ماذا بعد الاستقبال الملكي لحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، يوم الثلاثاء الماضي، بعد 46 يوما من قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال الانسحاب من حكومة عبد الاله بنكيران؟ سؤال طرح نفسه بإلحاح في المشهد السياسي المغربي وأعاد من جديد الحديث عن السيناريوهات الممكنة. وإن كان دخول القصر الملكي على خط الأزمة الحكومية ما بين قيادتي حزبي العدالة والتنمية والاستقلال قد وضع حدا لأسابيع طويلة من الانتظارية التي طبعت المشهد السياسي المغربي، فإنه يشكل في نظر المتتبعين بداية لإيجاد الحل وحلحلة الأزمة التي باتت تلقي بظلالها السوداء على الأوضاع السياسية والاقتصادية. وبالنسبة لإدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، فإن تأخر الملك محمد السادس في استقبال زعيم الاستقلاليين فيه رغبة من أعلى سلطة في البلاد أن تكون هناك إتاحة فرصة للحوار والنقاش بين أحزاب الأغلبية المعنية بالصراع، ولاسيما أن الظرفية السياسية التي تمر منها البلاد والملفات المطروحة من قبيل الأزمة الاقتصادية والتحديات التي تواجه ملف الصحراء المغربية تفترض تجاوز الصراع والاختلاف بين مكونات التحالف الحكومي. وحسب أستاذ الحياة السياسية، فإن الدرجة التي وصل إليها الصراع بين شباط وبنكيران حاليا تنم عن رغبة في إعادة التوازن داخل التحالف الحكومي القائم من قبل النخب الجديدة التي أفرزها المؤتمر الأخير لحزب الاستقلال، مشيرا في تصريحاته ل «المساء» إلى أن الصراع الذي يعرفه التحالف الحكومي منذ أشهر يمكن رد بعض أسبابه إلى السياق الزمني الذي جاء فيه التحالف حيث كان هناك سباق وتسرع من جميع الأطراف من أجل مواجهة تداعيات الربيع العربي على المغرب، وهو الوضع الذي كان من الطبيعي أن يحمل بين طياته بعض الاختلالات في طبيعة التحالف الذي شكل لقيادة حكومة ما بعد الربيع العربي. وفي الوقت الذي يرى فيه لكريني أن رغبة قيادة حزب علال الفاسي العارمة في إعادة خلط الأوراق من جديد على مستوى الأغلبية الحكومية يعكس التغيير الذي حدث على مستوى قيادة الحزب، يؤكد لكريني أن ما بلغته الأزمة ما بين قطبي الحكومة الثلاثين في تاريخ المغرب الحديث يقتضي من قيادتي الحزبين استحضار منطق الربح والخسارة والتحديات المطروحة على الفاعلين السياسيين. ولئن كان توجه شباط نحو التصعيد ساعات فقط على استقباله من قبل ملك البلاد وإصراره على تفعيل قرار الانسحاب من حكومة بنكيران، يثير الكثير من الجدل والتكهنات، ويطرح الكثير من السيناريوهات بشأن مصير التحالف الحكومي الحالي، فإن أستاذ الحياة السياسية يذهب إلى أنه باستحضار الأطراف المتنازعة لمنطق الربح والخسارة نكون أمام حلين هما: الانتخابات السابقة لأوانها، وإعادة النظر في التحالف الحكومي في سياق الإشكالات التي تعترض عمله، وبشكل يضمن التفاعل مع الإشكالات المطروحة بحدة من قبيل تفعيل الدستور وجلب الاستثمارات. وبرأي أستاذ الحياة السياسية بجامعة مراكش، فإن الخيار والمدخل الذي يمكن أن يخرج التحالف الحالي من أزمته ومن الباب المسدود الذي بلغه حاليا، بل ويحفظ ماء وجه الجميع من جهة، ويعكس منطق « لا غالب ولا مغلوب» من جهة أخرى، هو إعمال تعديل حكومي يعكس توازن القوى عقب التحولات التي طرأت على قيادة حزب الاستقلال، ويسمح بتجاوز الإشكالات التي تعترض عمل التحالف. وفي انتظار أن تكشف الأيام القادمة عن توجه القصر الملكي لحل أزمة الأغلبية الحكومية، يبدو سيناريو تعديل حكومي يحافظ على استمرارية الحكومة الحالية مع إجراء تعديلات جزئية عليها بشكل يرضي جميع الأطراف، هو الأقرب إلى التحقق بالنظر إلى أن تحكيما ملكيا يذهب في اتجاه إقرار ذلك التعديل سيكون في مصلحة الجميع، فهو من جهة سيستجيب لبعض مطالب حزب الاستقلال، مثل طلب إسناد وزارة المالية إلى وزير واحد بدل وضعية «وزارة برأسين»التي ينتقدها حزب الاستقلال، أو طلب إضافة امرأة إلى التشكيلة الحكومية الحالية. ووفق المحللين، فإن قرارا ملكيا في هذا الاتجاه سيرضي شباط ويخرجه من الحرج داخل حزبه على اعتبار أن استمراره في الحكومة يستجيب إلى إرادة وقرار ملكي وليس رضوخا لسلطة بنكيران، كما أن رئيس الحكومة سيقبل التعديلات لأنها صادرة عن تحكيم وقرار ملكي وليس عن شباط، وسيضمن في نفس الوقت استمرار الحكومة الحالية واستقرارها.