سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ربيعة ريحان: يجب أن نكتب خارج الدوائر المرسومة وضدا على الخوف والرقيب الداخلي قالت إن قضية المرأة هي قضية المجتمع وككل القضايا التاريخية الكبرى تحتاج إلى فاعلين على رأسهم النساء
- لماذا «هجرت» القصة؟ هل هو قدر محتوم يتكرر دائما، وهو «خيانتها» من أجل الرواية؟ لماذا يفعل الكتاب ذلك؟ هل تبقى القصة دائما في عرف المبدعين مجرد «مساحة قصيرة» يتعلمون فيها حب الكتابة، أم ماذا؟ لم أهجر القصة وأعتقد أنني لن أهجرها على الإطلاق، والدليل أنه في خضم انشغالي بكتابة «طريق الغرام» أصدرت مجموعتي القصصية «كلام ناقص». للقصة شغفها وعنفوانها وأنا أكثر ولاء وانتماء لها، إذ أصدرت لحد الآن سبع مجاميع قصصية. القصة أكثر الأجناس الأدبية قربا مني، عشت تفاصيل حيواتها وشخوصها وبنيت بالصبر والاجتهاد عوالمها وفضاءاتها. الكثير من القصاصين راوحوا بين القصة والرواية وأعتقد أنني بإصدار «طريق الغرام» لازلت ألازم مقام الحكايات والقصص، لكن بآليات أخرى، وبرخاء غير متوقع في النبش في الحدود والحواجز والاتجاهات. - فيم أفادتك تجربة كتابة القصة؟ أفادتني القصة بالدرجة الأولى في عادة مزاولة الكتابة كطقس يومي لا غنى عنه، خصوصا بعد المغادرة الطوعية للعمل، إذ تعودت أن أجلس يوميا لأكتب وأخلق أجوائي الخاصة. القصة جنس صعب يتطلب الكثير من المهارات، بما في ذلك التركيز والإيحاء والإيجاز والتحكم في كل شيء، مرورا بالشكل. أما الرواية فهي عالم آخر ومساحة مريحة يصبح بوسعنا من خلالها أن نتأمل العالم أكثر ونتخيل بهدوء، وأن تتداخل الأصوات والرؤى والتصورات فيصبح كل شيء ممكنا وقابلا للتوظيف والاستثمار، حتى ونحن نمضي في الكتابة، مستعيرين ما يحدث يوميا في الحياة ومنفتحين على كل الأسرار . - ما هي فواصل اللقاء بينها وبين تجربة كتابة الرواية؟ أية صعوبات وأية إمكانات فتحتها لك هذه التجربة الجديدة؟ التجربة التي فتحتها الرواية لي هي أنني حققت نبوءة الكثير من النقاد ممن كانوا يرون أنني أمتلك نفسا روائيا في قصصي. سمعت ذلك من أكثر من ناقد وقرأت عنه في بعض المقاربات التي كتبت عن نصوصي الأولى. دخولي عالم الرواية سمح لي بأن أتخلص من محدودية قراراتي بإيغالي في التفاصيل واكتفائي بالومضات. دخلت عالم الرواية فشعرت بأنه بمقدوري عبور كل الحدود والفضاءات وتمثل كل الأجناس الإبداعية وكل المهارات. القصص التي تترك لدينا أحيانا الانطباع بأننا لا نستطيع قول كل ما لدينا تسمح الرواية بأن تنتهي بنا إلى التخلص من تلك السيطرة الفائقة والمحددة، ومن العمق والكثافة التي تفرضها القصة لنتحول إلى تلك الكتابة الحرة والمريحة، التي تسمح بسبر أدغال العمق الإنساني بهدوء، وتقديم عالم من الشخوص والقضايا والتشابكات والأوصاف. - روايتك الجديدة «طريق الغرام».. هل فيها شيء من السير ذاتي، على اعتبار أن الكتابة الأقوى تأتي من تجارب الحياة؟ فعلا، الكتابة الأقوى تأتي من الحياة ذاتها، سواء عشناها كتجارب أو تمثلات أو انزياحات وتحليق. وحين تتشكل الذات إبداعا ينتفي الفصل بين الواقع والخيال، وقد يصير الخيال واقعا والعكس كذلك. حين أقرأ قولة موليير: «يا إلهي، أي إحراج هو نشر كتاب على الملأ» أشفق على حالي وأشعر كم هي محبطة هذه الدوائر القاسية التي يرسمها المجتمع عن المرأة. في «طريق الغرام» تتصارع البطلة من أجل حقها الطبيعي في الحب عبر تجليات عدة، متحايلة قدر الإمكان على ألا يسائلها أحد عن ذلك الحق وعن منابع كلماتها وانفعالاتها. أن تكتب المرأة وتبوح في شرط ثقافي معين وتثير الكثير من القضايا الخلافية وتدخل مدارات الأسئلة الساخنة، فذلك تحد محسوب لها. شكل البوح في «طريق الغرام» اتخذ أكثر من مستوى في الفكرة والنسيج، ومحاورة الآخر من أجل إثبات الذات. - بعض من قرؤوا روايتك اعتبروا أنك تبقين، بالرغم من جرأة الموضوع المطروح، سجينة مرجعيات محافظة. هل هذا نابع من تصور عام يبقى مشدودا إلى الأصول والهوية، بالرغم من نداءات الحداثة؟ الكتابة حالة إبداعية ورمزية، ونحن لا نطلب من المبدعة أن تسخر أعمالها بطريقة واعية إلى خدمة قضايا دون غيرها. لو جاءت هذه المواضيع في سياقها الفني وممررة بشكل وظيفي وبلغة إبداعية فلا أحد يرفض ذلك. يمكن أن نكتب عن كل القضايا بجرأة نصية تصل إلى تلك الحدود المحرمة والمسكوت عنها، لكن على أساس أن يتطلبها شرط الكتابة ومنطقها وصدقها أيضا. - هل أنت مع الفصل بين كتابة نسائية وأخرى رجالية أم أن لك مقاييس أخرى تتحكم في ألق الكتابة وقوتها؟ بالنسبة لي لا وجود لكتابة قائمة على التصنيف الجنسي. الأدب بكل أجناسه هو تعبير ورؤية وموقف، وكل من المرأة والرجل يمتلكان حق التعبير ككائنين نابضين بالانفعالات والمشاعر والأحاسيس. الميزة الوحيدة في هذه الكتابة هو التحقق الجمالي والفني والإبداعي. الكتابة الجيدة تفرض نفسها عبر المتن المنجز، الذي يمتحن حرية الأسئلة والقلق والإشكالات الوجودية والذاتية. - كيف تقيمين التجارب الإبداعية بالنسبة للمرأة المغربية؟ هل استطاعت أن تخلق لنفسها موقعا داخل الساحة، أم أنها محتاجة إلى مزيد من الجرأة والشجاعة لكسر كثير من الحواجز من أجل التميز؟ الكاتبة المغربية شحنت الساحة الإبداعية بقدر كبير من الجمال. لا أحد يستطيع أن ينكر اليوم مدى حضورها وعطاءاتها. هناك تجارب جميلة حققت عبر منجزها كمّا من الخصوصية وبصمت المشهد الإبداعي بكتابات هامة، وبعض الأسماء فرضت حضورها العربي والأجنبي عبر الترجمات، وأذكر هنا القاصة الجميلة لطيفة باقا، وأعتقد أن الجرأة يحتاجها الرجل كما تحتاجها المرأة. كلنا يجب أن نكتب خارج الدوائر المرسومة وضدا على الخوف والتردد والارتباك، فإذا كان الرجل يعاني من الرقيب الذاتي والخارجي، فالمرأة أشد معاناة منه وأكثر خضوعا لتلك الدوائر. لذلك فالكتابات الموسومة بقليل من الجرأة والشجاعة والبوح تفرض ذاتها وتخلق ملامحها الخاصة وهويتها. هذا هو التميز بالنسبة لي، وهو عكس بعض الكتابات، التي تستجيب لبعض الطرح الغرائبي، خضوعا للمنطق التجاري، وخارج شرط الكتابة. - على مستوى آخر، لماذا نجد أنه، بالرغم مما قدمته المرأة من «إثباتات»على قدرتها وجاهزيتها للمساهمة في تنمية المجتمع، يظل الكثيرون ينظرون إليها نظرة دونية؟ لابد من أن ننطلق من القناعة التالية ونحن نناقش هذه النقطة بالذات، في ما يتعلق بنظرة المجتمع إلى المرأة، فالمعركة هي مسار ممتد في التاريخ والزمان، فيه تجاذبات وأخذ ورد، والأساسي هو أن نحافظ في بناء هذه السيرورة على التقدم الذي نعني به في هذه الحال حرية المرأة وتحقيق المناصفة. وبالطبع كل هذا سيساهم في تأسيس ثقافة مطابقة للظرفية. فالدونية إذن هي نتاج نظرة تقليدانية هيمنت على المجتمع وحددت مواقع كل فئاته. ما يهم في هذه المعركة التي خاضتها المرأة من الستينيات إلى الآن، هو أنها من خلال مختلف التنظيمات النسائية نجحت في أن تؤسس لنظرة بديلة لا زالت في مراحلها الأولى بالمقارنة مع تاريخ شعوب أخرى. لذلك يمكن في اللحظة الراهنة أن نتحدث عن توازن تشريعي مهم ومؤسسي كذلك سيقوي، ولاشك، حضور المرأة في المجتمع، ويوفر لها شأنها شأن كل فئات المجتمع الأخرى فرصا أكبر وأكثر للمساهمة في معركة البناء والتغيير، وهي، كما نعلم، معركة متجددة ومتطورة وقابلة للتحقق كما هي قابلة للنكوص أيضا، لأن الدرس التاريخي يعلمنا بأنه ليست هناك مكاسب دائمة ولا ثقافة منفتحة سائدة، وإنما هناك مدى قدرة الإنسان على تحصين مكاسبه وضمان استمرار التقدم والتغيير . - كيف يمكن أن تغير المرأة هذه النظرة إليها في وقت يذهب البعض إلى تحميل المرأة وضع التبعية للرجل حتى إن كان أميا جاهلا وهي متعلمة؟ نشير، أولا، إلى أن تبعية المرأة للرجل لا يجب أن ننظر إليها بشكل فردي، سواء في إطار العلاقات الزوجية أو العلاقات العائلية. تبعية المرأة للرجل إشكال مجتمعي وثقافي وتاريخي، فهي معطى سوسيولوجي مركب، فثنائية المرأة والرجل هي نتاج حضاري وسياسي ومؤسسي، ولا يمكن أن ننسبه إلى فرد ما. أما كيف يمكن للمرأة أن تغير هذه النظرة، فذلك مرهون بحركة التغيير، التي هي بالأساس حركة اجتماعية، فقضية المرأة لم تكن أبدا قضية النساء فقط، بل هي قضية اشتغلت عليها بالتأكيد الحركات النسائية، كما اشتغلت عليها كل الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني المنخرطة في معركة الحداثة والديمقراطية. أكيد أن تحرر المرأة سيعطي لنصف المجتمع إمكانيات للتعبير عن الوجود والمساهمة في الإبداع والخلق المجتمعي. وخلاصة كل هذا أن قضية المرأة هي قضية المجتمع ككل، وككل القضايا التاريخية الكبرى تحتاج إلى فاعلين، وعلى رأس هؤلاء النساء، لأنهن الأقدر على التعبير عن المعاناة، والأقدر كذلك على رفع التحدي وصياغة المشروع الجديد الذي نطمح إليه. فأي موقف من المرأة يعكس تطور وعي المجتمع. - على المستوى السياسي، هل ترين أن المرأة استطاعت أن تشق لها طريقا في هذا الباب وتفرض نفسها واحترامها داخل المؤسسات باختلاف مشاربها ومرجعياتها؟ المرأة المغربية بفضل انخراطها في معركة التغيير المجتمعي، وبحضورها الوازن في قلب الصراع، الذي قدمت من أجله الكثير من التضحيات، حيث نالت حقها من الاضطهاد والتعسف وقدمت شهيدات في هذا الباب، كل هذا مكنها من احتلال مواقع متقدمة وريادية في الحقل السياسي، ووفر الشرط لدخولها في معركة أخرى، معركة الترافع من أجل الحق في تدبير المؤسسات السياسية والنقابية، وكذلك المؤسسات التمثيلية المنتخبة ومؤسسات تدبير الشأن العام، ومن ضمنها المؤسسات الحكومية. أما بخصوص الاحترام فهي قضية نسبية، سواء تعلق الأمر بالمرأة أو بالرجل، ولو كان مفهوم هذا الاحترام مرتبطا بأدائها ومردوديتها فأعتقد، بشهادة كل المتتبعين، أن حضور المرأة، اليوم، أعطى دفعة جديدة لكل مختلف المؤسسات التدبيرية، ومنحها روحا جديدة وجعلها أكثر تعبيرا عن العمق الاجتماعي. صعود المرأة، اليوم، واحتلالها مختلف المواقع السياسية الجديدة هو في النهاية صعود لهذا المجتمع الجديد الذي نطمح إليه جميعا. - هل أنت راضية عن تمثيليتها داخل المؤسسات الحكومية؟ ما مآخذك على هذه التمثيلية؟ إذا كان المقصود من السؤال هو عدد الوزيرات في الحكومة الحالية، فأنا بالطبع غير راضية عن هذه التمثيلية ولا أراها مطابقة للمسار الذي خطته بلادنا منذ سنوات، حيث كان من المنتظر أن تكون تمثيلية المرأة في هذه الحكومة أوسع وأكبر، على الأقل مقارنة بالحكومة السابقة. وبالمناسبة، فالتبريرات التي قدمت بهذا الخصوص، في تقديري، مرفوضة، لأن قيادات الأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية كان عليها أن تحترم رأي واختيار الشعب المغربي بخصوص تدبير الشأن العام، خاصة أن التمثيل في الحكومة هو في النهاية قرار سياسي. صحيح أنه مرتبط كذلك بمدى توفر هذه الأحزاب على طاقات نسائية، ولكن ما نعرفه جميعا هو أن كل الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي تتوفر على طاقات نسائية، ولو استماتت في الدفاع عن ترشيحها للمناصب النسائية لرفعت الحكومة عن نفسها حرج تقليص حضور المرأة إلى ذلك العدد المفرد والوحيد. - لو طلبنا منك، وأنت المتعلمة و الكاتبة، أن تقدمي نصائح لكي تثبت المرأة المغربية والعربية ذاتها في مجتمعها وتفرض احترامه لها، فماذا تقولين؟ لا أنصح بشيء سوى بالتحدي واحترام الذات. لا نبدو مغريات كنساء سوى بحضورنا وعطاءاتنا وألقنا الداخلي.. كل شيء عرضة للمساومة.. الذات المتزنة والمعطاءة يمكن جدا أن تكون خارج مدار هذه اللعبة.. الثقة بالنفس والجرأة إمكانية لتمرير كل الخطابات الممكنة واللامحتملة.. منطق الحياة يتطلب الصراع من أجل الوجود، ووجودنا كنساء يجب أن يحضر في تجليات عديدة ومنتجة، والجمالي منها أكثر بقاء واستمرارية.
الربيع العربي اليوم امتداد لمخاض مفتوح على كل الاحتمالات
- في إطار ثورات الربيع العربي، هل ترين أنه قدم شيئا ما للمرأة العربية؟ هل استفادت النساء العربيات في المشرق والمغرب من هذه الفرصة الممنوحة للتحرر والحصول على مطالب ما، أم أن اليوم أشبه بالأمس؟ في تقديري، هذا السؤال سابق لأوانه، لأن الربيع العربي أو الثورات العربية لم تنته بعد ولم تصل إلى النتيجة المجتمعية التي طمحت إليها شعوبنا المنتفضة. الربيع العربي، اليوم، هو امتداد لمخاض مفتوح على كل الاحتمالات، بما في ذلك احتمال النكوص، لذلك ما هو مطلوب، اليوم، هو أن تنخرط المرأة العربية في التحالف الجماهيري الواسع من أجل التغيير والبناء، وتعزيز القوة الدافعة نحو بناء المجتمع العربي الجديد المستوعب لكل طاقاته، من أجل عودة المنطقة إلى التاريخ وإلى رحاب الفضاء الإنساني الذي يوفر الحقوق والكرامة والعدل. إننا اليوم نعيش لحظة الولادة وهي لحظة مركبة وعسيرة، ولابد أن تتدافع كل القوى من أجل إنجاز هذه النقلة التي نريدها أن تكون لصالح المرأة والرجل، على السواء .