عمل الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما ومنذ أول يوم له في البيت الأبيض على اتخاذ قرارات سياسية جذرية، كان من بينها إغلاق معتقل غوانتانامو وسجون التعذيب في الخارج والتوجه إلى العرب والمسلمين طالبا طي صفحة الماضي وبناء علاقات ثنائية مبنية على الاحترام والثقة والمصالح المشتركة. لكن مهاجرين مغاربة مقيمين في ولاية فرجينيا اعتبروا بأن تلك القرارات غير كافية وبأنها كانت مجرد «عملية تجميل مستعجلة» قام بها أوباما لوجه أمريكا كي يخطب ود العرب والمسلمين. لأول مرة في التاريخ الأمريكي يختار رئيس جديد، لم تمض على عملية تنصيبه وتسلمّه السلطة سوى أيام معدودة، توجيه خطاب إلى غير الشعب الأمريكي والتحدث إلى وسيلة إعلام غير أمريكية. فقد أطل الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما عبر شاشة فضائية «العربية» مخاطبا العرب والمسلمين، داعيا إياهم إلى طي صفحة الماضي وبدء علاقات ثنائية مبنية على الثقة والاحترام والمصالح المشتركة. اهتمام إعلامي حظيت المقابلة الصحفية التي خص بها باراك أوباما فضائية «العربية» باهتمام غير مسبوق من قبل وسائل الإعلام الأمريكية التي عملت على إعادة بثها كاملة طوال الأيام الماضية. كما حظيت التصريحات، التي قال فيها أوباما إن إدارته تحرص على بناء علاقات جديدة مع العالمين العربي والإسلامي، باهتمام خاص من قبل مراكز الأبحاث والمحللين السياسيين الأمريكيين الذين أعربوا عن أملهم في أن تنجح تلك التصريحات في تغيير صورة الولاياتالمتحدة لدى العرب والمسلمين الذين كانوا الضحية المباشرة لسياسات الإدارة الأمريكية السابقة. وقال مراقبون إن أوباما يقوم بخطوات غير مسبوقة للتقرب من العالم الإسلامي، حيث قام بالإشارة، خلال خطاب التنصيب التاريخي في العشرين من الشهر الجاري بمنطقة «ناشيول مول» بقلب العاصمة واشنطن، إلى أن الولاياتالمتحدة هي وطن «للمسيحيين والمسلمين واليهود والهندوس ولأولئك الذين لا يؤمنون بأي دين أيضا». وركز بعض المحللين السياسيين داخل الولاياتالمتحدة كثيرا على قيام أوباما بوضع «المسلمين» مباشرة بعد «المسيحيين» وقبل «اليهود» في ترتيب الخطاب الرئاسي الذي يعد تاريخيا لكونه جاء من أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية. وهذه سابقة من قبل الرؤساء الأمريكيين والمسؤولين الكبار الذين عادة ما يقولون في خطاباتهم الرسمية إن «الولاياتالمتحدة هي بلد المسيحيين واليهود والمسلمين والبوذيين». وعرضت شبكة CNN تقارير ضمت شهادات لمحللين كبار مثل «ديفيد غيرغن» الذي شغل منصب مستشار سياسي واستراتيجي في عدد من الإدارات الأمريكية السابقة، حيث قال إن أوباما «يملك رغبة واضحة في التقرب من العالم الإسلامي وتغيير نظرة ذلك العالم عن الولاياتالمتحدة»، التي قسّم رئيسها السابق جورج دبليو بوش العالم إلى قسمين، واحد خصصه للأخيار الذين يعيشون في نعيم الديمقراطية والثاني خصصه للأشرار وحشر فيه معظم العرب والمسلمين! غيرة إعلامية ورغم أن المقابلة الصحفية التي خص بها أوباما قناة «العربية» خلفت ردود أفعال إيجابية على المستوى الرسمي العربي، إلا أن بعض الإعلاميين الأمريكيين لم يترددوا في التعبير عن «غيرتهم الإعلامية» من خطوة رئيسهم الجديد الذي فضل الحديث إلى جمهور عربي ومسلم «غريب» بدل الحديث أولا إلى الجمهور الأمريكي الذي يتطلع إلى سماع ما لدى رئيسه الجديد، خصوصا وأن تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تخيم على سماء الولاياتالمتحدة بدأت تدق أبواب منازلهم بإلحاح، بعدما قامت العشرات من الشركات العملاقة بالتخلي عن عشرات الآلاف من عمالها وموظفيها في الأسابيع القليلة الماضية. وتزعّم مذيع شبكة «فوكس»، اليمينية المحافظة، «بيل أورايلي» جماعة الإعلاميين الأمريكيين الذين قالوا إنه كان على الرئيس الأمريكي الجديد مخاطبة الشعب الأمريكي قبل مخاطبة العرب والمسلمين. كما أن المذيع المحافظ المتشدد «راش ليمبو»، صاحب أشهر برنامج إذاعي داخل الولاياتالمتحدة، لم يتردد في انتقاد القرارات التي اتخذها باراك أوباما خلال الأيام الأولى من فترته الرئاسية، حتى إنه قال في برنامجه الذي يحظى بمتابعة الملايين: «أتمنى أن يفشل أوباما وأن تفشل إدارته»، مما تسبب في موجة من الغضب الشعبي ضد البرنامج وصاحبه. بل إن الرئيس الأمريكي الجديد أعرب عن تبرمه وغضبه من كلام «ليمبو»، حيث قال موجها حديثه إلى الجمهوريين من أعضاء