عادت رواية «حفلة التيس» إلى الواجهة بعد أن تم اختيارها كأفضل رواية كتبت بالإسبانية في القرن الواحد والعشرين. فقد ذكر استطلاع للرأي أن رواية «حفلة التيس» للكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا الحاصل على جائزة نوبل للآداب 2010 تعد أفضل رواية مكتوبة باللغة الإسبانية صدرت في القرن الواحد والعشرين. وحسب وكالة الأنباء البيروفية «أندينا» فإن استطلاعا للرأي أجرته صحيفة «أ بي ثي» الإسبانية وشمل مائة شخصية من عالم الثقافة والأدب والنشر٬ وضع رواية «حفلة التيس» على رأس أفضل الروايات التي صدرت في القرن الواحد والعشرين. وقد ضمت قائمة الكتاب الذين وضعهم الاستطلاع ضمن الروائيين العشرة الأوائل الإسبان خافيير مارياس وأرتورو بيريس ريفيرتي وإنريكي فيلا ماتاس وخافيير سيركاس وخوان مارسي. تعد «حفلة التيس» تحفة أدبية مذهلة صاغها يوسا من حالة إنسانية سوداوية يرتبط وجودها واستمرارها بوجود البشرية، حالة الطغيان والاستبداد وتأليه البشر، حالة الولاء الأعمى وثقافة القطيع. كما أنها صورت «الثورة» وما تحمله من نُبل الثوّار وإرادة الشعوب المضطهدة، وما تخفيه من حسابات سياسية بغيضة تخطف الثورة من أحلام البسطاء ! ترصد الرواية، التي سبق ترجمتها إلى العربية، تاريخ جمهورية الدومينيكان، فقد جثم تروخيو على قلب الدومينيكان من سنة 1930م إلى سنة 1961م، وكان رجلا يعاني من مرض جنون العظمة والغباء والجهل الشديدين، حتى أنه يقول: «أنا لا أجد متسعا من الوقت لقراءة التفاهات التي يكتبها المثقفون. كما أنني لم أقرأ مئات الكتب التي أهداها إلي الشعراء والمسرحيون والروائيون». نمى ثروته، وحول اسم العاصمة وأعلى قمة في البلاد والكاريبي إلى اسمه، وكثير من معالم الدومينيكان جعلها بأسماء عائلته، سجن وعذب وأقام مجزرة في الهايتيين الذين يسكنون الجانب الدومينيكاني من الحدود، فقتل منهم ما بين 17000 و35000 في ستة أيام، وسرق ثروات البلد، واستحوذ هو ودائرته الخاصة على معظم الشركات والمؤسسات الكبرى. تتحدث الرواية عن الدائرة الخاصة المحيطة بالدكتاتور، ويحاول يوسا أن يقيم فلسفة كاملة لعلاقة الدكتاتور بأفراد عائلته، كيف يدمرهم ويصنع منهم مخلوقات هشة لا مبالية، في حين ينتظر منهم أن يكونوا يدا قوية تعينه على بسط حكمه، وكيف ينشغل باله بهم وبحماقاتهم، وتجميل صورتهم، ويتحدث كذلك عن دائرته الخاصة من معاونيه وأياديه القذرة التي يمدها إلى كل مكان، يسرق بها ويبطش ويعذب ويقتل.. كيف يحولهم إلى وحوش لا ترحم، وكيف ينتهك خصوصياتهم، ويبث الرعب في داخلهم، كيف يأسرهم، ويستحوذ على حبهم وكرههم له في الوقت نفسه. استطاع تروخيو أن ينكّل بالمعارضة طوال ثلاثين سنة، من خلال التصفيات المعنوية والجسدية، ولكن المنعطف الرئيسي الذي عجل باغتياله هو دخول الأخوات ميرابال في الحياة السياسية، كن ثلاث أخوات في سن الشباب، انتمين إلى حركة 14 يونيو المعارضة، وأصبحن من القيادات فيها، كن مفعمات بالنشاط والحيوية والقدرة على الإقناع، واستيعاب التكنيكات الحركية والتنظيمات السرية، لذلك كانوا يلقبونهن بالفراشات، وكانت مينيرفا ميرابال أبرزهن، بذكائها وشغفها وجمالها، يصفها يوسا بأنها «باهرة الجمال، بالسواد الفاحم لشعرها وعينيها، بنعومة تقاطيعها، بأنفها وفمها الدقيقين، وبياض أسنانها الذي يتضاد مع سمرة بشرتها المائلة إلى الزرقة. لقد كانت باهرة الجمال، أجل، فيها شيء أنثوي متسلط، نعومة، تغنج تلقائي في حركات جسدها وفي ابتسامتها، على الرغم من تقشف ملابسها التي تظهر بها في تلك الاجتماعات». تدور حول الأخوات ميرابال أساطير كثيرة، يقال إن تروخيو تحرش بمينيرفا في مراهقتها في حفل عام، فصفعته على خده، ولم تتحمل هذه الإهانة فانتقلت إلى المعارضة من ذلك اليوم، ومع أن يوسا يستبعد هذه القصة، إذ لو أنها أقدمت على صفعه فلن يقبل تروخيو ببقائها على قيد الحياة، لكنه يرى هذه القصة مناسبة لشخصيتها، فلو حدث أن تحرش بها هذا الدكتاتور فلن تتأخر في وضع علامة على خده. درست مينيرفا الحقوق، ولكنها لم تحصل على رخصة مزاولة المحاماة أبدا. اعتقلت الأخوات مرتين، وفرضت عليهن الإقامة الجبرية، وتحملن صنوفا من العذاب، وكان ذلك يلهب ويغذي صفوف المعارضة، حتى ارتكب تروخيو حماقته في تصفيتهن بطريقة وحشية، وقدم للإعلام قصة مختلقة حول موتهن في حادث عابر. لم يصدق الناس الخبر، وانتمى عدد كبير من الشباب إلى صفوف حركة 14 يونيو، وتم الاتفاق على تصفية (التيس)، كما كانوا يلقبونه. إن دخول النساء في صفوف المعارضة لأي حكم دكتاتوري يمثل انعطافا خطيرا، ومن الواضح أيضا أن التعامل الأحمق مع الأخوات الثلاث يشكل انعطافا أخطر، وهو ما حدث مع تروخيو، فلم يكن بين تصفيته للأخوات ميرابال واغتياله سوى أشهر. ما تزال أختهن الرابعة على قيد الحياة، وقد حولت بيتهن ومقتنياتهن إلى متحف ومعرض للزوار، وخلدت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذكراهن في تحديد اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة بيوم اغتيالهن الخامس والعشرين من نوفبمر. يتفق فرغاس في فلسفته مع المفكر الفرنسي جان بول سارتر بأهمية التوحد بين الدورين الثقافي والسياسي. وهو ما مارسه بالفعل حين ترشح للانتخابات الرئاسية في بيرو عام 1990، لكنه خسر أمام غريمه ألبرتو فوجيموري الذي أطيح به بتهمة الفساد وهرب إلى اليابان الموطن الأصلي لأجداده. وعن تلك التجربة قال في أحد حواراته:»عرفت فترات طويلة من اليأس، وخاصة حين اكتشفت بأنه لم يكن من المفيد أن أملك أفكارا في حملة انتخابية! اكتشفت كم أن الشعارات والأكاذيب كانت فعالة».