بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لانطلاق الثورة الفلسطينية خص الدكتور أحمد صبح سفير دولة فلسطين بالمغرب جريدة »العلم« بحوار كشف فيه عن ملابسات موت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، مؤكدا أنه لم يمت موتة طبيعية وهو الذي كان يعمل ويسكن في محيط أقل من كيلومتر واحد من مقر حصار الرئيس، وكان يراه خمس مرات على الأقل في الأسبوع. وقال إنه ليس من الضروري تشكيل لجنة تحقيق للقول إنه جرى دس السم للرئيس الراحل ولكن بكل تأكيد ستخرج التفاصيل لاحقا عندما تتوفر كافة الأدلة والقناعة وأن يقال ذلك بشكل رسمي. وقف عند قصة الراحل ياسر عرفات عندما قال في وجه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون «لا» الشيء الذي دفع بصامويل بيركر أن يمسك بقميص عرفات مؤكدا أنه لايمكن القبول بأن تقال »لا« لرئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، فكان رد عرفات » أنا أدعوك إلى جنازتي«، وكان الرئيس الفلسطيني يعي تماما بأنه لن يسجل عليه أنه تنازل عن حبة رمل في القدس. وأضاف في حوار »العلم« معه إن ملكي المغرب الحسن الثاني طيب الله ثراه وجلالة الملك محمد السادس وفقه الله عكسا دائما الاجماع المغربي في دعم فلسطين، وكان لفلسطين مكانة خاصة في عمل السياسة الخارجية المغربية. وأشار أن حزب الاستقلال تربطه بالثورة الفلسطينية علاقات تاريخية ولجريدة «العلم» مكانة خاصة في تاريخ هذه الثورة . وذكر أن هذه هي الذكرى ال 45 للثورة الفلسطينية وهي تقترب من موسوعة غينيز باعتبارها أطول الثورات. وأكد أن الذكرى الخامسة والأربعين للثورة الفلسطينية تأتي في ظروف بالغة التعقيد بدليل أن مسيرة السلام بدأت ولم تنته بعد، وأوضح أن اسرائيل تتأثر أكثر بالمقاومة الشعبية من المقاومة المسلحة. مرحبا بالسيد السفير على أرض المغرب ومرحبا به في جريدة «العلم». ونستهل حوار «العلم» معه بالحديث عن ذكرى اطلاق أول رصاصة، معلنة بداية الثورة الفلسطينية، ماهو شعوركم كسفير لشعب ودولة فلسطين الآن، وفي هذه الظروف ، وفماهي الأجواء التي تحل فيها هذه الذكرى؟ أولا، شكرا جزيلا وبكل صراحة إني أكن كل التقدير والعرفان لهذا الصرح الاعلامي الكبير الذي هو بالفعل جريدة «العلم» الذي يمثل حزب الاستقلال الذي تربطه بالثورة الفلسطينية علاقات تاريخية منذ بداية البدايات، ومنذ أن كان المرحوم علال الفاسي في مكاتب التحرير الفلسطينية المغربية، والمغربية الفلسطينية في القاهرة، وعلاقاته التاريخية منذ البداية مع الرئيس المرحوم ياسر عرفات، وبالتالي فلحزب الاستقلال وجريدة «العلم» مكانة خاصة في تاريخ الثورة الفلسطينية، وهذه هي الذكرى 45 لهذه الثورة وبالتالي وفنحن نقترب من موسوعة غينيز، لتصبح بحق أطول الثورات، على اعتبار أن الثورة الفلسطينية جاءت لتنهي وضعا شاذا كان العالم يتعامل من خلاله مع الشعب الفلسطيني كأرقام بمساعدات إنسانية، بعد أن تحلل مجتمعهم بفعل قيام دولة اسرائيل وشرد وأصبح جموع اللاجئين في مخيمات التشرد العربية القريبة والبعيدة، فجاءت الطلقة الأولى لحركة فتح في الأول من يناير عام 1965 لتعلن تجسيد