أثار اعتراف «غوغل» بفلسطين في الأسبوع الماضي أصداء واسعة في العالم. وقد تم تلقي النبأ في الشبكة الاجتماعية «تويتر» مثل منشور، وغرد كثيرون بأن «فلسطين» حصلت على اعتراف من قوة أكبر من الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وعبرت جهات رسمية في السلطة الفلسطينية عن سعادة بهذا الإجراء، في حين بقي الجمهور العريض غير مكترث. أما في إسرائيل، في المقابل، فردت وزارة الخارجية بقوة وأرسل نائب الوزير زئيف إلكين رسالة إلى المدير العام ل»غوغل» زعم فيها أن الخطوة تُبعد السلام. إن اعتراف «غوغل» بفلسطين ليس مفاجئا رغم العاصفة الإعلامية؛ فقد حاول الفلسطينيون، بعد إنشاء السلطة الذاتية على إثر اتفاقات أوسلو، أن يخترقوا الحدود غير السيادية للسلطة الفلسطينية بإنشاء فضاء تقني سيادي. وقد حدث أول توجه من السلطة ليُخصص لها فضاء دولة في الأنترنيت في سنة 1997، لكن رُفض الطلب لأن السلطة الفلسطينية لم تكن مشمولة آنذاك في لوائح الأممالمتحدة باعتبارها دولة أو منطقة معترفا بها. وخُصص في سنة 1998 لمركز حواسيب السلطة الفلسطينية اسم المنطقة «آي.إن.تي» باعتبار ذلك حلا مرحليا، وعملت مواقع السلطة تحت هذا العنوان، وفي 1999 اعترفت الأممالمتحدة بأن أرض السلطة الفلسطينية معترف بها تحت اسم المناطق الفلسطينيةالمحتلة. وفي تلك السنة، خصص اتحاد الاتصالات الدولي «آي.تي.يو» للسلطة الفلسطينية مقدمة الاتصال الدولية 970، وفي سنة 2003 استجابت المنظمة المسؤولة عن تخصيص أسماء المناطق في الأنترنيت (آي.سي.إي.إن.إن) لتوجه السلطة الفلسطينية وأفردت لها اسم المنطقة السياسية «بي.إس». وهكذا، وبصورة سابقة، مُنح كيان سياسي بلا حدود جغرافية اعترافا دوليا رسميا بصفة دولة في شبكة الأنترنت قبل أن تنشأ أو يعترف بها المجتمع الدولي. وحظيت السلطة الفلسطينية باعتراف دولي بصفة منطقة تقنية سيادية محدودة بأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. ولم تكن المرحلة التالية سوى مرحلة طبيعية، فبعد اعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرسمي بفلسطين في حدود 1967 بصفة دولة مراقبة في نونبر الماضي، غيرت «غوغل» اسم الصفحة «دبليو دبليو دبليو. غوغل بي.إس» من «غوغل المناطق الفلسطينية» إلى «غوغل فلسطين» (بالعربية والإنجليزية). وترى إسرائيل أن هذه القرارات تناقض اتفاقات أوسلو التي تقرر فيها أن يؤخر التباحث في سيطرة السلطة الفلسطينية على نقاط الاتصال الدولية إلى الاتفاقات الدائمة حسب تحديد الحدود التي ستُقرر في المستقبل. لكن بعد عقدين من اتفاقات أوسلو، أصبح إمكان التوصل إلى تسوية دائمة أبعد مما كان دائما، فيمكن أن نُقدر إذن أن يطلب الفلسطينيون في وضع جمود سياسي الاستمرار في توسيع استقلالهم في الفضاء الاتصالي والسبرانتيكي. وقد أعلنت وزيرة الاتصالات الفلسطينية، صفاء ناصر الدين، نية الطلب إلى «غوغل» أن تضم «فلسطين» إلى خدمات خرائط «غوغل»، «غوغل مابس» و»غوغل إيرث»، بحيث تشمل كل الطرق في الدولة في حدود 1967، وسيكون من الممكن التجول في الأنترنيت في مواقع في السلطة (في كنيسة المهد في بيت لحم، وفي رام الله وفي البلدة القديمة في نابلس، في المرحلة الأولى). وقالت وزيرة الاتصالات إن العالم يستطيع على هذا النحو أن يعرف «فلسطين» ويشاهد المواقع الأثرية فيها ويعرف صورة العيش والثقافة الفلسطينيتين رغم وضع الاحتلال. وفي الوقت الذي تناضل فيه إسرائيل السلطة الفلسطينية وتعارض اعتراف المجتمع الدولي بكونها دولة في حدود 1967، أصبحت «فلسطين» في هذه الحدود عضوا مراقبا في الأممالمتحدة وذات مكانة رسمية معترفا بها باعتبارها منطقة تقنية سيادية. وكان من نتائج ذلك أن رفعت دول كثيرة درجة التمثيل الدبلوماسي للسلطة الفلسطينية إلى منزلة دولة، وأصبحت منظمات دولية في مجال حقوق الإنسان والرياضة والثقافة والمجتمع تعترف بها ككيان سياسي واقع تحت احتلال. ويستمر، في مقابل ذلك، في السنوات الأخيرة مسار بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. ينبغي ألا تُرى فلسطين لعبة أو دولة متوهمة ليست موجودة إلا في الأنترنيت أو الفيس بوك؛ فقد أخذت تثبت في نظر الفلسطينيين والعالم باعتبارها دولة حقيقية في حدود 1967. ويحق للفلسطينيين أن يروا ذلك نصرا في نضالهم للحفاظ على هويتهم القومية وإن لم تتحدد إلى الآن حدود دولتهم الجغرافية. لكن يحق لإسرائيل أيضا أن ترى في ذلك إنجازا ذا معنى من الطراز الأول بالنسبة إليها، لأن ذلك يمثل ابتعادا عن مصطلح «فلسطين» بوصفه يمثل البلاد كلها من البحر إلى النهر؛ ففلسطين في حدود 1967 تسليم تاريخي من الفلسطينيين لإحراز استقلال وطني وإنشاء دولة ورفض فكرة تحرير الأرض التي تُعرف بكونها فلسطين كلها، لكن إنشاء الدولة الفلسطينية وإقرار حدودها في خطوط 1967 باعتبارهما مصلحة إسرائيلية واضحة، يوجبان تقدما حقيقيا وسريعا نحو تسوية سياسية. إن إجراء «غوغل» بإضافة فلسطين دولة رسمية تظهر في خدماتها قد يكون فرصة للإصلاح بدل أن يثير القلق في إسرائيل؛ ففي عصر أصبحت فيه تقنيات الاتصال في العالم شديدة الاندماج في الموقع الجغرافي، أصبح الاعتراف بوجود دولة أخرى إلى جانب إسرائيل بمثابة «طرح واقع» على المجتمع والقيادة في إسرائيل. إن محرك البحث في «غوغل» قد قدم إلى رئيس الوزراء حلا حينما بحث عن طائرة إخماد حريق في الكرمل؛ فربما حان الوقت للبحث في «غوغل» عن مخرج لحل سياسي، وقد أصبح الجواب موضوعا هناك. عن «هآرتس»