يوضح عبد القادر لشقر، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بالكلية متعددة التخصصات بتازة التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، في هذا الحوار، أسباب الجدل الدستوري القائم حول قرار حزب الاستقلال اللجوء إلى الفصل 42 من الدستور، من أجل طلب التحكيم الملكي بينه وبين حزب العدالة والتنمية، واصفا الخطوة بأنها لا تقوم على موقف قانوني سليم، وبأنها تمثل تأويلا متعسفا وغير ديمقراطي لهذا الفصل من الدستور. ويؤكد لشقر في حواره مع «المساء»، أن النخبة السياسية في المغرب، أثبتت إلى حدود الآن عجزها عن التنزيل الديمقراطي للدستور الذي صوت عليه المغاربة قبل سنتين، رغم كل ما يحتويه من مقتضيات متقدمة، داعيا إلى تأهيل الفاعلين الحزبيين وتحسيسهم بمسؤولياتهم، وتعزيز الثقافة والممارسة الديموقراطية لديهم، فضلا عن إصلاح وإعادة تشكيل المشهد الحزبي بما يتجاوز حالة التشتت والتشرذم والتعددية الحزبية المصطنعة. - ما تعليقك على الجدل الذي أثاره قرار حزب الاستقلال مؤخرا باللجوء إلى الفصل 42 من الدستور، من أجل طلب التحكيم الملكي في الأزمة الحكومية المستمرة منذ ما يفوق الشهر؟ الواقع أن أغلب المحللين والباحثين في الشأن السياسي والدستوري، استغربوا كثيرا لموقف حزب الاستقلال الذي استند إلى الفصل 42 من الدستور لطلب التحكيم الملكي حول الخلاف القائم بينه وبين حزب العدالة والتنمية الذي يقود الأغلبية الحكومية. وفي تقديري الشخصي، أعتبر بأن هذا الموقف لا يقوم على أساس قانوني سليم، وهو ما يبدو بوضوح من خلال تحليل مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل المذكور، والتي تشير إلى الصلاحيات والمهام التي يضطلع بها الملك، ذلك أن «الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها...»، فالتحكيم كصلاحية دستورية للملك يرتبط بالتحكيمبين مؤسسات الدولة، والضمير في «الحكم الأسمى بين مؤسساتها» يعود على الدولة، وبالتاليف المقصود هو مؤسسات الدولة. وبالنتيجة، فإن الخلاف الحاصل بين حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية لا يتوفر بصدده الشرط الدستوري ليكون موضوعا لتحكيم الملك، الذي يتدخل للفصل بين مؤسسات الدولة وليس بين الأحزاب السياسية فيما بينها، أو بين حزبين حليفين داخل الأغلبية الحكومية، علما بأن الأحزاب السياسية،حسب ما هو مقرر في المادة 2 من القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، هي «تنظيمات سياسية تؤسس طبقا للقانون بمقتضى اتفاق بين أشخاص ذاتيين يتمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية، تجمعهم نفس المبادئ ويسعون إلى تحقيق نفس الأهداف»، وبالتالي فهي لا تعتبر مؤسسة من مؤسسات الدولة. وفي هذا السياق، يجدر الذكر أن الفقه الدستوري يميز بين السلطات الرسمية التي تضعها الدساتير لممارسة شؤون الحكم، وهي التي تعرف بالسلطات العامة المتمثلة في السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبين سلطات أخرى فعلية أو واقعية، مثل الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية... والتي قد تؤثر في اتجاهات السلطات الرسمية في الدولة، وقد تساهم في توجيه دفة الحكم، لذلك ذهب بعض الفقهاء إلى تسمية مثل هذه السلطات الفعلية التي تشترك في الحكم بطريق غير مباشر ب«الحكام المستترين»، مقارنة مع الحكام