اجتمعت فعاليات جمعوية وثقافية محلية بتيغسالين الجمعة 17 ماي الجاري لإحياء الذكرى الأربعينية لرحيل الشاعر الأمازيغي لحسن واعراب، الذي توفي يوم 8 أبريل المنصرم. الفقيد غادر وحيدا بعد أن عاش وحيدا حياة طبعها الكثير من المحن والمآسي، ولهذا كافح من أجل تلطيفها فكان نظم الشعر والغناء في أحيدوس صيغته لاحتمال عنف الوجود. انسحب لحسن واعراب من أيامنا، وكنا نعرف أن لا أحد سيودعه، لأن لا أحد كان يعنيه أن يطمئن على أحواله في مسار مرضه القاسي . منذ شهور، طرقنا باب المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية للبحث عن صيغة لمساعدته وإنقاذ ذاكرته الإبداعية، فكان حزينا أن نكتشف مرارة الاستجداء لإنقاذ فنان «جرجر» لشهور قبل أن يمنح صدقة هزيلة زادت قلبه المريض علة أكبر. لحسن واعراب كان شاعر أحيدوس الأهم في خنيفرة، بل في الأطلس المتوسط. هو المؤسس الحقيقي لفرقة المايسترو موحا والحسين أشيبان . معه حولت الفرقة في صورتها الأولى الرقصة من شكلها الدائري إلى شكلها الصفي. كان الوحيد في فرقته الذي تم اعتقاله من داخل أجواء الرقصة ونفي بعيدا عن بلدته، بعد أن رفض الامتثال في شعره لقرار قواد المستعمر بالاحتفال بابن عرفة وأحد أبناء الكلاوي بالقباب، مفضلا عوض ذلك امتداح المقاومة وتمجيدها . إنه الحادث الذي استحق عليه بطاقة مقاوم رقم 011130 التي منحت له بتاريخ 27 مارس 1969 رقم ملفها 410695، دون أن يستفيد منها ماديا أو رمزيا . كان لحسن واعراب بهيا في كبريائه، وكان ممتعا في حديثه ولطيفا في مجالسته وكريما في بيته، وكان شعره أنيقا ولاذعا، لهذا كان الشاعر المحبوب لكل عشاق أحيدوس، كما كان الكل يقدره . قده الاجتماعي والسياسي كان مزلزلا بلا حدود، لهذا كان يخشاه الكثير من مجايليه من الشعراء . أكثر من هذا، كان إبعاده من فرقته الأولى بسبب مواقفه القوية، وكان يحسب لحضوره أو غيابه في أحيدوس والمواجهات الشعرية التي يعرف بها ألف حساب . كان لجمال صوته وحدة مواقفة، وقدرته على ارتجال ما هو بليغ ومعبر وقوي ما جعل قيمة لحظة أحيدوس في المنطقة تتأكد بحضوره وتتقلص بغيابه . انحدر لحسن واعراب من أسرة لا تتكلم الأمازيغية، وكان استقراره بخنيفرة وأساسا بالموقع الشاعري على ضفة وادي صرو، بعد أن فرض القدر على أبيه أن يباع وأخته بمنطقة أسرفان .هكذا نشأ واعراب أمازيغيا وصار شاعرا بلغة الأرض التي احتضنته واستنبتت مبدع الأعماق والمواقف. عاش لحسن واعراب مآسي متلاحقة بعد أن غيبت الأقدار زوجته وابنه الوحيد، فاختار الوحدة وعدم الزواج تمجيدا للوفاء، ولاحقا تبنى الطفل «موسى» ابن زوجته وعاش رفقته إلى أن غادرنا إلى عوالم الصمت الأبدية ليرقد في هدوء بمقبرة الهري . كان يؤرخ لولادته بما بعد معركة الهري بثلاث سنوات، والآن سنوثق لمسكنه الأبدي بمقبرة أرض عرفت وأهلها بكل شموخ الكفاح، وتعيش كما أهلها كل مرارة التهميش والنسيان، لهذا تشبث الراحل بالتوحد معها حيا وميتا. في حياته قدم واعراب فنه لجمهور كبير داخل الوطن وخارجه، وفي السنوات الأخيرة تخلى عنه الجميع باستثناء التفاتات قليلة بصيغة ثلاثة تكريمات بفاس وتاوريرت وخنيفرة، وعمل وثائقي عن تجربته أنجزه المخرج حكيم بلعباس وقدمته القناة الأمازيغية ضمن سلسلة «أذماون»، وبرنامج إذاعي بالإذاعة المركزية قدمته عنه الصحافية عائشة التازي بعنوان «سقط القناع»، وبرنامج عن مساره قدمته بإذاعة فاس الجهوية بعنوان «أسماء وتجارب».. أن ينطفئ صوت مبدع أمر حزين، وأن يرحل هذا المبدع بذاكرة إبداعية شفوية لم يوثقها أحد أمر جارح، وأن يكون من رحل لم ينصف لا في حياته ولا بعد موته فقضية تستدعي طرح أسئلة حقيقية عن معنى الوطن والمواطنة، ومعنى أن تكون هناك مؤسسات ثقافية وتلفزة وكلام أملس كثير عن الأمازيغية والمقاومة والإنصاف وكل ما تبقى ؟ ليخرس كل ضجيجكم ... لتخرسو ا ...لا وقت للإنصات لكم، كل جلال صمتنا ل «شاعر يمر» ...وداعا عمي لحسن ...وداعا الشاعر واعراب ...و أبدا لن أنساك. حميد تباتو