جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    أحمد الشرعي مدافعا عن نتنياهو: قرار المحكمة الجنائية سابقة خطيرة وتد خل في سيادة دولة إسرائيل الديمقراطية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



« المساء » تكشف النقاب عن العالم الخفي ل«اقتصاد» الأضرحة
أضرحة بمداخيل خيالية وأحفاد أولياء صالحين يتطاحنون في ما بينهم من أجل الهِبات و«الفْتوحْ»
نشر في المساء يوم 27 - 06 - 2013

قبل شهور قليلة، خرج المئات من سكان إقليم خنيفرة في مسيرة شعبية غاضبة، من مدخل قرية صغيرة في اتجاه بوابة ضريح «أبا يعزة»، أو كما يحلو للمغاربة تسميته «مولاي بوعزة».. صدحوا بأصواتهم عاليا تعبيرا عن
غضب من نوع خاصّ يتعلق بالتلاعب والاستحواذ على صندوق الضريح من قِبَل مَن وصفوهم ب»حفنة من الكائنات» تدّعي أنها من الشّرفاء البوعزاويين.. وقبلهم، خرج من يدّعون أنهم حفدة «شيخْ جْبالة» أو مولاي عبد السلام بن مشيش، محتجّين على طريقة اقتسام الصندوق المدعم من أموال «الزيارات» التي يعرفها الضريح قصد التبرّك ب»برَكات» و«كرامات» الوليّ الصالح، وكذا من الهِبَات الملكية التي تقدَّم سنويا لشرفاء ومُريدي الضّريح في إطار دعم الزّوايا والأضرحة، وكذا من الميزانيات المخصَّصة لإصلاحه، بين الفينة والأخرى، وهي أموال طائلة توزَّع دون سند قانونيّ ولا يمكن الطعن في ذمة من يُشرفون على توزيعها..


بعيدا عن عشرات الآلاف من المغاربة والمسلمين الذين يقصدون، من مختلف بقاع العالم، ضريحَ الولي الصالح عبد السلام بن مشيش، تخليدا لذكرى هذا القطب الصّوفي، الذي بصمت طريقته الحركات الصوفية في المغرب والمشرق على حد سواء، وبعيدا عن أجواء الرّوحانية التي تلبس الزائر بمجرّد اقترابه من الجماعة، وهو يقرأ بعض الأذكار والعبارات الدينية المكتوبة بالجير على الصّخور التي تحد جوانب الطريق المتعرّجة إلى جماعة «تازورت»، من جهة، وشموخ الجبال المعزولة، من جهة أخرى.. هناك صراع خفيّ يرتبط بالضريح بأهمية هذا القطب الديني وحجم الهِبَات والسيولة المالية المودعة في صندوق الضريح، والتي كانت السبب الرئيسي في الصراع القائم بين عبد الهادى بركة، نقيب الشّرفاء العلميين، وعبد السلام الوهابي، رئيس جماعة «تازروت»، والذي يرتبط بالهبة الملكية الاستثنائية لسنة 2011، التي تخصّص للشّرفاء العلميين وحفظة القرآن الكريم والفقهاء، وتقدّر قيمة الهبَة الاستثنائية التي يوصلها الحاجب الملكي ب340 مليون سنتيم، دون احتساب «الفتوحْ»، وهي الأموال التي يتبرّع بها الزّائرون.
قال عبد السلام الوهابى ل«المساء» إنّ عددا من الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالشّرفاء ولا بالفقهاء يستفيدون من الهبات المُخصَّصة لصندوق الضريح، مضيفا أنّ الهبات لا توزَّع على السكان الفقراء والمحتاجين والمعدمين وتستعمل لتحقيق مآربَ سياسية..
وتابع الوهابي قائلا إنّ التلاعب لم يطل هبات الضّريح فقط، بل وصل إلى هبات الحجّ، التي جرى توزيعها على أطر في الدولة ورجال سلطة اعتمادا على معاييرَ غير معروفة دون أن يستفيد الشرفاء وحفَظة القرآن.. وطالب الوهابي بضرورة اعتماد قانون ينظم طرُق توزيع الهبات المَلكية التي يتسلمها نقباء الشّرفاء وضرورة تدخّل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في عملية التوزيع، التي تطالها الكثير من الخروقات، حسب تعبير المتحدّث نفسه.
