حينما تفجرت شوارع الدارالبيضاء في 1965، وخرج التلاميذ للتظاهر، سقط القتلى، و امتلات سجون المملكة بأولائك الذين اعتبرهم الحسن الثاني رؤوس الفتنة، سيعيش مغرب الملك الراحل حالة استثناء بإنهاء العمل بأول برلمان انتخب في أول تجربة بعد الاستقلال. وهي الحالة التي ستستمر إلى أواسط سنوات السبعينيات، مع ما رافق هذه الرحلة من محاولات انقلابية ظلت تستهدف شخص الملك. لقد كانت خمس سنوات من حكم الحسن الثاني كافية ليسقط القتلى برصاص أوفقير، ويزج بالأطفال والتلاميذ في السجون سياسيا، وحركت المعارضة البرلمانية، التي كان يقودها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حكاية الزي التقليدي الذي كان يرتديه النواب البرلمانيون، وتحديدا ما يتعلق ب«الشاشية» التي يرتديها النواب البرلمانيون في الجلسات الافتتاحية التي يترأسها الملك، بعد أن اعتبروها رمزا للعبودية. وقال الاتحاديون، والملك يستعد لافتتاح جلسات البرلمان، إن ذلك اللباس التقليدي لم يعد مناسبا للمرحلة، لذلك سيتركون الجلباب والشاشية، ويرتدون بذلة عصرية بدون ربطة عنق، لكي لا ينعتوا في المقابل بالبرجوازية الصغيرة. كان هذا الموقف وقتها، الحدث السياسي الأبرز الذي غطى على كل ما حملته كلمة الملك في افتتاح البرلمان. وسجل المتتبعون أنها بداية معركة لن تنتهي بين الحسن الثاني والمعارضة، التي كانت قد حاولت إسقاط حكومة احمد ابا حنيني سنة 1964، وهي تنجح في تقديم ملتمس للرقابة، رأى فيها الكثيرون بعد ذلك بداية شد الحبل بين طرفي الصراع حول السلطة: الملك ومعارضته، وهو الشد الذي سيقود إلى انتفاضة الدارالبيضاء، وإلى الإعلان عن حالة الاستثناء. لم يقبل الحسن الثاني بالأمر. ورفض أن يتابع نواب الأمة الجلسة من داخل القاعة العامة، حيث خصصت لهم قاعة جانبية. أما تبعات كل ذلك فهي أن الملك هدد باعتقال كل الفريق الاتحادي بعد أن «خرج عن ملة الجماعة». ولأن الملك هو أمير المؤمنين بنص الدستور، فإنه مضطر لتحريك قضية الخروج عن ملة الجماعة. سنة بعد ذلك، ستشكل دورية أصدرتها وزارة التعليم تلك النقطة التي ستفيض الكأس. وهي الدورية التي راهنت على تقنين سن الالتحاق بالسلك الثاني الثانوي للتلاميذ، الذين يبلغ عمرهم أقل من 17 سنة، وإحالة ما فوق 17 سنة على التعليم التقني، حيث سيرفضها المشتغلون في قطاع التعليم وستدفع التلاميذ وآباءهم للاحتجاج ابتداء من 22 مارس، في مظاهرات سلمية عفوية باغتت الجميع بحجمها واتساعها في كل من الدارالبيضاء وفاس ومكناس ومراكش وتاونات. كان مبرر الملك هو ربط التعليم بعالم الشغل، الذي كان في حاجة لمتمرسين، أكثر من حاجته لمتعلمين تعليما عاما. أما التفسير الذي قدمته المعارضة، فهي أن تلاميذ المؤسسات الثانوية أصبحوا يشكلون خطرا على النظام لأنهم انشغلوا بالسياسة. سيختار الحسن الثاني الطريق الأسهل حينما سيدخل البلاد في حالة استثناء بحل كل المؤسسات. سيتكفل مستشاره عبد الهادي بوطالب بكتابة خطاب الاستثناء، الذي لم يكن متحمسا له. وسيطلب من عبد الكريم الخطيب إغلاق أبواب البرلمان ومنح مفاتيحه لأوفقير، قبل أن يرفض الخطيب أمر الحسن الثاني ويصبح، وهو ابن القصر، من المغضوب عليهم.