سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أنور مجيد *: السلطان محمد الرابع فضّل تسليم بلاده لأمريكا خوفا من الاستعمار الأوربي قال إنّ العلاقات المغربية الأمريكية بدأت قبل وقت طويل من استقلال أمريكا عن بريطانيا
- كأستاذ لتاريخ الحضارات ومهتمّ بالعلاقات المغربية الأمريكية، متى بدأت العلاقات بين المغرب والولاياتالمتحدة؟ حسب إحدى الروايات التاريخية، فقد بدأت العلاقات المغربية -الأمريكية قبل وقت طويل من استقرار المهاجرين الإنجليز في الجزء الشمالي من القارة الجديدة.. فخلال المراحل الأولى من الغزو الاستعماري الإسباني في القرن ال16 م، رسا زنجيّ مغربي من إقليمأزمور، معروف تاريخيا باسم «إستيفان» أو «Estevanico»، في ولاية فلوريدا، وعاش جميعَ أنواع المخاطر، حتى وصل إلى الجزء الجنوب الغربي من الولاياتالمتحدة (بما في ذلك نيومكسيكو) وكان قادرا على توجيه القوات الاسبانية إلى تلك المنطقة. وهناك صديق لي، هو الباحث المغربي عبد الحميد لطفي، يعتقد أنّ الاسم الحقيقي لستيفانيكو «الأزموري» هو مصطفى.. في هذه الفترة، تعامل الإسبان مع السكان الأصليين في أمريكا (الهنود) ك«موروس» جدد (مغاربة جدد).. وهناك شخصية أخرى مثيرة للجدل هو أنتوني يانسن فان سالي، والمعروف باسم «أنتوني التركي». يُعتقد أنه ولد في مدينة سلا من مرتد هولندي اسمه يان يانسن (مراد الرايس) وأم إفريقية مسلمة.. أصبح أنتوني يانسن فان سالي واحدا من أكبر ملاكي الأراضي في مانهاتن. كان شقيق أنتوني يسمى أيضا أبراهام فان سالي، تيمنا بمدينة سلا.. وهناك كذلك مجموعة من «الموروس الأحرار» يدّعون أنهم مغاربة أقدموا على توقيع عريضة مع الجمعية العامة في ولاية كارولينا الجنوبية من أجل المساواة في سنة 1790. وقد ارتبط مصطلح «المور»، في وقت لاحق، بالإسلام بشكل عام، خاصة بالعبيد والسّود المسلمين من أصول إفريقية.. في عام 1828، كان أشهر إفريقي في أمريكا هو عبد أسود معروف باسم عبد الرحمان إبراهيما (1762-1829). وقد تم إطلاق سراح إبراهيما من قبَل رئيس الولاياتالمتحدة، لأنّ القادة الأمريكيين اعتقدوا أنه مغربيّ، ومن الأفضل الإفراج عنه للحفاظ على العلاقات الجيّدة مع المغرب. ولسبب ما، أثر المغرب في «نوبل درو علي»، مؤسس «Moorish Science Temple of America» (معبد العلوم المغاربي في أمريكا) في أوائل القرن ال20. ويعتقد أنّ «نوبل درو» يتحدّر من أصول مغربية، وأصدر بطاقات وطنية مزيّنة بالعلَم المغربيّ.. لقد كان ادّعاء الانتماء إلى المغرب مصدرَ فخر ويضفي الاحترام في مجتمع يؤمن بالعنصرية ضدّ السّود. كان المغرب، إذن، حاضرا في بداية ميلاد الحضارة الأمريكية. وهذه المعطيات كلها تؤكد وجود نقط تماسّ بين المغرب وأمريكا قبل توقيع المعاهدة التجارية المشهورة، والتي اعترف المغرب بمقتضاها بالولاياتالمتحدة. - ما الذي يثير انتباهَك أكثرَ عندما تنظر إلى العلاقات المغربية الأمريكية في بدايتها؟ هناك العديد من المحطات المثيرة للاهتمام في هذه العلاقات، ولكنّ واحدة تعجبني دائما.. وهي قصة جيمس رايلي، وهو قبطان أمريكي تعرّضت سفينته للقصف في البحر بالقرب من موريتانيا (اليوم) في عام 1815.. وتم أسره هو وطاقمه من قِبَل عصابة شرِسة من البدو، وتعرّضوا لسوء معاملة.. وقال رايلي لخاطفيه إنه يعرف السلطان مولاي سليمان وإنّ المغرب وأمريكا تربطهما علاقات صداقة.. ولحسن حظهم أنه في اللحظة التي كانوا مُعرّضين للإعدام، تدخل تاجر مغربي اسمه «Sidi Hamet» (سيدي حميد) وهو في طريقه لإنجاز أعمال تجارية في تومبوكتو، واشترى حرية الأمريكيين الخمسة من الخاطفين.. عندما رجع رايلي إلى الولاياتالمتحدة، نشر كتابا دوّن فيه تلك القصة، وأصبح «سيدي حميد» بطلاً معروفا في الولاياتالمتحدة كشخص مُعادٍ للعبودية.. خلّف ما فعله التاجر المغربي تأثيرا عميقا لدى أبراهام لنكولن، الرئيس الأمريكي، الذي ألغى العبودية.. وقد أقدم محام أميركي من ولاية كارولينا الجنوبية على تسمية ابنه «Sidi Hamet» تكريما للتاجر المغربي الذي أنقذ الأمريكيين من العبودية والموت.. ويمكن المرءَ أن يقول إن الأعمال الإنسانية للرجل المغربي لعبت دورا في إنهاء العبودية في الولاياتالمتحدة.. - الملاحظ هو غياب الدور الأمريكي في المغرب في القرن ال19. هل تتفق مع من يعتقدون أنّ الولاياتالمتحدة تأسّست لإدارة ظهرها للعالم؟ شارك الأمريكيون في إنشاء منارة في كاب سبارتل في طنجة عام 1860، وأسسوا أول مدرسة أمريكية في طنجة سنة 1950.. في تلك الأثناء، أنشأت الولاياتالمتحدة بعض القواعد العسكرية وأدخلت العادات الأمريكية إلى المغرب.. وقد خلّد المغني المغربي الكبير حسين السلاوي هذه اللحظة في أغنيته «لماريكانْ»، حيث يتحدّث عن أميركيين بعيون زرقاء يتعاملون بالدولار ويمضغون العلك ويردّدون «بايْ بايْ».. وفي 1942 دخل الجيش الأمريكي إلى المغرب للتصدّي للمد النازي، وتم في السنة نفسِها تصوير فيلم بعنوان «الدارالبيضاء» في كاليفورنيا.. شخصيا، عندما وصلت إلى الولاياتالمتحدة في 1983، التقيت نساء مغربيات تزوّجن بأمريكيين خدموا في المغرب، وهذا كله يؤكد عمق العلاقات بين البلدين. كان الكاتب الأمريكي بول بولز، الذي توفي في 18 نونبر 1999 في طنجة، عنصرا رئيسيا في الوجود الأمريكي في طنجة والمغرب بعد الحرب العالمية الثانية. وقد لاحظ الطباخ الأمريكي الشهير أنتوني بوردين الأمرَ نفسَه، حينما أكد، خلال برنامجه على قناة «CNN» حول طنجة تأثره الكبير برواية Naked Lunch (الغذاء العاري) للكاتب ويليام بوروز. - تشيد كثيرا بالسلطان سيدي محمد بن عبد الله.. لماذا أنت مُعجَب بهذا السلطان؟ لا يدرك الناس أنه كان للمغاربة سلطان غير عادي هو سيدي محمد بن عبد الله.. فقد أعرب عن اعتقاده في التجارة الحرّة باعتبارها وسيلة لتحقيق السلام بين الأمم وحماية بلاده.. ووقع العديد من الاتفاقات التجارية، بما في ذلك مع بلدان كانت في مواجهة المغرب عسكريا، مثل إسبانيا. كما أنه لم يكن يحبّ البريطانيين كثيرا بسبب العديد من المشاكل. فقد كان يعتقد أنهم كانوا كذابين وأنه لا يمكن الوثوق بهم.. وعلى سبيل المثال، فقد قام، في 1778، بالاستيلاء على سفينة بريطانية بسبب انتحالها صفة سفينة أمريكية. في عام 1783، تلقى سيدي محمد بن عبد الله رسالة من القنصل الأمريكي في إسبانيا، يبلغه فيها أنّ كونغرس الولاياتالمتحدة يريد إبرامَ معاهدة تجارية مع المغرب، فقام بتوجيه اليهودي إلياهو ليفي لكتابة جواب عن رسالة القنصل الأمريكي باللغة الاسبانية. وفي الرسالة، أعرب السلطان عن إعجابه بشجاعة الأمركيين ورغبتهم في حماية حريتهم ورحّب بالعلاقات معهم. ولاحقا، بعث سفيره جاكومين كروكو إلى ممثل الكونغرس في باريس لينقل متمنياته للسفير الأمريكي ويحاول اصطحابه إلى المغرب.. عندما وقع السلطان معاهدة السلام مع الولاياتالمتحدة أرسل نسخة الى ملك إسبانيا. وكانت صفقة كبيرة بالنسبة إليه. كانت معاهدة السلام مع الولاياتالمتحدة جزءا من إستراتيجية السلطان لضرب القوى الأوربية بعضها ببعض، وبالتالي حماية أمّته. - لماذا كانت لغة السلطان سيدي محمد جافة نوعا ما في مراسلته لجورج واشنطن، مثلا؟ إذا كنت تقصد مخاطبته بعبارة «السلام على من اتبع الهدى».. فهذه العبارة استعملها كل السلاطين المغاربة في القرون ال16 وال17 وال18 م، في مراسلتهم للملوك المسيحيين، بمن فيهم الأوربيين. - ما الذي دفع السلطان إلى التقرب من أمريكا والاعتراف بها؟ بعد الثورة الأمركية، عام 1776، لم يكن الناس يعرفون الكثير عن المتمرّدين الأمريكيين وعن الأمة الجديدة، ولكنْ كان محمد بن عبد الله معجبا بشجاعة الأمركيين، فقد كانوا قادرين على هزم أقوى دولة في العالم والحصول على حريتهم (بريطانيا). - هل صحيحٌ أنّ السلطان مولاي عبد الرحمان طلب احتلال الولاياتالمتحدة للمغرب؟ في عام 1945، نشر عالِم السياسة الأمريكي غراهام ستيوارت مقالا بعنوان «مستقبل طنجة» في مجلة «Foreign Affairs» (الشؤون الخارجية). وذكر أنّ السلطان مولاي محمد بن عبد الرحمان، المعروف أيضا باسم محمد الرّابع، يفضّل تسليم بلاده إلى الولاياتالمتحدة على أن تحتلها قوة أوربية.. ووفقا لستيوارت، فقد فضّل الحماية الأمريكية، وهذا موجود في الوثائق المؤرشَفة في القنصلية الأمريكية في طنجة. وقد كتب ستيوارت أنّ «محفوظات الانتداب الأمريكي في طنجة سجّلت أنه قبل 74 عاما أعرب سلطان المغرب عن انزعاجه إزاء الأساليب المفترِسة من بعض الدول الأوربية، التي تنظر إلى المغرب، خاصة طنجة بنظرة الطمع، وعبّر السلطان عن رغبته في أن تستوليّ الولاياتالمتحدة على كامل الإمبراطورية المغربية. لم نكن في مزاج رائق لتحمّل المسؤوليات في ما وراء البحر الأبيض المتوسط، ورفضنا بأدب هذا العرض»..
* أستاذ الحضارات في جامعة نيو إنغلاند وخبير في العلاقات الأمريكيةالإسلامية -صاحب كتاب «الإسلام وأمريكا: بناء مستقبل بدون تحامل»