يكشف التنقيب في اقتصاد الأضرحة ومداخيل صناديق الأولياء الصالحين الكثيرَ من الوجوه الخفية، إذ سرعان ما ينتقل الأمر إلى أقسام الشرطة أو رفوف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، حيث تقدَّم «مقدّم» ضريح الولي الصالح مولاي عبد السلام بن مشيش بشكاية مباشِرة إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، بخصوص الهبَات الملكية التي يُنعم بها الملك على الشرفاء. وحسب الشكاية -التي تتوفر «المساء» على نسخة منها- فإنّ إحدى الهبات لم يتم توزيعها، كما تنصّ على ذلك الرسائل الملكية على أحفاد القطب الديني وأهل الزاوية والحاضرين من الشرفاء، إذ تقضي «عادة» الشّرفاء بفتح الصندوق في منتصف النهار أمام مرأى ومسمع الحاضرين.. غير أنّ لجنة انتقلت -في جنح الظلام- إلى صندوق الضّريح لتوزّع الهبَة على 46 شخصا، رغم أنها كانت مخصّصة فقط ل10 أشخاص.. كما تحدّثت الشكاية عن هبة أخرى قدْرها 50 ألف درهم وُزّعت على 500 شخص، منهم 202 لا يستحقونها، نظرا لكونهم «غرباء» عن الزّاوية، و70 تاجرا.. كما حُرِم من الهبة 59 شخصا من ذوي الأسَر متعددة الأفراد من أهل الزاوية، إضافة إلى هبَة أخرى خُصّصت للطلبة حاملي كتاب الله وُزّعت على المئات ممن لا يستحقون..
لا ترتبط الصّراعات حول مداخيل الأضرحة دائما بالشّرفاء أو بالمسؤولين عن الزوايا، بل تمتدّ إلى السكان وقبائل المداشر، فحسب بعض سكان جماعة تازروت، فإنّ أصل المشكل راجع إلى تراكم الخلافات منذ 2005، عندما قرّر نقيب الضريح، أنْ يُحدث ما أسماه «لجنة وطنية»، لتقسيم الهبَات على ما يصطلح عليهم ب»الشرفاء العلميين» في مختلف أنحاء المغرب، وهي اللجنة التي لم تنل رضا سكان جماعة تازروت، الذين وصفوها ب»غير القانونية»، مدّعين أنها تأسّست بدون رقابة ولا طلب من أي من «الشرفاء» وبدون تشاور معهم.. قبل أن يتفاقم المشكل عقب تولي النقيب رئاسة جماعة «بني عروس»، التي تحمل اسم القيادة نفسها- إذ اعتبرت تلك المرة الأولى التي يتولى فيها نقيب «الشرفاء العلميين» منصبا سياسيا..
صراع حول المداخيل
وحسب مصادر مقرّبة من رئيس جماعة تازروت، فإنّ النقيب عبد الهادي بركة، أصبح «يُقصي» -على حد وصف المصدر- جماعة تازروت وفرقة «وراء الظهر» -المنتمية إليها، من العناية أو الإعداد لزيارات المبعوث الملكيّ. وأضاف المصدر ذاته أنّ النقيب أضحى يمنح نصيب الأسد من الهِبَات الملكية للمناطق الواقعة تحت تسيير الاستقلاليين..
كما قالت مصادر «المساء» إنّ الهبات -التي يرسلها الملك إلى الضريح بواسطة مبعوث شخصيّ- قدِّرت في فترة معينة ب10 ملايين سنتيم، ترسَل يوم الجمعة من كل أسبوع، لمدة سبعة أسابيع.. وحسب سكان جماعة تازروت، فإنّ النقيب رفض تقسيم هذه الهبات على الساكنة، خاصة بعد مطالبات من فرقة «وراء الظهر»، التي تضمّ جماعة تازروت وتشمل 18 دوارا، يبلغ عدد سكانها حوالي 2250 نسمة (بعد مطالبات هذه الفرقة) بتغيير آلية تقسيم الهبَات، عبر الأخذ بعين الاعتبار عددَ السكان، وليس الفرَق، تحت حجة أنّ نصيب الفرقة السابق ذكرها تناله فرقة أخرى لا يتجاوز عدد سكانها 300 نسمة مثلا، مما يخلق فرقا شاسعا في نصيب كل فرد من الفرقتين.
