذا كان الحشيش يتطلب كل هذا النفاق لأنه يدر كل هذا المال على الشبكات المتاجرة به، وما أكثرها وما أغربها وما أكثر تعقيداتها، فما الذي يدفع الدولة المغربية إلى ممارسة النفاق نفسه مع الشيشة، لماذا إذن يتم استيراد هذه الكميات الضخمة من تبغ الشيشة ومعسّلها وتوابعها، وبعد ذلك تتم محاربتها. القضية عموما تتشابه مع حملات محاربة أوكار الدعارة، يعني لا بد من وجود هذه الأوكار، ثم لا بد من محاربتها. وفي كل الأحوال فإن الحشيش والدعارة والشيشة ثالوث أساسي، أي أن الشيشة لا تستقيم إذا لم يكن معسّلها محشّشا، وجلساتها لا تستقيم أيضا من دون داعرات ينفخن دخانها في الهواء، وإذا كانت النسوة من مدخنات الشيشة في بلدان الشرق من فئات اجتماعية مختلفة، فإنه من الصعب أن نشاهد فتاة أو امرأة في المغرب تدخن الشيشة وبعد ذلك نقول إنها امرأة عادية. الشيشة في المغرب تعمل جنبا إلى جنب مع الحشيش والدعارة، وكل فتاة تبدأ بتدخين الشيشة فإنها تتحول بسرعة إلى معسّل بشري يدخنها الآخرون على أفرشة المتعة، حتى تحترق بدورها وترمى مع مرور الوقت في سوق المتلاشيات مثل الخردة. الشيشة حاليا هي وجه آخر من أوجه النفاق الرسمي في التعامل مع عدد كبير من الظواهر المشينة. هناك الشواذ المنتشرون في كل مكان لكن يجب أن نحترم مشاعرهم ونقول إنهم مثليون فقط لأنهم مرهفو الإحساس إلى درجة القرف. وهناك الدعارة الفوضوية والمنظمة التي يغرق في بحارها خلق كثير. وهناك الحشيش الذي نرعاه ونتبنّاه ونحبه كما نحب صغارنا ثم نحاربه من أجل رفع ثمنه والحفاظ على هيبته، وهناك الشيشة التي نستورد معسّلها ثم نحاربها. هذا هو مغرب المتناقضات.. وهناك الكثير منها... الكثير الكثير.