الشخصية الفلسطينية على قاعدة وطنية القضية وقوميتها ودوليتها، وبالتالي كانت هذه الانطلاقة تكتسي أهمية خاصة في بنائنا التاريخي والوطني لتجسيد شخصية وطنية فلسطينية، تطالب بإحقاق الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف. وفي وقت كانت فيه الدول العربية المحيطة بفلسطين تنتقل من إنقلاب إلى آخر ومن حكومة إلى أخرى ومن ثورة إلى أخرى ومن تصريح إلى آخر، دون أن يكون هناك أي عمل جاد من أجل تعبئة شعوب المنطقة فيما يتعلق بمايجب عمله تجاه تحرير فلسطين. وتأتي الذكرى الخامسة والأربعين في ظروف بالغة التعقيد، أولا لأن مسيرة السلام بدأت ولم تنته. فنحن نفاوض الاسرائيليين منذ مؤتمر مدريد في نهاية اكتوبر من سنة 1991 وبالتالي أصبحت عملية السلام بالنسبة لأطراف دولية فاعلة هدفا في حد ذاتها وليس السلام كما هو . إذا سمحت السيد السفير سنعود لمسألة السلام فيما بعد، لكن هل تعتبرون الثورة بمفهومها التقليدي لازالت روحها متقدة إلى الآن؟ لاشك أن الجوهر والسبب أو المحرك لقيام الثورة الفلسطينية منذ 45 سنة المتمثل في عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه وتكريس حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة مازال قائما و الجذوة لاتزال مشتعلة. هل بنفس الفهم وبنفس الآليات؟ لقد تغيرت الأساليب وبقيت روح الفكرة والجوهر موجودتان على اعتبار أن جموع اللاجئين موجودة وزاد عليها احتلال لم يكن موجودا عند انطلاقة الثورة ألا وهو احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة بما فيها القدسالشرقية. إذن ما تغير بعد 45 عاما هو تعقيد الظروف المحيطة وإن كانت قضية فلسطين قد انتقلت في السنوات ال 45 الماضية الى حقيقة راسخة في المجتمع الدولي والشعب الفلسطيني أصبح دولة تنقص الخارطة وليس شعبا زائدا عليها بمنطقة الشرق الأوسط، وأصبح من كان لايعترف بنا كشعب يطالب بهذه الدولة. ألا تعتبرون أن المكاسب المهمة التي راكمتها الثورة للقضية الفلسطينية زادت من تعقيد القضية، لقد تحولتم من ثوار بالكلاشنكوف إلى ثوار دبلوماسيين يتعاملون مع أوضاع اقليمية ودولية، وتتعاملون مع أعداء الأمس؟ قبل قيام هذه الثورة كانت هناك محاولات من تيارات ثلاثة لحل القضية الفلسطينية. كان هناك تيار ديني يعم المنطقة تجلى في ما قبل قيام إسرائيل في حركة دينية حين قاد ثورة فلسطين مفتي، وبعد قيام دولة إسرائيل كان هناك تيار ديني تقوده حركة الإخوان المسلمين من جهة وحزب التحرير من جهة أخرى. وحاول كليهما أن يقدما حلا دينيا للقضية، ولكن تعميم هذه القضية وجعل المسلم في اندونيسيا والسينغال وما بينهما متساويا في الحقوق والواجبات إزاء تحرير فلسطين لم ينجز شخصية فلسطينية وطنية مستقلة، قادرة على الأخذ بزمام المبادرة للبدء بحركة فعلية ثورية على الأرض تنجز هذه المهمة. وكان هناك تيار آخر قومي يتزعمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وما حوله من أحزاب قومية عربية وجدت لها فروع وأطراف في الساحة الفلسطينية، فخرجت حركة القوميين العرب من بؤرة الجامعة الأمريكية في بيروت، وعلى هدي الرئيس جمال عبد الناصر، ولكنها