بعد مرور نحو عامين على اندلاع شرارة الثورة المصرية، تمكنت صحيفة "الوطن" المصرية من إجراء حوار مطول مع الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، يكشف فيه هذا الأخير عن مجموعة من الوقائع التي كان على علم بها أثناء تقلده منصب رئيس الدولة المصرية. هذا الخروج الإعلامي غير المتوقع لمبارك، والذي يشكل سابقة تُنشر فيها لأول مرة آراء وتصريحات مسجلة لمبارك منذ اندلاع ثورة يناير 2011، أثار مجموعة من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء إجراء الحوار وتوقيت نشره، نظرا للمعطيات الحساسة التي كشف عنها الرئيس المصري السابق. الصحيفة بدأت بنشر تصريحات الرئيس السابق يوم الأحد المنصرم، وقالت إنها أقدمت على هذه الخطوة لأجل تنوير الشارع المصري، لتقوم يوم الأربعاء الماضي بنشر التسجيل الصوتي على موقعها الإلكتروني، درءا لأي شبهات حول كون التصريحات التي نشرتها يوم الأحد كانت مفبركة. إلى ذلك، نقلت صحيفة "الوطن" المصرية الخميس الماضي عن حسني مبارك قوله إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما طلب منه خلال الانتفاضة الشعبية تسليم السلطة ل"مجموعة من السياسيين من بينهم محمد البرادعي". أوباما والبرادعي ونقلت الصحيفة عن مبارك في مقتطفات وعدت بنشرها يوم الخميس وقامت بإرسالها إلى وكالة "رويترز" قبل نشرها بيوم قوله معلقا على أحداث الانتفاضة الشعبية، التي استمرت 18 يوما، "مش فاكر اليوم بالضبط.. كانت المظاهرات مستمرة في ميدان التحرير.. اتصل بي الرئيس الأمريكي باراك أوباما.. اتصل مرتين أو تلاتة (ثلاثة).. وبصراحة ما رضتش (لم أقبل أن) أرد عليه.." وأضاف قائلا: "في الآخر رديت.. فسألني: إيه الموقف عندك الآن؟!.. وقبل أن أرد.. بادرني أوباما: أنا رأيي تسلم البلد لمجموعة من السياسيين منهم محمد البرادعي.. فقلت له: الكلام ده انت اللي بتقوله؟!.. فقال: نعم." وتحول البرادعي إلى أحد أبرز وجوه المعارضة بعد عودته إلى مصر عقب انتهاء عمله كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. كما نشرت الصحيفة المستقلة بموقعها الإلكتروني يوم الأربعاء الماضي ما قالت إنه الحلقة الأولى من تسجيلات صوتية مع الرئيس السابق، أجراها مصدر ارتأت الصحيفة المصرية عدم نشر اسمه، كان يتردد على زيارته داخل السجن. كما نقلت "الوطن" عن مبارك، قوله إن واشنطن كانت تريد الحصول على قواعد عسكرية في مصر بأي ثمن وإنه كان يرفض الرضوخ لهذا الأمر دائما. ونقلت عنه كذلك قوله إن وزير الدفاع الراحل عبد الحليم أبوغزالة أبلغه ذات مرة بأن الولاياتالمتحدة طلبت قاعدة عسكرية في مصر وأنه وافق فرد عليه مبارك "انت مالكش سلطة توافق ولا انا كمان. دي مش (ليست) ملكك ولا ملكي أنا كمان". أمن إسرائيل وكان مبارك قد أقال ابو غزالة عام 1989 من منصب وزير الدفاع الذي شغله منذ عام 1981. وأطاحت انتفاضة شعبية بمبارك في فبراير عام 2011، وظل منذ أكثر من عامين محبوسا على ذمة تحقيقات وقضايا وجهت إليه فيها اتهامات بالفساد وقتل متظاهرين. وتابع مبارك أن الأمريكيين "كانوا عايزين قواعد بأي ثمن" وأن واشنطن طلبت أكثر من مرة قواعد في غرب القاهرة وبرج العرب قرب الإسكندرية، وأنه خلال زيارة رسمية للولايات المتحدة، التقى وزير الدفاع الأمريكي الذي أبلغه بدوره بأن أبو غزالة وافق على القاعدة العسكرية. ورد مبارك قائلا: "الدستور المصري لا يسمح بذلك لا لأبوغزالة ولا لي شخصيا. هذا الأمر يحتاج موافقة البرلمان المصري وحتى لو وافق البرلمان لازم استفتاء شعبي وقفلت الموضوع عليهم." وسئل الرئيس السابق عن دور الولاياتالمتحدة وإسرائيل فيما يحدث الآن في مصر والمنطقة العربية، فقال إن كل ما يهم أمريكا هو ضمان أمن إسرائيل في الأساس "وطول عمرهم بيحاولوا يضغطوا على العرب من أجل هذا الهدف." طلبات أخرى مبارك قال أيضا إن واشنطن طلبت في عام 2006 أو 2007 الحصول على حقوق البث على إذاعة الراديو بمنطقة القاهرة الكبرى، لكن وزير الإعلام رفض الطلب الأمريكي. وأضاف مبارك "جاءني السفير الأمريكي وقال اديني تردد إف إم لأنهم في واشنطن حاجزين 270 مليون دولار عن المعونة لمصر بسبب الموضوع ده فقلت له خليهم عندكم... مش عايزينهم ورفضت وبعدها بخمسة عشر يوما أرسلوا المئتين وسبعين مليون دولار... طبعا كانوا عايزين تردد اف ام علشان التجسس ومراقبة كل شيء." وقال إن الولاياتالمتحدة أرادت أيضا إقامة شبكة إلكترونية للقوات المسلحة، لكنه رفض خوفا من التجسس الإسرائيلي والأمريكي. وقال مبارك عن تنحيه: "على فكرة أنا اتخذت قرار التنحي بنفسي ولم يضغط علي أحد، وكان ممكن أستمر في الحكم، لكنني قررت التنحي حفاظا على أرواح الناس وعدم إراقة الدماء"، لكنه رفض الحديث عما حدث وقت الانتفاضة وقال: "انا مبحبش (لا أحب) أتكلم في الموضوع ده المسألة خلاص مرت." وواصل حديثه عن نفس الموضوع قائلا: "عرفت الموضوع من القوات المسلحة، وعرفت أن هذا المشروع معناه أن الأمريكان يقدروا يصيبوا الاتصالات في مصر كلها بالشلل، يعني لما يتوقف سنترال رمسيس، تتوقف كل الاتصالات في مصر. جبت وزير الاتصالات وقلت له: معنى ذلك أنك علشان تطلب أي مكالمة لازم تعدي المكالمة على سنترال رمسيس، فقال لي وزير الاتصالات إن الأمريكان هيعملوا ده ببلاش. قلت: أوعى توافق، فأجاب: بس همه وصّلوا الجيزة خلاص بسنترال رمسيس فقلت: كفاية الجيزة وزحلقهم بهدوء كده، وفعلاً زحلقناهم". ورفض مبارك الحديث عن الدور الذي لعبه المجلس العسكري في الثورة وقال عن وزير الدفاع آنذاك محمد حسين طنطاوي: "لو كنت أقلته أيامها... كانوا قالوا عليه بطل... كانت الناس هتقول إني طلبت منه يضرب الناس بالسلاح وهو رفض." *رويترز