يمتلك السؤال عن الآمال المعلقة على انتخاب حسن روحاني رئيسا جديدا لإيران وجاهة في بعض البلدان العربية والعالم، بالنظر إلى التأزم والتوتر اللذين أثارهما النظام الإيراني، خاصة مع مجيء محمود أحمدي نجاد إلى رئاسته، واعتماده أسلوب مواجهة مع دول المنطقة والعالم، وإصراره على المضي في مشروع هيمنة قومي إيديولوجي، يختفي وراء حجب دينية مذهبية، وظهرت ملامحه التوسعية، من قبل، في التعامل مع الوضع العراقي، وتأكدت ملامحه مع التدخل السافر في الأزمة السورية وإقحامه لمقاتلي حزب الله اللبناني في معركة الدفاع عن النظام السوري. انتخاب روحاني لا شك في أن انتخاب حسن روحاني جاء ليوجه صفعة إلى تيار المتشددين الذي يتزعمه الولي الفقيه علي خامنئي، إذ رغم دعمه الصريح للمرشحين المحافظين، فإن الجمهور الإيراني العام، وبالأخص جمهور الشباب، صوّت لصالح المرشح المعتدل الذي حصل على نسبة أصوات تفوق جميع النسب التي حصل عليها المرشحون المحافظون مجتمعين، وذلك بعد منع الرئيس الإيراني الأسبق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، من الترشح، من قبل «مجلس صيانة الدستور». ولعل المفارقة تكمن في أن رفسنجاني، فضلا عن كونه رئيسا سابقا لإيران في الفترة الممتدة ما بين 1989 و1997، فإنه يرأس منذ سنوات عديدة «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، ولم يشفع له ذلك في المرور من مصفاة «مصلحة النظام» القابضة على أنفاس عامة الإيرانيين والكاتمة لأصواتهم. ومع استبعاد المرشحين الإصلاحيين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتزوير الذي لجأ إليه النظام الإيراني في الانتخابات الرئاسية عام 2009، لمنع فوز مير حسين موسوي، والقمع المفرط الذي واجه به «الثورة الخضراء»، يصبح الحديث عن ديمقراطية إيرانية ضربا من الافتراء المثير للسخرية، إذ كيف يمكن السماح فقط لثمانية مترشحين بخوض الانتخابات الرئاسية من أصل أكثر من 600 مترشح في بلد يدَّعي الديمقراطية. إنها تركيبة خاصة بالنظام الإيراني، القابض عليه حاكم منزه، يدعى الولي الفقيه، يمتلك صلاحيات أكبر بكثير من صلاحيات الرئيس، وصلاحيات سواه، وهي أقرب إلى كونها صلاحيات مطلقة، مغلفة بغلاف ديني مقدس. إنه أشبه بديكتاتور في نظام ثيوقراطي. ومن المفيد التذكير بأن حسن روحاني لم يأت من خارج مؤسسة النظام المذهبية والسياسية، بل من صلبها، حيث شغل روحاني منصب سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي لمدة 16 عاما، وتولى منصب كبير المفاوضين النوويين في إيران في الفترة الممتدة من 2003 إلى 2005، وكلف بمهام عديدة خلال فترتي رئاسة كل من هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. ويقال إن ابنه حسين، انتحر في عام 1992 احتجاجا على إعدامات طالت زملاءه في الدراسة، بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، وكان والده مسؤولا عن إدارة شؤون الحرب في ذلك الوقت. ولم يظهر روحاني أي موقف ناقد للمؤسسة الدينية السياسية الحاكمة في إيران، ولسياساتها وسلوكها العنيف حيال «الثورة الخضراء» ورموزها، بل إن أحدا لم يذكر أنه اتخذ موقفا ضد عملية تزوير انتخابات عام 2009، التي أعادت أحمدي نجاد إلى كرسي الرئاسة بالقوة. ولعل قطعه للمؤتمر الصحفي الذي عقده عقب فوزه بالانتخابات له دلالة كبيرة، لأنه قطعه حين