سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أبولاس: الجماعات تخطئ عند صياغة عقود التدبير المفوض بعدم استشارتها مع الخبراء أستاذ القانون بكلية تطوان أكد أن فشل بعض الشركات يرجع إلى عدم احترامها للإلتزامات التعاقدية
يقول حميد أبولاس، أستاذ القانون العام بالكلية متعددة التخصصات بتطوان، في هذا الحوار، إذا اتضح للجماعات أن وزارة الداخلية تعسفت في إحدى قراراتها ولم تصادق على إحدى دفاتر التحملات أو إحدى عقود التدبير المفوض، يمكنها أن تلتجئ إلى القضاء الإداري من أجل إلغاء هذا القرار، لكن في غالب الأحيان، نجد رفض وزارة الداخلية وعدم مصادقتها على بعض العقود ودفاتر التحملات يكون منطقيا، وفي بعض الأحيان نجد أن هذه الجماعات تفتقر إلى الجرأة والشجاعة لترفع مثل هذه الدعاوى على وزارة الداخلية. - كيف ترون واقع التدبير المفوض في المغرب؟ وما مدى تطبيق القوانين المنظمة للقطاع؟ إن تحديد واقع التدبير المفوض يقتضي منا التوفر على مجموعة من العناصر التي تتدخل في التأثير على هذا الواقع، وفهم هذا الواقع يقتضي الوقوف على التدبير المفوض كطريقة من طرق تسيير المرافق العمومية، وكشكل من أشكال تسيير عدة قطاعات بواسطة شركات خاصة، وفق ضوابط منصوص عليها في القانون، وقد تم اقتباس هذه الطريقة من النظام الفرنسي الذي عرفها منذ الثمانينيات، أما بالنسبة للمغرب، فقد تم تفويت عدة قطاعات عمومية، خصوصا في أواخر التسعينيات، حيث تم التركيز في هذه الفترة على إعداد تصور بعض المقتضيات وبعض الضوابط التي يمكن أن تكون متضمنة في بنود دفاتر التحملات. وفي هذا السياق، أحدثت لجنة وزارية في سنة 1998، ومنذ تلك الفترة، عملت على إعداد تصورات لكيفية الاشتغال بهذه الطريقة، واستمرت حتى حدود سنة 2005، أي قبل صدور قانون 54/ 05، بحيث كان يعتمد، على مستوى تدبير المرافق العامة، وفق طريقة التدبير المفوض، على دفاتر التحملات التي أنجزت من قبل وزارة الداخلية باعتبارها الوزارة الوصية على الجماعات الترابية. صدور قانون 54/05، جاء للإجابة على مجموعة من الإشكالات الأساسية التي تتعلق بتدبير هذا المرفق، خصوصا في ما يتعلق بتحديد وتعريف عقد التدبير المفوض، والإشارة إلى مجموعة من المقتضيات وتحديد المقتضيات المتعلقة بالتوازن المالي وتحديد مجالات اشتغال الأشخاص الذين سيفوض لهم المرفق. بالإضافة إلى تحديد ما يتعلق بالمراقبة الداخلية التي يتضمنها هذا القانون، فهذه المعطيات كلها أساسية ومهمة، ولم تكن منظمة بقانون، بل إن دفاتر التحملات لم تكن تتضمن مختلف المقتضيات التي جاءت في قانون 54 /05. فمنذ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، يمكن لنا أن نقف على هذه التجربة التي اعتبرها البعض لم تحقق الأهداف المتوخاة، وبالتالي فإن هذا الأمر يجعلنا نقف على مجموعة من الثغرات ومجموعة من الإفرازات والملاحظات التي تم تسجيلها بخصوص هذه التجربة، ويجعلنا نتساءل إلى أي حد استطاعت هذه التجربة أن تجيب على مجموعة من الاختلالات التي عرفتها التجارب السابقة على هذه الطريق، وأذكر على سبيل المثال تجربة الوكالات. للإجابة على هذا التساؤل، لابد من الوقوف على الجوانب الإيجابية لهذه التجربة، والتي تتجلى على الأقل في تقنين هذا المجال، وجعل هذه الشركات تشتغل وتحقق مجموعة من الأهداف، كما أنه لا يمكن أن ننظر فقط إلى الجانب السلبي، وإنما هناك جانب إيجابي