وحسب المصادر ذاتها، فإنّ الهبات كانت سببا في تأجيج غضب العشرات من السكان، ووصل الأمر إلى حدّ كسر صندوق الهِبَات العامة عنوة ونقله إلى مكان مجهول.. وحسب فيديوهات خاصة، حصلت عليها «المساء» فقد كانت محاولة كسر الصندوق سببا في انطلاق موجة من الاحتجاجات المُندّدة بما أسمته الساكنة «تدنيس مقام مولاي عبد السلام» و»استغلال أموال الهبَات لأغراض سياسية وتصفية حسابات»، وتسببت الاحتجاجات في إصابة العشرات إصابات طفيفة.
ولم تكن احتجاجات كثير من السكان مدفوعة برغبتهم في أخذ نصيبهم المادّي من الهبَات، بل إنها اعتبرت تصرّفات البعض «تعديا على حُرمة المقام ومسّاً بكرامة السكان»، حسب وصف مصدر «المساء».
صندوق ضريح «بن مشيش» بمقر الدائرة
تكون مداخيل أغلب الأضرحة، سواء تعلقت بالهبَات الملكية أو ب»فْتوحاتْ» المواطنين الذين يقصدون الأولياء الصالحين قصد نيل برَكاتهم، موضوعَ نزاعات جانبية بين ثلة من الأشخاص الذين يدّعي كل واحد منهم «قرابته» من الوليّ الصالح وأحقيته ب»الكرامات» المادية.. فحسب مذكرة إخبارية وُجّهت إلى وزارة الداخلية -تتوفر «المساء» على نسخة منها- فإنّ السلطات المحلية لقيادة «بني عروس»، التابعة للعرائش، أبلغت عن قدوم شخص يمثل الكتابة الخاصة للملك إلى مركز مولاي عبد السلام بن مشيش -جماعة تازروت في إطار تقديم هبَة ملكية أنعم بها الملك على الشّرفاء العلميين حُدّد مبلغها في 100 ألف درهم، والتي سلمت لمقدّم بالضريح، الذي وضعها في صندوق ضريح الوالي الصالح عبد السلام بن مشيش. وحسب المذكرة نفسها فإنّ الشرفاء العلميين منعوا مقدّم الصريح من أخذ الهبَة الملكية إلى منزله وطالبوا منه توزيعها في حينه، حسب «الأعراف»، حيث تدخلت السلطة المحلية وعنصران من درك العرائش، إضافة إلى أربع عناصر من القوات المساعدة ل»تهدئة الوضع» وحراسة الصندوق تزامنا مع عقد لقاء تواصليّ بين مسؤولين في السلطة وممثلي الشّرفاء العلميين، إذ انتهي الأمر بنقل رئيس دائرة مولاي عبد السلام صندوق الضريح إلى مقرّ الدائرة والسّهر عليه شخصيا وإرجاعه في اليوم الموالي من أجل توزيعه تحت إشراف نقيب الشرفاء العلميين ولجنة مختلطة، تكون فيها السلطة المحلية حاضرة، إلى جانب ممثلي الشّرفاء العلميين.
وأشارت المذكرة، التي وُجّهت إلى وزارة الداخلية، إلى أنه بعد مقاومة الحاضرين في الضريح في بداية الأمر، تفهّموا قصد السلطة وأكدوا لها ثقتهم الكاملة، بعد علمهم أنّ العملية ستمر وفقا للقوانين والأعراف المتداوَلة..