الظاهرين الذين يمارسون الحكم بطريقة مباشرة. وقد يحصل أن تعترف بعض الدساتير بهذه السلطات الفعلية فتحولها إلى سلطات رسمية، من ذلك ما كانت تنص عليه بعض الدساتير في البلاد الاشتراكية بشأن النقابات، لكن فيما يخص الأحزاب السياسية في المغرب، ورغم تنصيص الدستور في الفصل 7 منه على الأحزاب السياسية، فلا يمكن اعتبارها سلطة بالمعنى المتعارف عليه قانونا. - ألم يكن من الأجدر بحزب الاستقلال اللجوء إلى الفصل 47 من الدستور عوض الفصل 42؟ إن استناد حزب الاستقلال إلى الفصل 42 من الدستور يثير في الواقع سؤالا يرتبط بمدى وجود رغبة، أو إرادة حقيقية لحزب الاستقلال في الانسحاب من الحكومة والالتحاق بالمعارضة، فلو كان هذا الحزب يريد أن ينسحب فعلا من الحكومة، لنفذ قرار المجلس الوطني للحزب دون أن يلجأ إلى طلب التحكيم الملكي، بل سيلجأ إلى تطبيق الإمكانية التي يتيحها الفصل 47 من الدستور، وهي تقديم الاستقالة الفردية أو الجماعية إلى رئيس الحكومة، الذي يطلب من الملك بناء على ذلك، إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، وذلك وفقا لما هو مقرر في الفقرة الخامسة من الفصل 47 المذكور، التي تنص على أنه: «لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية». علما بأن الملك هو صاحب القول الفصل في إعفاء الوزراء من مهامهم، سواء بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أو بناء على الاستقالة الفردية أو الجماعية لعضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، أو بطلب من رئيس الحكومة. وتبعا لذلك، فطلب التحكيم الملكي من قبل حزب الاستقلال استنادا إلى الفصل 42 يبقى دون معنى وغير مفهوم، فحزب الاستقلال بموقفه هذا يضع نفسه في منزلة بين منزلتين، بحيث يضع رجلا في المعارضة وأخرى في الحكومة. ولحد الآن ما زال برلمانيو الاستقلال يصوتون مع الأغلبية ووزراء الحزب في الحكومة يشتغلون بطريقة عادية. وهو ما أكده رئيس الحكومة في الجلسة الشهرية أمام مجلس المستشارين التي عقدت يوم الأربعاء الماضي، بقوله إن «التحالف الحكومي يعيش حالة الانسجام التام بين مكوناته»، في إشارة منه إلى عدم تأثر حكومته بقرار حزب الاستقلال، ذلك أنه منذ تاريخ قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال بتاريخ 11 ماي 2013، تم عقد ستة مجالس حكومية، وصادقت الحكومة خلالها على ترسانة من النصوص القانونية بلغ عددها 32 نصا قانونيا، تشمل قوانين واتفاقيات دولية ومراسيم، كما تم تعيين نحو 27 مسؤولا في مناصب سامية. - هل يمكن أن نعتبر أن هذه الخطوة ناتجة عن سوء قراءة لهذا الفصل من الدستور، خاصة أنه يتحدث عن الفصل بين مؤسسات الدولة وليس بين الأحزاب السياسية؟ بالتأكيد، فموقف حزب الاستقلال القاضي باستدعاء الفصل 42 لطلب التحكيم الملكي ينطوي على تأويل متعسف وغير ديموقراطي لدستور 2011، وهذا التعسف في التأويل يراد منه إقحام المؤسسة الملكية في صراعها السياسي مع حزب العدالة والتنمية حول قضايا تهم التدبير العمومي. للإشارة، فحزب الاستقلال يجد نفسه في وضع حرج، وحرجه قد يتعمق أكثر فأكثر كلما طالت فترة انتظاره للرد على طلبه ل»التحكيم الملكي» الذي قد يتم وقد لا يتم. ولهذا، فللخروج من هذا الوضع، حاول حزب الاستقلال نهج تكتيك آخر جديد، يدفع في اتجاه نقل الصراع إلى البرلمان، أملا في تأزيم العلاقة بين مجلس