الكونغرس الأمريكي: «عليكم بالتوقف عن الاستماع إلى برنامج ليمبو والتعاون مع إدارتي لتحقيق الأهداف التي ننشدها جميعا». ولم يتردد محللون سياسيون آخرون في التعبير عن اندهاشهم من مقابلة أوباما مع قناة «العربية»، رغم تشديدهم على أهميتها الاستراتيجية بالنسبة إلى مصالح الولاياتالمتحدة. رئيس شعبي المقابلة الصحفية التي منحها باراك أوباما لقناة «العربية» لم تكن في واقع الأمر سوى خطوة واحدة ضمن عدد من الخطوات التي قام بها الرئيس الأمريكي الجديد في الأيام الأولى من حكمه والتي أجمع المراقبون على أنها كانت «جريئة وغير متوقعة من رئيس أمريكي جديد». حيث شكلت القرارات التي اتخذها خلال أول يوم له بالبيت الأبيض حدثا إعلاميا كبيرا داخل الولاياتالمتحدة، وخصوصا توقيعه على مرسوم رئاسي يقضي بإغلاق معتقل غوانتانامو الذي تحول إلى رمز لمدى قسوة ووحشية الإدارة الأمريكية السابقة. كما أنه أمر بإغلاق سجون التعذيب التي أقامتها وكالة الاستخبارات الأمريكية في الخارج (المغرب كان من بين الدول التي استضافت تلك السجون)، بالإضافة إلى إرساله لمشروع قرار إلى الكونغرس يعزز المساواة في الأجور بين المرأة والرجل وينقض قرارا كانت قد أصدرته المحكمة العليا عام 2007، وينص على تعطيل الدعاوى القضائية في هذا المجال بعد مرور سنة واحدة فقط. وحظيت تصريحاته المتعددة حول ضرورة الإسراع بإقرار خطته القاضية بضخ أكثر من 800 مليار دولار لتنشيط الاقتصاد الأمريكي، بتأييد شعبي عارم خصوصا بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي باتت تعاني من تداعيات الأزمة المالية التي تسببت في ضياع عشرات الآلاف من الوظائف وارتفاع معدل البطالة وتكاليف المعيشة. وعبر أكثر من 68 بالمائة من الأمريكيين عن تأييدهم لما قام به رئيس البلاد الجديد خلال الأيام الأولى لحكمه. وتعد هذه النسبة قياسية وغير مسبوقة إذا ما قورنت مع نتائج استطلاعات الرأي التي أجراها معهد «غالوب» خلال الأسبوع الأول من عهود آخر ثمانية رؤساء تعاقبوا على حكم الولاياتالمتحدة. كما أن صورة الرئيس «الشعبي» التي يحرص أوباما على تسويقها، من خلال زيارة المطاعم الشعبية والوقوف لتحية سكان العاصمة والظهور بملابس عادية خلال تناول وجبة العشاء بمطاعم واشنطن المتصفة بأنها «عادية» وغير باهظة الثمن، جعلته يحتفظ بصورة «المواطن الأمريكي العادي» الذي يعيش نمط الحياة الأمريكية بعاداتها وتفاصيلها، رغم أنه بات يعيش داخل البيت الأبيض الذي تقدر قيمته بأكثر من 300 مليون دولار ويقوم بخدمته جيش من أمهر الطباخين والمساعدين والمستشارين والخدم! عملية تجميل لكن ورغم هذه الشعبية الكاسحة لأوباما داخل الولاياتالمتحدة، فإن بعض المسلمين الأمريكيين قالوا إنهم تجاوزوا نشوة الفرح بفوزه على غريمه الجمهوري جون ماكين وإنهم باتوا ينتظرون من الرئيس الأمريكي الجديد أفعالا لا مجرد أقوال لا تكلفه شيئا. وخلال تجمع لمهاجرين مغاربة في ولاية فرجينيا، أجمع الحاضرون على أن الوقت قد حان كي يتخذ أوباما قرارات توضح بالملموس تغير السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتخليها عن منطق القوة في التعامل مع الشعوب العربية والإسلامية. وانتقد بعضهم بشدة تصريحات أوباما التي قال فيها إن واشنطن ستحرص على ضمان أمن إسرائيل ووصف فيها حركة حماس بالمليشيا «الإرهابية». واعتبر هؤلاء المهاجرون المغاربة أن كل التصريحات التي حاول من خلالها أوباما خطب ود المسلمين، من خلال توظيف أصوله المسلمة وذكره لهم في خطاب التنصيب أو حتى مخاطبتهم بشكل مباشر عبر قناة «العربية»، لا تساوي شيئا أمام دفاعه عن أمن إسرائيل، واعتبروا تلك التصريحات مجرد عملية تجميل عاجلة قام بها أوباما لوجه الولاياتالمتحدة حتى تبدو جميلة للعرب والمسلمين بعد ثماني سنوات عجاف من سياسة «من ليس معنا فهو ضدنا» التي اتبعتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن. وفي هذا السياق، قال بدر الدين م، وهو مهاجر مغربي يحمل الجنسية الأمريكية ويملك مطعما إيطاليا في جنوب ولاية فيرجينا ل«المساء»: «أوباما وْصل للبيت الأبيض وعْطانا مثال زوين على أن ميريكان هي أرض الفرص ولكن دابا خاصو يْبيّن لينا الأفعال ديالو.. هاد القرارات كلها بانت ليا أنا غير بحال شي عملية تجميل على وجه ميريكان باش تولي زوينة قدام العالم وخصوصا قدام المسلمين، ولكن في الحقيقة راه مازال مادار والوا في قضية فلسطين وهذا هو المهم بالنسبة ليا»!