وليس صندوق ضريح بن مشيش وحده الذي قادته «الحروب الخفية» إلى مقرّ الدائرة، بل سبقه صندوق ضريح سيدي مسعود بن حسين، أحد الأضرحة المشهورة وطنيا باستقبال المئات من الأشخاص المصابين باختلالات عقلية أو نفسية، بدعوى أنه يشفيهم من تلك الأمراض.. بعد أن تبيّن أنّ أموال الصندوق، التي يتم تحصيلها من الزوار وعائدات الذبائح والهبات، قد تعرّضت للسرقة، وحلت عناصر الشرطة القضائية التابعة للقيادة الجهوية للدرك في الجديدة، وكذا عناصر مركز «أولاد فرْج» بضريح سيدي مسعود بن حسين، المعروف ب»القبّة»، في مركز «أولاد فرج»، لإجراء بحث وتحرّيات مفصلة حول حادث السّرقة، التي كان أهمّ ما يثير فيها هو تصريحات أحد المُشْرفين على الصندوق، والذي قال إنّ مدخول سنة واحدة لصندوق الضريح يتجاوز 200 مليون سنتيم، عبارة عن «فتوحاتْ» وبعض الهبَات..
وقال المشرف نفسه إنّ الصندوق الحديديَّ للضريح لم يتم فتحه منذ 14 سنة، مما يؤكد أنه كان يضمّ مَبالغ مالية كبيرة جدا.. كما قدّرت القطع النقدية الصغيرة فقط التي تركها اللصوص في الصندوق بحوالي 10 آلاف درهم، مضيفا أنّ هذه ليست المرة الأولى التي تتعرّض فيها أموال صندوق الضريح للسرقة وتسجَّل ضد مجهولين، كما أفاد أنّ الضريح كان قبل سنوات مسرحا لعملية حفر لإخراج «كنز» تزامنا مع حضور مسؤول كبير إلى الضّريح..
وكشفت مصادر «المساء» أنّ سبب عدم فتح الصندوق لمدة قاربت 14 سنة يعود إلى وجود خلافات بين أحفاد وشُرفاء سيدي مسعود بن حسين، الذين يتوزّعون على أزيد من خمس «فرْقات»، وأن ما يوجد في الصندوق هو من قبيل «الفْتوحاتْ»، أما الهبَات فتوزَّع مباشرة على الشّرفاء، رغم الخلافات القائمة.
وقد أجّج حادث سرقة الصندوق صراعات غيرَ مسبوقة بين سكان «القبّة» المجاورين للضريح والشرفاء الحسينيين من أبناء سيدي مسعود. كما كشف «اقتصادَ» ضريح يتوافد عليه آلاف الناس من كل نواحي المغرب، إذ دُوّن في محاضرَ رسمية أن مداخيل صندوق الضّريح يمكن أن تبلغ 10 آلاف درهم كل يوم.
«سيدي عبد الرحمان» يفقد أمواله
على بُعد كيلومترات قليلة من شاطئ عين الذياب وشريطه الساحليّ، المعروف بصخبه وسياراته الفارهة، وعلبه الليلية ومقاهيه المصنفة.. تظهر من بعيد قبّة بيضاء، كطائر خرافيّ يتوسط أمواجَ البحر، يقصده البيضاويون من كل حدب وصوب، ليحتفوا به ويغرفوا من «بركاته»، ويقيموا له ولائم كثيرة وطقوسا كبيرة، حتى يُذهب عنهم الحزن والبأس، ويخلّصَهم من «التابْعة» ويُشفيَّهم من أمراضهم المُستعصية التي فشل الأطباء في علاجها.. إنه سيدي عبد الرحمانْ «مولْ المْجمرْ»، الذي فقدَ الكثير من «بركاته» وفقد صندوقه أمواله أيضاً..
هنا «سيدي عبد الرحمان»، الذي يرقد جثمانه تحت قبة بيضاء تحميه من رطوبة البحر منذ سنين لا يعلمها إلا الله.. يجهل الكثير من البيضاويين هويته، ما عدا ما اشتهر به من أنه «سيدي عبد الرحمن، «الجْمّار»، أو «مُول المْزمارْ»، ومع ذلك دأب الكثيرون على ارتياده، نظرا إلى موقعه الجغرافيّ المُطلّ على البحر، وما ترسّخ لديهم من اعتقادات أنّ لسيدي عبد الرحمان «كرَامات» فيها شفاء وعلاج من الأمراض النفسية، إلى جانب صمود بنائه أمام أمواج البحر المتلاطمة، ما أكسبه قدْسية عند الكثير من سكان هذه المدينة -الغول، التي ليس لسكانها الكثير من الوقت لإضاعته في الاغتراف من البرَكات أو مطاردة الخرافات..