لم تنجز أي حركة اتجاه مخيم فلسطيني. وكانت هناك حركة للمستقلين الأكاديميين والجامعيين والمثقفين، الذين هاجروا إلى المنافي القريبة والبعيدة، وكانت لهم إبداعات ولكن لم يجسدوا تيارا أو حركة، فجاءت انطلاقة الثورة لتعطي الحلقة الضائعة لهذه التيارات ويجب على فلسطين يجب أن يكون لها حلقة وطنية تجسد الشخصية الوطنية ليس بشكل انعزالي عن الاقليم العربي ولكن لكون الصهيونية تلغي الشخصية الفلسطينية وتستبدلها بشخصية اسرائيلية جديدة، كان مطلوبا منا أولا أن نقول إن هذه الأرض ليست بلا شعب. وما تقوم به الحركة الصهيونية هي حركة بائسة لإلغاء تاريخ يمتد عبر آلاف السنين من تاريخ الشعب الفلسطيني كوريث للكنعانيين على امتداد 38 غزوة غزت هذه الأرض المقدسة عبر التاريخ. وإن هذه الحلقة الوطنية الفلسطينية تحتاج إلى دفء المد العربي الاسلامي الذي يحيط بها ومن هنا ننطلق إلى الحلقة الثالثة وهي الدولة. ومن ثم انطلقت الثورة الفلسطينية وسعت مع أشقائها العرب ولو أنه في البداية كانوا ينظرون إليها بتشكيك كبير إلى أن جاءت هزيمة 1967 وأسقطت أطروحاتهم العامة و الهائمة وغير الموجهة لشعوب المنطقة و كانوا يخوضون حروبا يسمع بها شعوبهم بالإذاعات ومن التلفاز دون أن يشاركوا فيها، إلى أن جاءت الثورة الفلسطينية لتقدم بديلا عمليا متواضعا حرك الجماهير الفلسطينية والعربية وبالتالي حرك الشارع العربي. ومن ثم جاءت منظمة التحرير الفلسطينية التي انشأها العرب ولم ينشئها الفلسطينيون. وعندما رأينا أن هذا الإطار يحتاج إلى زخم ومحتوى فلسطيني قام من فجر الثورة بتطوير مؤسسات المنظمة واسقط الخيارات العربية في قيادتها لصالح الطليعة المقاتلة والمناضلة والمؤطرة للجمهور، فأصبح لدينا البؤرة الفلسطينية والبؤرة العربية. وجئنا بالتدريج بتعب كبير وزج بمناضلينا في السجون الإسرائيلية والعربية، إلا أن ذلك تكلل بمعارك ميدانية على الأرض ومعارك سياسية وباتصالات مع الدول العربية ومع الأحزاب العربية ومع الجبهة المساندة التي تشكلت من أحزاب ومن مجتمع مدني، الذي ضغط على الحكومات العربية وتوج ذلك باعتراف العرب في قمة الرباط بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني وهكذا وصلنا إلى الأممالمتحدة. وجاء الاعتراف بناء على ذلك، لأن هناك شعبا فلسطينيا ملتفا حول منظمته وأمة عربية تعترف بفلسطين وبمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلة لها، وفي نفس العام جاءت الأممالمتحدة أي عام 1974 حيث أصدرت قرارين في غاية الأهمية. وفي رأيي إنهما يعيدان الاعتبار إلى ماصدر عن هذه المنظومة الدولية من قرار تقسيم تم في حينه دون استشارة الشعب الفلسطيني، القرار 3236 والقرار 3237 الصادران عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في نفس اليوم في 22 نوفمبر 1974، الأول يعترف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني والعودة إلى أرضه وأن يمارس في سبيل ذلك كل الوسائل المتاحة قانونا لإنهاء الاحتلال المفروض عليه، وإقامة دولته المستقلة، والقرار الذي يليه هو أن يعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني