بعد عام ونصف على وصوله إلى السلطة في المكتب الفاخر لرئاسة الحكومة بالمشور السعيد في الرباط،... قرر، أخيرا، عبد الإله بنكيران إنشاء خلية نحل مهمتها إرساء خطة تواصل تقرب إنجازات الحكومة للشعب، وقبل اليوم لم يكن بنكيران آبها بخطورة وحساسية مجال التواصل والإعلام، وظل رئيس حكومتنا يحتكر لوحده مجال التواصل عبر التجمعات الحزبية والخرجات الإعلامية التي لم تكن تكلفه سوى آلة تصوير يدوية وبث مجاني على موقع «يوتوب»،... وحتى تدخلاته في قبة البرلمان كانت تقتبس من كاميرات «الأولى» ويعاد بثها على موقع الحزب بإضافة «لوغو» المصباح، شعار الحزب الذي تحول إلى شعار قناة تلفزيونية تابعة لحزب العدالة والتنمية. بنكيران، وعلى عكس اليوسفي، دخل السلطة بجيوب فارغة من أي وسيلة إعلامية، ولحد الآن اعتمد بنكيران على جريدة «التجديد» التابعة للذراع الدعوي للحزب في تسويق برامج الحزب لدى المواطنين،... وبعد سنة ونصف من السلطة، خاصم بنكيران الصحافة والإعلام بأن وضع القناة الثانية على كف العفاريت، فيما صنف الصحافة المكتوبة في خانة المشوشين،... واليوم حين يقرر بنكيران إنشاء خلية للتواصل، فلأنه يحس أنه أصبح يتيما في مشهد سياسي يتفاعل مع وسائل الإعلام أكثر مما مضى، وأن الرأي العام يصنعه الإعلام وليس خطب السياسيين،... ولهذا يعتبر قادة حزب العدالة والتنمية أن الخطر الحقيقي الذي يواجه تجربتهم هم صناع القرار وصناع الخبر وليس ثلاثي «البام» وشباط ولشكر. لكن بنكيران الذي يتجه إلى إصدار جريدة يومية تابعة لحزب العدالة والتنمية لتسويق منجزات حكومته لدى الشعب، لم يقل لنا تصوره لهذه الجريدة وما ستكتبه من منجزات،... ربما سيطالعنا بنكيران بعناوين بالبنط العريض عن الزيادة في ثمن المحروقات وعن قراره العنيد برفض توظيف المعطلين، وعن فرضه الضرائب على أجور الفئات المتوسطة، وعن القروض المالية الخيالية التي اقترضتها حكومته، والتي وصلت حتى الآن 2250 مليون دولار، وعن محاربته الفساد والرشوة بالإشهار،... لكن أفضل شيء سيقوم به بنكيران ليضمن النجاح الكبير لهذه الجريدة، هو أن يسميها جريدة «مامسوقش». وبنكيران الذي بدأ يهتم متأخرا، وبعد عام ونصف من وصوله إلى السلطة، بأهمية الإعلام ووسائل الاتصال، يبدو أن أول شيء يجب أن يطبقه من نصائح خلية التواصل التي أنشأها، هو أن يعيد النظر في ندائه الشهير خلال كل خطبه العمومية التي ظل يستهلها حتى الآن ب»خوتي المغاربة»،... فقط لأننا لم نسمع بنكيران في يوم ما يقول «خواتاتي المغربيات»،... وحين يلتفت رئيس الحكومة حاليا إلى أهمية التواصل، فلأنه يريد تأسيس «بروباغندا» خاصة بعمل الحكومة وحزب العدالة والتنمية، بعدما تيقن صقور الحزب الحاكم في بلادنا أن «الريزو» بدأ يتقطع بينهم وبين الشعب. مرة، قال المفكر العبقري الأمريكي، نوعام شومسكي، إن «البروباغندا في الديمقراطيات هي العنف لدى الديكتاتوريات»،... وبعد الحرب الباردة عوض جهابذة السياسة مصطلح البروباغاندا بمصطلح التواصل، لكن الأسس التي شيدت عليها البروباغندا بقيت كما أسسها جوزيف غوبلس، وزير الرايخ الألماني في تربية الشعب والبروباغندا، حين كان يقول بأنه في السياسة كلما كانت الكذبة كبيرة كلما صدقها الشعب بسهولة، وبأن للدولة الحق المطلق في أن تترأس مهمة صناعة الرأي العام. وبنكيران في كل ذلك هل يريد أن يترأس اليوم مهمة صناعة الرأي العام بخلية التواصل التي أنشأها، أم أنه انتخب ووصل إلى السلطة لصناعة حاضر ومستقبل الشعب ؟،... لأن التواصل هو قناة لصرف الكذب والإعلام قناة تصريف الحقيقة،... وحين يفقد رئيس حكومة «الريزو» مع الشعب، فذلك له معنى واحد هو: أن الشعب «عاق».