عند مدخل الباب يوجد حارس دائمٌ للسيارات والدراجات، يرقب المارة كأنه يبحث عن شيء ضائع، بل إنه يبحث عن زبون جديد لن يقبل منه أقلَّ من 5 دراهم بالنسبة للسيارات، ودرهمين للدرّاجين، الذين يتحمّلون قسوة البرد للانتقال إلى «الوليّ الصالح».
برَكة «مول المْجمْر» لا تفيد الحارس، الذي قضى أزيدَ من 10 سنوات من عمره يرنو إلى القبّة البيضاء، وينتظر «برَكة» زوار وليّ صالحٍ أفنى عمره في عبادة الله وفي الزّهد والتقرب إلى خالقه بالأعمال الصّالحات، وهو لا يدرك أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضّة، بل هناك الكثير من النساء والباعة الذين اتخذوا من رمال الشاطئ الصّفراء سوقا شعبيا تباع فيه الفطائر والشاي والحريرة والذرة المقلية زمأكولات ومشروبات أخرى.. تجارها نساء ورجال من دواوير متاخمة للحيّ الحسني، القريب من الضّريح.
يبتدئ «اقتصاد» الضريح في مدخله، فبائع الذرة المقلية المتاخم لسيدي عبد الرحمان يصل مدخوله إلى 4 آلاف درهم شهريا، وحارس السيارات يمكن أن يصل مدخوله الشهري إلى 10 آلاف درهم و»نقاشات» الحناء يعملن براتب 5 آلاف درهم شهريا.. وكلها «وظائف» غيرُ مباشرة يضمنها سيدي عبد الرحمان لسكان الدواوير المتاخمة لشارع «الكورنيش».
بلغة الأرقام، كان يتكلم محمد بلين، القاطن بدوار «الجمل»، القريب من سيدي عبد الرحمان والذي قضى أزيدَ من عقد من الزمن كحارس للضريح، الذي قال عنه إنه فقدَ الكثير من «البرَكات»..
قبل أن تطأ قدماك بوابة الضّريح، يجب أن تجتاز عددا من الباعة وقد انزووا في جهات متفرّقة إلى جوار الضّريح، الذي يعلو صخرة مرتفعة ترتطم بها أمواج البحر من كل الجهات، ويبدو من الخارج عبارة عن قبّة مجنحة بالأخضر والأبيض، قيل عنها إنها «تعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي». كما تحيط بالضّريح مجموعة من المنازل والغرَف، يتخذها زواره ملجأ للمبيت والتبرّك ب»سيدي عبد الرحمان» ليلَ نهار.
«أيام مُول لمْجمرْ كلها عزّ، ماشي غيرْ لعواشر».. هكذا أجاب رجل خمسينيّ، يرتدي «فوقية» سرقت منها الأيام بياضها الناصع، وصندلا جلديا تطل منه أصابعه المترَبة.. يؤكد الرّجل أنه في كل يوم تأتي أفواج كثيرة من النساء والرّجال إلى الضريح، منهم من «يزورون» ومنهم من يبقون في الخارج، ومنهم من يقصدون «الشّوافات» ل»يطرطقوا اللدون»، لإبعاد العين والحسد والتابْعة.. وهناك فئة أخرى تجد في الموقع الجميل الذي يوجد فيه الضريح فضاء خاصا للتأمل والتذكر، فضاء يطلّ على البحر ويعطي المكانَ سحرا خاصّا، مشيرا بسبابته إلى صخور وراء الضريح، كان يجلس عليها بعض معاقري النبيذ الأحمر، وعشاق فقراء اكتفوا بالانتعاش بنسيم البحر بدل الاكتواء بسعر مشروب في إحدى مقاهي عين الذيابْ..
