رغم أنهم لا يكتبون فهم كُتاب.كتاب رغم أنوف القراء الكرام والقراء اللئام على السواء. وهمْ في هذا ليسوا بدْعا في العالمين. إذ إن أمثالهم في انتحال «الصناعات» الأخرى أشر وأمَرّ. وهم للأسف كثر. ففي الأراضي المشاعة يجوز لكل من حمّم شاربه أن يدعي الحدادة. وكل من سطّر حرفا أن يغدو كاتبا أو شاعرا أو أديبا.. بعض الكتبة اكتسبوا الصفة، لأمر ما وفي سياقات ملتبسة، ثم كفوا عن الكتابة. يكفيهم أنهم صاروا، بحكم «الاعتراف» كتابا، بل كانوا كتابا باعتبار ما كان لا ما هو كائن، كما يقول البلاغيون، وعليه فليس بوسع أي كان أن ينزع منهم، اليوم، صفتهم تيك (في إشارة إلى الزمن البعيد). لهذا فهم يجسدون مقولة التناقض المنطقي باعتبارهم كتابا لا يكتبون. لقد كتبوا وقضي الأمر. يوم كان للكتابة معنى (كذا)، وعلى القارئ أن يحلل هذه الحالة المفارِقة، ويناقشها، محاذرا الإصابة بالجنون، لأن الأمر في أبسط تجلياته أقرب إلى مهزلة وأكثر من انتحال صفة. وبهذه الصفة (اللاصفة) ما انفك هؤلاء الذين كانوا في يوم من الأيام كتابا، يحضرون الملتقيات ويمثلون العباد والبلاد بما لا يملكون، في الشعر والنثر، في الإبداع والفكر، في شؤون الدنيا والدين. بوثوق لا يتزعزع. و لا حرج في أن يتخلى الكاتب عن الكتابة إذا ما أحس بأنه ما عاد بوسعه أن يكتب شيئا جديدا، أو جرفه تيار الحياة نحو عادات جديدة ليست من بينها عادة الكتابة. إلا أن غير المفهوم هو أن يتصدر بعض الذين ما عادوا يكتبون مشهد الكتابة كرها وعنوة، في حين يتم تهميش طاقات تكتب بغزارة وحرارة، لا لشيء، إلا لأنها لا تملك القدر الكافي من الصفاقة كي تتصدر المشهد. والمشهد في عمومه بئيس في كل الأحوال. ولا شماتة. لهذا فكثير من المتصدرين لا يكتبون إلا نادرا. إنهم يوجدون دوما في المكان الملائم للظهور كلما سنحت السوانح. وهم بالتالي كتاب وسائطيون. أي يسجلون حضورهم في الملتقيات ولوائح المشاركات والجرائد، الأمر الذي يساعد على تداول أسمائهم في المحافل الأدبية والثقافية بالداخل والخارج.. هذا إذا بقي لكلمتي الداخل والخارج من معنى في زمن العولمة. وما همّ حينها إن كتبوا أو كفوا عن الكتابة. والحديث عن ظاهرة الكتاب الأشباح أو «كتاب بالزج» (تنطق بالعامية «بالزز» ) لا يتقصد البصق في البئر والزعم بأن كل من يتكرر بروزه على الساحة الأدبية دعيّ . فهناك من يكتبون وحضورهم كاسح (ولو أن هذه الصفة مبالغ فيها) ويستحقون كل تقدير. غير أن فئة أخرى- وهي قليلة من حسن الحظ- ما كتبت شيئا واعتبرت أن ما كتبته بالأمس يعفيها من الكتابة اليوم وغدا... إنها تجني ما كتبت يداها في زمن مضى!