طرح المؤتمر الوطني الأخير لحزب الاستقلال عدة تساؤلات حول إشكالية تداول النخب في الأحزاب. فمؤتمر الاستقلال جاء ليكرس ما أفضى إليه مؤتمر الاتحاد وقبله مؤتمرات أحزاب أخرى، وهو مسألة رفض تجديد قادة الأحزاب وطي صفحة الزعامات السياسية. وإذا قلبنا الأحزاب المغربية، سنجد أن نفس الوجوه هي التي ظلت تحرك الساحة السياسية في العشرية الأخيرة، أي منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش. عباس الفاسي، عبد الواحد الراضي، امحند لعنصر، التهامي الخياري، مولاي اسماعيل العلوي.. دون أن نتحدث عن العديد من الأحزاب التي تكمل عقد السياسة المغربية عددا ولا تعطي أي إضافة نوعية. فما الذي يمنع الأحزاب المغربية، وعلى رأسها الأحزاب الكبرى، من منح الفرصة لجيل محمد السادس لقيادة المرحلة. ولنكن واضحين، فالأمر لا يتعلق إلا بثورة، إذ لا يعتبر المسؤول في سن السادسة والأربعين، وهو سن ملك البلاد، شابا بل إنه في سن النضج وفي مرحلة قمة العطاء، والنماذج حولنا كثيرة من ساباثيرو إلى فيليبي كونزاليس (عند توليه المسؤولية) حتى نبقى بإسبانيا الأكثر قربا منا. لقد منح حزبا الاستقلال والاتحاد فرصة تاريخية ليبصما على القطيعة مع الماضي وليتحمل أحد الأطر الأربعينية أو حتى في بداية الخمسينات المسؤولية كاملة. لن نذكر أسماء، لكن هذين الحزبين العريقين يتوفران على كفاءات كبيرة يعرفها الجميع، وهي قادرة على دفع حزبي الميزان والوردة إلى خوض تحديات المرحلة بكثير من الدينامية، مع العلم بأن هذه التحديات كثيرة. فهل الحزبان قادران على ذلك مع الفاسي والراضي؟ إشكالية فرض الوجوه القديمة تتجلى كذلك في شبيبات الأحزاب التي تبدو وكأن العدوى قد أصابتها، فصرنا أمام أسماء لا تتغير ولا تخجل من حمل صفة رئيس شبيبة الحزب الفلاني أو العلاني، مع أن هؤلاء المسؤولين تجاوزوا الخمسين من أعمارهم بل حتى الستين، والنماذج معروفة! مشكلة الأحزاب المغربية هي أنها تضع مطلب الديمقراطية كأولى أولوياتها، وعندما يتعلق الأمر ببيتها الداخلي تكون أول من يخرق أعراف الديمقراطية، وإلا فكيف يفسر تمديد ولاية الرئيس ضدا على «دستور» الحزب وقوانينه الداخلية بأعذار واهية! الرغبة الجامحة في التمسك بالمناصب حالة مَرَضية لدى أحزابنا، وأعراضها تفقد الجسم السياسي مصداقيته لدى المواطنين والناخبين. ترى هل يجهل سياسيونا أن المغاربة صاروا اليوم يتتبعون انتخابات فرنسا وإسبانيا وأمريكا كما لو كانت تجري في حيهم؟ هل يريدون أن يقنعونا بأنه لا داعي للمقارنة بديمقراطيات عريقة بدعوى أننا نتلمس خطوات الديمقراطية الأولى؟ في هذه الحالة كفوا عن ترديد أغنية الديمقراطية والخير والنماء والمشاركة السياسية والشباب السياسي.. وباقي العبارات الكبيرة، وافعلوا ما شئتم، لكن لا تطلبوا من الشعب أن يزكي خياراتكم! الكرة في مرماكم.