قال حارس الضريح السابق إنّ الضريح لا تصله الهبات أو شيء من هذا القبيل، بل يعول المشرفون عليه على «لفتوحْ» وعلى تعويضات كراء الغرف التي توجد به، والتي يمكن أن تدرّ 15 ألف درهم كل شهر، إضافة إلى «المْرفودة» أو «الذبيحة»، والتي غالبا ما يعاد التصرّف فيها أو بيعها..
بعيدا عن اقتصاد الضريح ومداخيل صندوقه، التي يشهد الكل أنها قد «جفّت»، فإنّ المعلومات التقنية حوله قليلة إن لم نقل منعدمة، فتاريخ إقامة ضريح «مول لمْجمرْ» غير معروف، كما ليس له، حسب بعض المؤرّخين، أثرٌ في تخطيط الخرائط القديمة للدار البيضاء، خاصة خرائط القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.. ما يعني -في نظر الباحثين في التاريخ- أنّ الضّريح نشأ خلال الفترة الاستعمارية، مرجّحين أنه «كان فوق الصّخرة قبر أو حوش، لم تكن له أهمية، وارتبطت شهرته مع بداية الاكتشافات الأثرية ما قبل التاريخية في الموقع، الذي أطلق عليه اسم «مقالع سيدي عبد الرحمان».
وعكس عدد كبير من الأضرحة المطلة على البحر، المعروفة بقدسيتها وكراماتها لدى آلاف المغاربة، بدأ «سيدي عبد الرحمان» يفقد بعض بريقه وشهرته، نظرا إلى المظاهر التي رافقت هذا الوليّ، كالسرقة وتعاطي المخدرات في حضرة الضّريح، وانتشار خبر اعتقال متهم كان يبيع «المْرفودة»، وهي عبارة عن «دجاج بلدي» كان الزوار يذبحونه فوق الصخر بعد رميه في إحدى الحفر القريبة من الضّريح، إذ كان المشتبَه فيه يجمعه ليبيعه في سوق شعبيّ في الحي الحسني..
رغم أنّ «مُولْ لمجمرْ» لم يعد قادرا على استقطاب مئات الزوار كل يوم فإنّ يوم الجمعة يبقى يوما «أبيض» في سجل الضّريح ويدعى «جمعة مُولْ لمْجمرْ»، لأنه اليوم الوحيد الذي يتنفس فيه الباعة الصّعداء، وتغتنم «الشوافات»، اللواتي يكترين بيوتا في الضريح، الفرصة لقرائة الطالع وبيع «اللدون»، فهو اليوم المفضل للزوار للاقتراب من «السيد» والاغتراف من
برَكاته.
لم نجْنِ من وراء زيارتنا للضريح، والتي دامت زهاء ساعة واحدة، البرَكات، ولم نشفَ خلالها من الزكام الذي صعّب من مأمورية مهمّتنا.. غير أنّ آلاف البيضاويين متيقنون من أن سيدي عبد الرحمان هو من «السّادات» والأولياء، الذين لا يُخيّبون آمال زوارهم، يأتي إلي المرضى والمسحورون والمجانين و»المثقفون» (نسبة إلى مرض «الثقاف» وليس إلى الثقافة)..
عندما خرج حفدة «مولاي بوعزة» إلى الشّارع من أجل «الفتوحْ»
تمثل الموارد المالية للزوايا والأضرحة جانبا آخر يتضح من خلاله تراجع مقرّات التدين التقليدي، فقد تمثلت أهمية الزاوية والضريح في تعبئتهما موارد مالية تستفيد منها سلالة الولي والقائمون على شؤون الزاوية، حيث يعيش المعوزون من هؤلاء في عين المكان، ويتناوبون تباعا على الاستفادة من الإحسان الذي يقدَّم للضريح ومن مداخيل الزيارات اليومية والمناسبات الدينية وإيرادات عيادات العلاج والاستشفاء.. حيث تكمن وظيفة «مقدّم الزاوية»، أو سادن الضّريح، في توزيع الحصيلة اليومية على المعنيين بحضور جميع الأحفاد، خلافا لصندوق الزاوية، الذي يتكلف به مقدّمها.