يتمثل في مستوى الخدمات وجودتها، لكن في مقابل ذلك، هناك عدة اختلالات شابت تطبيق هذا القانون. وأمام هذا الوضع، وبعد مرور ما يقارب عشر سنوات على دخول القانون حيز التنفيذ، فإن الأمر يتطلب التدخل من أجل تقييم النتائج وطرح مقترحات لتعديله، خصوصا أن التجربة أثبتت قصورها، وذلك انطلاقا من العديد من المشاكل التي عرفتها بعض المرافق العمومية الجماعية، خصوصا مرفق النظافة ومرفق النقل الحضري. - ما مدى تطبيق مبدأ الحكامة في مجال التدبير المفوض؟ هذه النقطة مهمة جدا، وهذا السؤال سنربطه بالنصوص القانونية المنظمة للتدبير المفوض، فحينما نتطرق إلى حكامة التدبير، يقودنا الأمر إلى طرح سؤال مفاده، إلى أي حد تطبق مجموعة من الآليات التي حملها هذا المصطلح؟، ومن بين ما تضمنه هذا المفهوم من معطيات ومقتضيات، تلك التي جاء بها البنك الدولي والأمم المتحدة أو تلك التي جاء بها الباحثون أو الخبراء، ومن بين ركائزها الأساسية إشراك المجتمع المدني في القرارات، ثم المحاسبة والمساءلة والمراقبة والحكامة. فهل فعلا يتضمن قانون التدبير المفوض هذه المبادئ، وهل فعلا يطبق على مستوى القطاعات، فالفشل الذي وصلت إليه بعض الشركات التي تسير بعض القطاعات الحساسة والحيوية كقطاع النظافة أو قطاع الماء والكهرباء بواسطة التدبير المفوض، يرجع في غالبيته إلى عدم احترام الالتزامات التعاقدية وعدم تطبيق المراقبة الكافية من طرف المؤسسات المفوضة، وكذا يرجع إلى غياب المحاسبة وإلى عدم تطبيق عناصر الحكامة. محتوى الاتفاقية كما جاء في القانون، يحدد الالتزامات التعاقدية بين المفوض والمفوض له، ومن هنا يمكن معرفة ما إذا كانت هذه الالتزامات تحافظ على مصلحة المواطن ومصلحة الخدمة العمومية انطلاقا من محتواها، كذلك بالنسبة لدفتر التحملات، الذي يحتوي على البنود الإدارية والتقنية، والذي يحتاج إلى متخصصين وخبراء للمساهمة في صياغة هذه البنود، وكذا للتفاوض بخصوصها، وهو ما يجعل الجماعات الترابية، في غالب الأحيان، لا تستعين بخبراء في صياغة هذه الدفاتر ولا تستشير الخبراء، مما يجعل الدفاتر التي تعدها، غالبا، تشوبها بعض الاختلالات القانونية، مما يؤدي بالوزارة الوصية إلى عدم المصادقة عليها أو رفضها، و في نظري أن هذه الجماعات الترابية تفتقر إلى نهج المبادئ الأساسية للحكامة على مستوى اعتماد هذه الطريقة للتدبير. هذا التحليل الذي طرحناه، نجد فيه غيابا حقيقيا لمبادئ الحكامة، فمثلا حينما يقع إشكال كبير سواء على مستوى شركات النظافة أو شركات النقل الحضاري، ولا تستطيع هذه الشركة المفوض لها تطبيق مضامين دفاتر التحملات، نجدها تطالب المجالس إما بالزيادة في منحة إضافية قصد وفائها بأداء الخدمة، على أساس وجود خلل وانعدام التوازن المالي، وأنها لا يمكن لها أن تقوم بالمهمة المفوضة لها حتى تقوم الجماعة المفوضة بضخ منحة إضافية، وفي حالة عدم ضخ هذه المنحة، فإنها لن تقوم بتأدية الخدمة، وهذا ما لم يكن منصوصا عليه لا في دفتر التحملات ولا في العقد ولا في أي وثيقة ملحة بالعقد. - ما مدى حكامة التدبير المفوض في المغرب؟ يعتبر نظام التدبير المفوض شكلا من أشكال تفويض تدبير مرفق من المرافق العامة بشروط يتم التنصيص عليها في دفتر التحملات، وأسلوب جديد من أساليب تفويض المرافق العمومية، إلا أن تطبيقه كشف عن مجموعة من الاختلالات التي يجب تداركها والعمل على إيجاد إجابات حقيقية بشأنه، وكذا بلورة تلك الأهداف التي وعدت بها السلطات المحلية أثناء تفويتها لهاته المرافق. - إلى أي حد تلعب العلاقات السياسية دورا أساسيا في مجال التدبير المفوض؟ بمعنى آخر هل هناك مراعاة للعلاقات التي تربط المغرب بالبلد المفوض له؟ صحيح أن هناك مراعاة لهذه العلاقات، لكن هذا لا يؤثر في تدبير الشؤون التي تم الالتزام بها، وهذا لا يمنع من ضرورة التزام الشركات بما تضمنته دفاتر التحملات، لا يمكن أن ننفي وجود علاقات، لكن على مستوى بعض المسؤولين الذين يربطون علاقات مع مكلفين بتسيير القطاعات التي فوضت لهم، وفي مقابل ذلك، يتلقون مكافآت وهدايا، وهو ما يدفع في غالب الأحيان بالمسؤولين إلى التساهل مع المشرفين على شؤون الشركة التي تحقق أرباحا طائلة دون أن تقدم خدمة مقابل تلك الأرباح التي تجنيها، ويبقى في نهاية المطاف أن المواطن الذي يؤدي ثمن الخدمة من «جيبه» عبر الضرائب التي يدفعها لا يستفيد من جودة الخدمات التي يجب أن تقدم له. - هل هناك استقلالية تامة على مستوى الجماعات المحلية في اتخاذ قرارات التدبير المفوض للمرافق العمومية؟ هناك قانون ينظم الهياكل التنظيمية للتدبير المفوض، فالمجالس الجماعية لديها استقلال مالي وتتمتع بشخصية معنوية، بحيث لا يمكن لها أن تتحرك من طرف جهة ما، فالقانون هو الذي يحكمها، والجماعة حرة في إنهاء العقد مع الشركة المفوضة إذا تبين أنها لا تحترم العقود التي تم التوقيع عليها، في إطار احترام القانون وما يتضمنه العقد وما تنص عليه دفاتر التحملات. - هناك من يحمل المسؤولية في فشل التدبير المفوض لوزارة الداخلية، على اعتبار أن هذه الأخيرة هي من تتدخل وتدفع هذه الجماعات إلى اللجوء إلى التدبير المفوض في بعض المجالات، من خلال تدخل وتوجيه مباشر منها ما رأيكم في هذا؟ لا أعتقد أن وزارة الداخلية تدفع الجماعات رغما عنها للجوء إلى طريقة التدبير المفوض، كل ما هنالك أن وزارة الداخلية باعتبارها الوصية على الجماعات المحلية، حينما وجدت بعض المرافق كانت على وشك الإفلاس كمرفق الماء والكهرباء ومرفق النقل الحضري، اقترحت على الجماعات اللجوء إلى هذه الطريقة. أما بالنسبة لمن يقول إن وزارة الداخلية تعرقل عمل الجماعات عن طريق رفض بعض دفاتر التحملات، فأنا لا أظن أن الأمر صحيح، لأن وزارة الداخلية تقوم بمهمتها التي خولها لها القانون من خلال مراقبتها لدفاتر التحملات والعقود المتعلقة بالتدبير المفوض، فإذ تبين لها أن هذه العقود تخالف القانون وأنها لا تتوفر على التوازن المالي كما وقع في عقد التدبير المفوض المتعلق بالنقل الحضري لتطوان، فإنها ترفض المصادقة على هذه العقود. إن وزارة الداخلية لا يمكن لها أن تصادق على أي عقد أو دفتر تحملات مخالف للقانون، وبالتالي فإن الجماعات الترابية ترتكب في العديد من الأحيان أخطاء على مستوى صياغة عقود التدبير المفوض ودفاتر التحملات لعدم استشارتها مع خبراء في هذا المجال، وإذا اتضح لهذه الجماعات أن وزارة الداخلية تعسفت في إحدى قراراتها ولم تصادق على إحدى دفاتر التحملات أو إحدى عقود التدبير المفوض، يمكنها أن تلتجئ إلى القضاء الإداري من أجل إلغاء هذا القرار، لكن في غالب الأحيان نجد رفض وزارة الداخلية وعدم مصادقتها على بعض العقود ودفاتر التحملات يكون منطقيا، وفي بعض الأحيان نجد أن هذه الجماعات تفتقر إلى الجرأة والشجاعة لترفع مثل هذه الدعاوى على وزارة الداخلية.