غدا سيعرض على أنظار هيئة محكمة الدارالبيضاء معتقلو ما يعرف ب«الخميس الأسود»، وأغلبهم من الأطفال واليافعين قاطني إصلاحية عين السبع؛ غدا سيتحول بهو المحكمة إلى مبكى يختلط فيه النواح بالابتهالات، وسيعيش أفراد أسر المعتقلين رعب الانتظار، بعد أن سئموا من تأجيل المحاكمات وتأجيل المؤجلات. مع كل جلسة محاكمة يرتدي آباء وأمهات المعتقلين ثوب الحداد، يختلطون بالمحامين والقضاة والمنتدبين، يستمعون إلى فتاوى في القانون، ومن فرط ذلك حفظوا مساطر التأجيل عن ظهر قلب وبرعوا في استيعاب محاكمات سجناء الحادي عشر من أبريل، وتمنوا النطق بالأحكام مهما بلغت فداحتها، فهي أهون من حكم بالانتظار أشبه بالأشغال الشاقة. في آخر جلسة محاكمة، أصيبت أم أحد المعتقلين بإغماءة، بعد أن رفضت المحكمة تمتيع ابنها القاصر بالسراح المؤقت، ولم تنفع تدخلات المسعفين لإنقاذ الأم المكلومة -التي أنهكتها «لانفيت» بين العاصمة وسجن عكاشة- من الصدمة، وتحول الحادث إلى موضوع للمحتجين الذين طالبوا بمحاكمة عاجلة بدل محاكمة عادلة. في آخر جلسة، اصطف تلاميذ إحدى الإعداديات ورفعوا لافتة تذكر هيئة المحكمة باقتراب موعد الامتحانات، ومنهم من حمل كشوفات نتائج بعض المعتقلين والتي تؤكد وجود تلاميذ نجباء من بين المعتقلين، بل إن أما حملت شواهد التفوق الدراسي لابنها أملا في حكم مخفف، بعد أن ضاع الموسم الدراسي بسبب نزوة كرة عابرة. ارتفعت نسبة الهدر المدرسي في صفوف مشجعي الجيش الملكي، حتى مباريات توظيف تلاميذ المدارس العسكرية أشعر بها المعتقلون وهم خلف القضبان، فضربوا كفا بكف ولعنوا الكرة سرا وعلانية. واشتكت أم أحد معتقلي ملف شغب مباراة الرجاء والجيش من استئصال خصيتي ابنها الذي يقضي عقوبة حبسية في إصلاحية الدارالبيضاء، وطالبت بفتح تحقيق في النازلة، لأن السلطات الأمنية لم تكتف بانتزاع وسائل التشجيع من هذا المشجع اليافع، بل عمدت إلى انتزاع خصيتيه وحولته إلى مناصر يطالب باستعادة خصيتيه قبل مطلب الإفراج؛ وقالت إحدى الأمهات إن ابنها لا علاقة له بالجيش أو الرجاء وإن وجوده في الدارالبيضاء كان بناء على دعوة لحضور حفل زفاف غير بعيد عن موقع المداهمة، وكشفت عن ارتفاع مؤشر ضغط الدم في جسدها منذ الواقعة؛ بينما قالت أم ثكلى إن زوجها فقد بصره منذ أن علم بخبر الاعتقال الجماعي. لا ندافع عن المعتقلين، لكن أكيد أن من بينهم أبرياء تحولوا إلى سجناء، وأن تمديد العقوبة الحبسية يهدد الأمن الاجتماعي ويفرخ كائنات تستبدل مقاعدها في المدارس بمدرجات الملاعب، حينها يصبح المعلم الحقيقي هو «كابو» الإلترا الذي كاد أن يكون رسولا. في ظل تعطيل قانون الشغب، الذي أصبح مجرد فزاعة، يصبح التأجيل عقابا نفسيا لأسر المعتقلين، بل إن سجن عكاشة تحول إلى معتقل ل«الكوايرية»، يتحدثون في فسحتهم اليومية عن البرمجة وعن التحكيم وعن اختيارات المدربين، ويتغنون في لحظات فراغ بموشحات الإلترا وينظمون قصائد يعززون بها أدب السجون، ويتجادلون حول حب فريق كرة انتهى بهم خلف القضبان في ما يشبه الاحتباس الحضاري. امتد غضب أفراد أسر معتقلي الخميس الأسود إلى حيطان العاصمة ومدرجات الملاعب.. لافتات تطالب بالحرية للمعتقلين وتنادي بمحاكمة فورية عادلة، وأخرى تدعو إلى تفعيل مفهوم عدالة القرب وسجون القرب، بعد أن حصلت ملاسنات واشتباكات بين معتقلين موالين للفريق العسكري وآخرين يستفزونهم بارتداء ألوان الوداد والرجاء، فتحول سجناء الحق العام إلى متفرجين يرددون لازمة «اللي ما تبومبا ماشي محابسي». على حيطان الرباط وسلا وما جاورهما، رسمت أنامل الغاضبين جداريات تطالب بالحرية للمعتقلين؛ وعلى حافلة نقل مستخدمي وزارة الرميد، أضاف أحدهم كلمة «قلة» بين كلمتي الوزارة والعدل؛ وحين تجوب الحافلة شوارع العاصمة تصبح موضوعا لسخرية قناصة مواقع التواصل الاجتماعي؛ بل إن كل ملاعب المغرب، باستثناء مدرجات مركب الخامس بالدارالبيضاء، تتضامن باللافتات مع المعتقلين دون أن تنتدب محاميا واحدا للدفاع عن سجناء مغرر بهم. الشبكة المغربية لحماية المال العام قررت, في خطوة تصعيدية, رفع دعوى قضائية ضد وزير الداخلي بسبب تهاونه في اعتقال «المجرمين» الحقيقيين الذين ساهموا في إحداث الشغب قبيل مباراة بين الرجاء الرياضي والجيش الملكي، واتهمت ما أسمته ب«مافيا العقار» بتأجيج الشغب حتى يقتنع الجميع بأن الملعب أصبح بؤرة توتر يستوجب تفويته وإبعاده خارج المدينة، لكن بدل استئصال الملعب تم استئصال خصيتي المشجع أسامة.