{ ماذا تكتب الآن..؟ بعيد انتهائي من كتابة سيناريو فيلم سينمائي بعنوان رجوع , أعكف ضالان على كتابة رواية ، هي الأولى التي قد تكون من نتاجي الأدبي الروائي المنجز، أختصر فيها -على ما ارغب - خبرتي الحياتية من حيث الرؤى والأفكار والأحداث، لا ادري إن كانت ستكتمل أم ستتبع سابقتها التي حاولت انجازها مند نحو عشرين عاما ولم انجح، بسبب ظروف شخصية آنذاك ، لكنني على ما يبدو مصمم أكثر هذه المرة بعد آن صرت أشعر باقتراب الأجل بشكل ما ، مما يحتم تدوين بعض الأشياء التي لا يمكن إحالة فهمها إلى شكل سوى الرواية قبل مغادرة هذا العالم إلى عالم الحقيقة. لن أصرح الآن أكثر عن الرواية - المشروع، لسبب كونها غير منجزة ،أما بالنسبة للرواية السينمائية/ فيلم رجوع ، فهو فيلم روائي طويل انتهيت من صياغته منذ قترة ،يحكي قصة شاب موسيقي مبدع وحالم انطوائي - بمفهوم محيطه -يرفض الزواج والتقاليد الاجتماعية فتحاول أمه وأخته توريطه بفتاة ويجرانه إلى الذهاب في رحلة سفاري في الغابة فيضيع هناك ، ثم يتأقلم ويتعايش مع واقع الغابة، حيث تتنازعه أسئلة الحياة بالمعنى الفلسفي، وغالبية مشاهد الفيلم في الغابة حتى ينتهي بوقوفه بين الغابة والبيوت التي يعيد اكتشافها، محاولا اختيار جهة الذهاب حيث ينتهي الفيلم دونما إجابة واضحة. { إلى أي حد يسعفك هذا الفصل في الكتابة..؟ عملية الكتابة تخلق مناخها الخاص ، فمع كل منجز فني وأدبي تولد حالة كونية من سديم إرهاصها ، وقت الإبداع لا مرئي وهو خارج زمن و فحوى و شروط الواقع عموما بمعنى آخر ثمة انفصال وتضاد بين مفردات الواقع وتفاصيله وحالة الكتابة، بل بمجرد محاولة مطابقة الواقع المعاش فعليا مع واقع اللحظة الإبداعية فإنها تفقد خاصية الإبداع ، ليس لأن الكتابة وهم بقدر كونها أرخبيل آخر، يقع خارج الملموس السطحي، وتتناثر جزره على مساحة كونية أخرى، ومن هنا فان الفصل المناخي شيء لا يعترض أو يساند لحظة الكتابة ، إلا إذا اعتبرنا وقت فراغنا هو وقت الإبداع الخلقي ، في هذه الحال يكف عن كونه إبداعا. { أي شعور يعتريك عندما تنهي نصك..؟ مع نهاية كل نص جديد، يولد سرا نص آخر لا يرى لحظتها، ولا نشعر به غالبا لان جنين الإبداع لا يولد مكتملا وإلا كف عن كونه ابتداعا، لكن المرء يستشعر ولادته السرية غير المرئية بشكل ما، وبالنسبة لي، فان الانتهاء من نص يجعلني سعيدا واهماً ، وكأنني تخلصت من كتلة لحمية في ذاكرتي ، لهذا تعتريني بعض السعادة الجوفاء فأنا أدرك بان المسألة لم تنته، هناك نص أخر يتحفز للقفز خارج رحم ولادته ،مما يسبب إرباكا من نوع ما قد يشبه توتر ما بعد الولادة عند المرأة أو قد يكون كذلك فعلاً. { هل تمارس نوعا من الرقابة على ذاتك وأنت تكتب..؟ الكتابة بأحد معانيها حالة حرية ، شخصيا أمارسها بلا رقابة تذكر، لكن لحظة نشر المنتوج شيء أخر، وبالنسبة لي أحيانا أكون جبانا ،ارتعد ربما من المجتمع أو السلطة الدينية أو السياسية أما لحظة الكتابة فاحتالها، وانجح كثيرا في إبعاد رجل البوليس الرابض في داخلي وهو ينجح أيضا بين الحين والأخر في التسلل إلى نصي، لكنني أصر على طرده. { هل تستحضر المتلقي وأنت تكتب..؟ إن إحدى أهم ملامح احترام المتلقي هي عدم استحضاره فبمحرد استذكاره يعني مجاراته، وبمعنى آخر أدق الكذب عليه. { إلى أي حد تعتبر الكتابة مهمة في حياتك..؟ في حياتي لم تكن مكانة الكتابة واحدة لكنني لاحظت عندي وعند غيري إن متطلبات الحياة في بعض المراحل تنحي أهمية الكتابة، أو لنقل تُهبط مكانتها، فليس من المنطقي أن يتغلب هم كتابة قصيدة على إعالة أطفالك مثلا ، لكن المسالة بالتأكيد ليست منافسة بين الحياتي والإبداعي في النهاية ،غير أن اعتياد الأدب والفن يؤدي إلى إدمان ما قد يخرب بعض أو كل تفاصيل الحياة ، لكن الكتابة بشكل ما هي حياة موازية و مؤلمة ومرضية، هي حياة سعيدة وعير ذلك. { الكتابة..ما تعريفك لها.؟ لا تعريف للكتابة ، لكن توصيفها قد يكون ممكنا، فالكتابة عمل ميكانيكي صادر عن وعي تراكمي ذا غاية ومنظومة معرفية معقدة لا يمكن إدراك فحواها ، إن قرار الكتابة لا يملكه الكاتب نفسه بل تمليه منظومة خفية في داخله يستشعرها لكنه لا يدركها ،وتصدر تعليماتها فينفذها بشغف غريب ومريض. { إلى أي حد أنت راض عما كتبت..؟ الرضا النسبي نعم ، ولكن في اللحظة التي ترضى تماما عما كتبت ، تكون قد نحرت الكائن الإبداعي فيك . { عادة هل تعيد قراءة ما كتبت قبل اتخاذك لقرار النشر..؟ نعم وهنا يتدخل مقص الرقيب، أحيانا يقص فكرة أو مفردة أو يشطب جملة ، إنها عملية مونتاج كتابي تماما كالسينما فأنت تحذف الشوائب وتضيف ما يغني ويرتقي أو ما يجب وتحذف ما لا يستوجب، إنها مسألة تدخل عقلي ينتج عن الخبرة الذاتية بالمحيط، فالتنقيح يتطور ليس فقط أداة ولغة وإنما جمالية وحسا كلما نضجت التجربة الإبداعية - البعض يزعم غير ذلك- ولا اعتقده صادقا لكن عملية التحرير المونتاجي والحذف والإضافة ليست ذات نسب ثابتة إنها تتغير بين نص وآخر بحسب ارتكاباته وخطاياه وخطورته اللفظية والمعنوية.