طالب أحد الحاضرين برفع الإقامة الجبرية عن مير حسين موسوي، مع أنه وعد أثناء حملته الانتخابية بالسعي إلى إطلاق السجناء السياسيين. قد يكون مفهوما اعتبار روحاني الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أوصلته إلى كرسي الرئاسة الإيرانية «ملحمة عظيمة»، وكذلك تعبيره عن الامتنان للمرشد الأعلى، بوصفه «ابنه الأصغر»، لكن تصريحاته، في أول مؤتمر صحفي له، تثير تساؤلات عديدة حول الآمال المعلقة عليه في التغيير، إذ تحدث بلغة لا تفترق كثيرا عن لغة سلفه أحمدي نجاد، حين اعتبر أن زمن المطالبات الغربية بوقف تخصيب اليورانيوم قد ولى، وكرر نفس مواقف صقور النظام الإيراني من الأزمة السورية، معتبرا أن «حل الأزمة السورية بيد الشعب السوري، وأن الحكومة الحالية يجب أن تبقى حتى انتخابات عام 2014»، وسكت عن المسؤول عن قتل أكثر من مائة ألف سوري وعن الدعم اللامحدود الذي يقدمه النظام الإيراني إلى النظام السوري، وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية. آمال التغيير وحدوده لعل معرفة تركيبة النظام الإيراني ومعرفة طبيعة «الاعتدال» الذي يحمله حسن روحاني، تجعل الآمال المعلقة عليه في تغيير سياسات وتوجهات النظام الإيراني محكومة بالخيبة، خاصة أنها تطاول قدرته على التغيير السياسي لوجهة النظام الإيراني، باتجاه الخروج من المأزق الذي أحدثه سلوكه في السنوات الأخيرة في بعدين: 1 - البعد العربي، بما يعني تغيير النهج الإيراني الذي أثار مخاوف البلدان العربية من سعيه إلى الهيمنة على المنطقة، تنفيذا لمشروع هيمنة توسعي؛ 2 - البعد الدولي، بما يعني طمأنة الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوربية حول طبيعة المشروع النووي الإيراني، والتوصل إلى تسوية لتجاوز الأزمة التي أثارها. وإذا كانت الدول الغربية ترغب في التوصل إلى حل لمسألة البرنامج النووي الإيراني، وتجاوز الأزمة بينها وبين النظام الإيراني، فإن الرئيس الجديد لا يمكنه أن يقدم الكثير في هذا المجال، ولنتذكر هنا ما جرى لأول رئيس لإيران، أبي الحسن بني الصدر، الذي انتهى به المطاف منفيا في فرنسا، على خلفية اختلافه مع توجه آية الله الخميني في ذلك الوقت، فالنظام الإيراني لن يسمح لحسن روحاني ولا لغيره بتجاوز مشروعه التوسعي، الذي يتخذ تلاوين مختلفة في المنطقة، ويقف وراءه عقل سياسي، يزاوج بين الديني والقومي، أي بين العقيدة المؤولة مذهبيا، وفق فهم رجال دين متزمتين، والطموح القومي الضارب في عمق الإيديولوجيا والتاريخ الغابر، الأمر الذي يجعل منه مشروعا جامعا بين السعي إلى الهيمنة والإلحاق وإلى التغيير، وهادفا إلى تحقيقهما بمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة. ولعل أي تغيير يمكن أن يحدثه الرئيس الإيراني الجديد لن يتجاوز الشكليات ولن يمس جوهر توجهات النظام، الساعي إلى تنفيذ معادلات تنهض على قيام إيران بدور الدولة المحورية بأسنان نووية، كي تتزعم المشرق الإسلامي تحت يافطة ذرائعية خادعة، فحواها الصراع مع إسرائيل ومجابهة الولاياتالمتحدةالأمريكية، تتستر بواسطتها على المشروع الإيراني الارتدادي، الذي يضرب عمقه في التاريخ، وتحكمه مرجعيات الثأر من عرب اليوم، لمعارك ومواجهات قديمة، لم يخضها عرب اليوم ولا يسألون عنها، رغم أنهم يشكلون الآخر المختلف معه مذهبيا وعرقيا حسب التصنيف