النواب والحكومة، حتى يبدو الصراع بين مؤسستين من مؤسسات الدولة، وهو الأمر الذي يمكن البرهنة عليه من خلال رصد مواقف وتصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال، الذي أكد صراحة في تجمع خطابي في مدينة العيون بأن التحكيم الملكي أصبح الآن مطلبا مشروعا على إثر اندلاع أزمة بين المؤسسة البرلمانية والحكومة. لكن يبدو أن حزب العدالة والتنمية فطن للأمر، ولم يسقط في الفخ، حيث دعا بعض قيادييه إلى تهدئة الوضع وإبداء مرونة إزاء موقف رئيس مجلس النواب المنتمي لحزب الاستقلال وهو الموقف الذي عبر عنه في المناظرة الوطنية حول الحق في الحصول على المعلومة، حيث اتهم الحكومة بالهيمنة على البرلمان وتهميش دوره التشريعي، من خلال استبعاد وتجميد مقترحات القوانين المقدمة من قبل النواب. - كيف يمكن لمثل هذه القراءات أن تؤثر على التأويل الديمقراطي للدستور، والذي يؤكد عليه ملك البلاد في خطبه بشكل مستمر؟ إذا كنا نعتبر بأن دستور 2011 يتضمن مبادئا وأسسا ترتبط بتنمية الديموقراطية وروح المواطنة، وبتحقيق الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة... وغيرها من المضامين والمقتضيات التي تجعل الملاحظ والمتتبع يحس ويشعر بروح جديدة تحكم الدستور، فإن السؤال المطروح يبقى هو إلى أي حد سينجح مختلف الفاعلين السياسيين في امتحان التفعيل السليم للدستور؟ في تقديري الكل معني بالإجابة عن هذا السؤال، والجميع تقع عليه مسؤولية التفعيل السليم للدستور وترجمة مقتضياته إلى نظم وقوانين بما يحافظ ويصون روح الدستور، بما في ذلك المواطن الذي خوله الدستور الجديد مثلا الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع (الفصل 14)، والحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية (الفصل 15)، وألزمه باحترام الدستور والتقيد بالقانون وممارسة الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بالواجبات(الفصل 37). لأقول بعد هذا إن التنزيل السليم للدستور يتطلب شروطا جوهرية يأتي في مقدمتها: وجود إرادة سياسية حقيقية لدى كافة الفاعلين السياسيين وتحليهم بروح المسؤولية لتنزيل سليم وديمقراطي للمقتضيات الدستورية، وضرورة وجود نخب سياسية ديموقراطية، فالدستور الديموقراطي لا يمكن أن يفعله ويطبقه بشكل سليم وديموقراطي إلا من كان ديموقراطيا. - هل يمكن القول بأن النخبة السياسية في المغرب عاجزة عن مواكبة التطورات الإيجابية التي جاء بها الدستور المغربي، من خلال القراءة «المحافظة» لنصوصه وفصوله؟ هذا ما يبدو واضحا للعيان، من خلال رصد مواقف النخب السياسية إزاء بعض القضايا، حيث يبدو الدستور أكبر من الأحزاب السياسية، لذلك فمعالجة الوضع في نظري تتطلب مراعاة عناصر عديدة ومختلفة، من أهمها تأهيل الفاعلين الحزبيين وتحسيسهم بمسؤولياتهم، وتعزيز الثقافة والممارسة الديموقراطية لديهم، فضلا عن إصلاح وإعادة تشكيل المشهد الحزبي بما يتجاوز حالة التشتت والتشرذم والتعددية الحزبية المصطنعة، الأمر الذي يفرض إعادة النظر في نمط الاقتراع باعتماد نظام الاقتراع الفردي بالأغلبية المطلقة، لأن من شأن تطبيقه دفع الأحزاب السياسية إلى التحالف أو الاندماج فيما بينها، وهو ما قد يمكن من الاتجاه والوصول إلى أقطاب قوية منسجمة، كما يمكن رفع العتبة التي تخول الاستفادة من عملية توزيع المقاعد إلى 10 أو 12 في المائة من الأصوات.