توضح المعطيات التي جمعتها «المساء» أنّ أغلب الأضرحة تعول على مداخيل السياحة الدينية والهِبَات المتعدّدة التي تتلقاها من عدة جهات، أهمها الهبات الملكية والمداخيل المُستخلَصة من عمليات العلاج والاستشفاء، ويزيد من وفرة هذه المستخلصات الطريقة العصرية المُتّبَعة في تنظيم هذه الموارد وتوزيعها حسب مستحقيها، إذ يتم تسجيل هؤلاء في سجلات ملفات خاصة، كما يتوفرون على بطائق للاستفادة تُمَكّن من «عقلنة» توزيع المداخيل..
أمّا عن دور وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في إنعاش اقتصاد الأضرحة، حسب مصدر «المساء»، فإنّ دورها يقتصر على أداء أجور أئمّة وقيّمي المساجد التابعة للضريح، وغيرها من المصاريف التي تستفيد منها المساجد الأخرى، لتبقى مصاريف الضريح «عالة» على ما يتلقاه حفدة الوليّ من إحسان، ومدى تصريف مقدار هذا الإحسان من لدن هؤلاء، إلى جانب ما تتلقاه أضرحة الأولياء من هِبات ملكية، ليبقى الدور الحقيقي للنظارة محصورا في مراقبة ما يقام في هذه المقرات من ممارسات دينية، إلى جانب التدخل لحلّ النزاعات، التي قد تحدث بين الحفَدة عند توزيع «الفتوحْ» (المداخيل).
غالبا ما يكون «الفتوحْ»، أو مداخيل الضريح، فتيلا لحروب معلنة أو احتجاجات كبيرة، كتلك التي عاشتها قرية مولاي بوعزة، في إقليم خنيفرة، تعبيرا عن الغضب مما ما وصفوه ب»التلاعب والاستحواذ على صندوق الضّريح من قِبَل حفنة من الكائنات التي تدّعي أنها من الشّرفاء البوعزاويين».. فقد رفع المشاركون في تلك الوقفة الاحتجاجية عدة لافتات، وردّدوا سلسلة من الشّعارات والهُتافات التي ندّدوا من خلالها بالوضعية المزرية التي آلَ إليها التسيير على يد جماعة الضريح، ودعوا مختلفَ المسؤولين إلى ضرورة التدخل من أجل وضع حد لما أسموه «التلاعبات المالية ومظاهر الهيمنة المشبوهة على الضريح من قبَل حفنة من الأشخاص». كما ندّد المتظاهرون بواقع الاستحواذ المكشوف على أملاك الضريح، من بينها مثلا السّاحة المتواجدة في قلب البلدة.
وحكى لنا بعض الأهالي أنّ هذه الساحة كانت مِلكا لجماعة الضريح، وسبق للمجالس السابقة أن عرضتها للسمسرة عدة مرات إلا أنّ «تواطؤ» المجالس السابقة قاد إلى تحويلها ليد بعض المُسيّرين، الذين امتنعوا عن تسليمها إلى أي جمعية محلية، ولا حتى إلى مُحسِن، تطوع لبناء مسجد كبير فيها، من باب المساهمة في التخفيف من الاكتظاظ الذي تشكو منه مساجد البلدة، لاسيما بعد توقيف الصلاة في أكبر المساجد هناك، لأنه آيل للسقوط.
وتزعُم كل الدواوير المجاورة للضريح أنها دأبت، منذ وفاة جدّها الولي الصالح قبل أكثر من 800 سنة، على اقتسام الصندوق، المدعَم من أموال «الزيارات» التي يعرفها الضريح قصد التبرّك ب»برَكات» و»كرامات» الولي الصالح، وكذا الهبات الملكية التي تقدّم سنويا لشرفاء ومريدي الضريح في إطار دعم الزوايا والأضرحة، إلى جانب الميزانيات المخصَّصة لإصلاحه بين الفينة والأخرى.. وهي أموال طائلة، غير أن مشتبهاً فيهم عمدوا، مؤخرا، إلى الاستحواذ على مَبالغ مالية بدعوى اقتسامها بين ذوي الحقوق بالنظر إلى عدم وجود أي حساب بنكيّ أو بريدي يُقنّن مداخيل ومصاريف صندوق الضّريح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.