وأن يدعوها بأن تمثله في المنظومة الدولية بصفة مراقب، بمعنى أنه تكرس ذلك في وجود الاقليم والأرض والشعب المعترف به والسلطة التي تمثله . صحيح أن المعضلة التي تفضلت بسؤالك عنها لاتزال موجودة، وهذا الاعتراف غير مسبوق في حركة التحرير، فالفيتنام لم يكن لها هذا الاعتراف والسلفادور ونيكاراكوا كذلك. فيما يتعلق بالاعتراف الدولي الواسع أثناء مرحلة التحرير الوطني، دخلنا في معضلة لم نستطع الخروج منها الآن. فنحن دولة غير مكتملة التكوين والثورة لم تكتمل أهدافها بعد. وفي الواقع إننا قبلنا التحدي المزدوج، ولكننا لم نوفق في كل مراحل نضالنا بأن نعطي لكل شق من الشقين حقه في البناء المؤسسي، وتعمقت هذه المعضلة بقيام السلطة الفلسطينية كنتيجة مباشرة لأول اتفاق مرحلي بيننا وبين إسرائيل المعروف باتفاقية «أوسلو» عام 1993 والتي لم تحض بإجماع فلسطيني ولكنها حظيت بموافقة الإطار الشرعي المتفق عليه ألا وهو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية. دعني ألتقط بعض العناوين البارزة في هذه الاشكالية، هناك تدبير الثورة وبناء الدولة في إطار اعتراف اقليمي ودولي، انتم الآن تفاوضون باليد اليمنى وتقاومون باليد اليسرى، وانتم كحركة فتح لازال لديكم لحد الآن دراع عسكري على أرض الواقع، كيف يمكن ان نتخاطب مع الرأي العام الغربي والعالمي مع إمكانية تدبير هذا التناقض مابين السلام ومابين السلاح؟ دعني أقول إن هذا ما نقوله بكل اللغات وليس فقط باللغة العربية، إن التفاوض مع اسرائيل وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية مع بقاء الاحتلال لايعني بأي حال من الأحوال اسقاط حقنا المقدس من مقاومة الاحتلال مادام هذا الاحتلال موجودا. ما تغير هو أن متطلبات بناء المؤسسات باتجاه الدولة دفعنا إلى الاجتهاد وإبداع صيغ وأشكال أخرى لمقاومة الاحتلال باعتبار أن أي عملية مقاومة يجب أن تخضع دائما إلى لغة التقويم والحساب حول الربح والخسارة بمردودها الوطني، هل المقاومة العسكرية كخيار وحيد قبل قيام السلطة كانت صحيحة؟ نعم إنها صحيحة لأنها مقرونة بصمود جماهري واسع يتجلى في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 والتي سميت بانتفاضة الحجر والتي كرست نقط قوتنا، وكان فيها الجمهور في مواجهة القوة العسكرية أي الاحتلال باستعمال وسائل كالحجر والاعتصام والمقاومة الشعبية في مواجهة الآلة العسكرية. وعندما أصبحت لنا مؤسسات واصبحنا حريصين على تعزيز بنائها تجاه الدولة، كنا أيضا حريصين على إيجاد صيغ لاتجعل الاسرائيليين كقوة احتلال قادرة على تحطيم بنائنا المؤسساتي بشكل منهجي لمنع قيم دولتنا، أو أن يفرض علينا دولة غير قادرة على المنافسة والحياة والاستمرارية، لهذا السبب تأكد لنا أن الصمود على الأرض هو الهدف الأساسي للمقاومة وللسلطة وللمنظمة الفلسطينية في هذه المرحلة من تاريخنا. أما وقد اصبح لدينا موطئ قدم على الأرض، وأصبحت لدينا مؤسسات يجب أن تبنى وتقوى وتعزز باتجاه الدولة، وجدنا أن من واجبنا أن يكون لدينا برنامج يأخذ بعين الاعتبار كل هذه المعطيات وكل هذه الأمور، ولايزال هذا البرنامج صحيحا وقابلا للتطبيق .