الإيراني، مع العلم بأن العرب الذين دخلوا إيران، في غابر الأزمان، دخلوها مسلمين فاتحين، ولم يكنوا العداء للشعوب الإيرانية التي دخلت الإسلام دون إكراه. تصدير النموذج وإخفاقاته لقد عمل النظام الإيراني منذ قيام الثورة عام 1979 على تصدير نموذجه، وسعى إلى إيجاد أوراق ومرتكزات له في دول المشرق العربي وبلدان الخليج العربي، بدءا من العراق الذي تمكن فيه من إيجاد قوى سياسية عراقية، فاعلة على الأرض، مكونة من مليشيات وأحزاب مذهبية، تنفذ سياساته وتوجهاته. وعمل أيضا على تشكيل حزب الله اللبناني، وجعله الذراع الطويلة له في المنطقة، ولم يتوقف، بالتعاون مع النظام السوري، عن تقويته من خلال تزويده بالرجال والمال والسلاح. كما دعم النظام الإيراني مجموعات مذهبية في بلدان الخليج العربي، خاصة التمرد المسلح لجماعة الحوثيين في اليمن، ومدّهم بالأسلحة والمال، واستخدمهم للتحرش بالمملكة العربية السعودية، في معركة ذات أبعاد إقليمية واضحة، إضافة إلى مساندة النظام الإيراني، وبشكل علني، للحراك الاحتجاجي في البحرين ومحاولات تجييره، لخدمة مصالحه. وكشفت إرهاصات معركة الدفاع عن النظام السوري، التي يخوضها النظام الإيراني منذ أكثر من عامين، عن مضمرات ما كانت لتظهر لولا إحساس بعض ساسة النظام الإيراني وآياته، بأن النظام الأسدي بات في حكم الماضي ويعيش مرحلته الأخير، الأمر الذي أخرجهم عن طورهم الهادئ أو الناعم، وكشف ملامح مشروعهم القومي التوسعي، وبالتالي لم يكن زلة لسان ما تحدث عنه مهدي طائب، واعتبر فيه أن سوريا بالنسبة إلى المشروع الإيراني هي المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثون، وأنها تكتسي أهمية أكبر من أهمية عربستان (خوزستان) بالنسبة إلى ملالي إيران. ورغم أن النظام الإيراني يعيش إخفاقات داخلية على مختلف الصعد، لم يجد في بحثه المحموم لتعويض تلك الإخفاقات سوى التلويح بالبرنامج النووي، وبمدّ الأذرع التدخلية، وتوهم محافظات جديدة، واللعب على وتر العصبية القومية، المصبوغة بلوثة التفوق الآري، الممزوجة بوهم التفوق المذهبي وولاية الفقيه، وما ينتج عن ذلك من عنصرية قومية دينية مركبة، يبيعها النظام، بدلا من أن يلتفت إلى حاجات ومشاكل غالبية الإيرانيين المسحوقين، والتصالح مع عالم اليوم على أسس المصالح المشتركة، واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية وسائر قيم العصر. ويبقى أن الأمل معقود على الشعب الإيراني وعلى إصراره على انتزاع حرياته والعيش بكرامة، وعلى عدم توقفه عن مواجهة الولي الفقيه وإرادته، وهو يعي تماما أنه أولى بمليارات الدولارات المهدورة في معركة الدفاع عن النظام الأسدي، وأن تصرف تلبية لاحتياجات حياة الناس في المحافظات الإيرانية، خاصة أن عامة الإيرانيين ترزح تحت وطأة فساد وسطوة مافيات وممارسات نظام استمرأ مقارعة الكبار، كي يستكبر على شعبه، وعلى الثوار وغالبية الشعب السوري، ولم يتوقف عن التفاخر والمتاجرة بثقل العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوربية، وهو يعرف أن الأنياب النووية التي يطمح إلى امتلاكها لن ينالها إلا على حساب إفقار غالبية الإيرانيين، بعد أن أفقر حياتهم السياسية وصادر مجالهم العام، لصالح إطلاقية وصلاحية ما يقرره الولي الفقيه، ولصالح تحكم غالبية الملالي في مقدرات وقدرات الشعوب الإيرانية.