قرّر المجلس الوطني لحزب الاستقلال، في اجتماعه أول أمس السبت، إعلان الانسحاب من الحكومة واللجوء في مواجهتها إلى الفصل ال42 من الدستور، الذي ينصّ على أنّ «للملك، بصفته رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة وضامنَ دوام الدولة واستمرارها والحكَمَ الأسمى بين مؤسساتها، السهرُ على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي». وعاشت الساحة السياسية، مساء أول أمس السبت، بعد اتخاذ برلمان الاستقلال قرارَ الانسحاب، حالة من الترقب زادت من حدّتها ما تم تداوله والترويج له داخل الأوساط الاستقلالية في المجلس الوطني، من انتقال كل من كريم غلاب، رئيس مجلس النواب، ومحمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين، إلى الديوان الملكي في الرباط. وقد خلق قرار الخروج من الحكومة «رجّة» في المشهد السياسيّ المغربي، دفعت الملك إلى التدخّل عبر اتصال هاتفيّ مع شباط، بعد أقلَّ ساعة من اتخاذ برلمان الحزب قرار الخروج من الحكومة، من أجل «تطويق» أول أزمة حكومية في ظلّ دستور المملكة الجديد، وهو التدخل الذي أفضى إلى عقد اجتماع عاجل للجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، انتهى إلى الإبقاء على وزراء الحزب، حفاظا على السير العادي للحكومة، من أجل «خدمة المصلحة العليا للوطن»، حسب تعبير بيان اللجنة التنفيذية. وفيما «أخمدت» المكالمة الملكية، مؤقتا،»انتفاضة» الاستقلاليين في وجه بنكيران إلى حين عودة الملك من فرنسا، كشفت مصادر استقلالية أنّ اللجنة التنفيذية شرعت -مباشرة بعد المكالمة- في صياغة مذكرة ستُرفع إلى الديوان الملكي لشرح أسباب الانسحاب من الحكومة، وهي التي سيتم إنجازها باستشارة مع عدد من الخبراء في القانون الدستوري. وفي انتظار عودة الملك، طفت على الساحة السياسية سيناريوهات عدة لِما بعد 11 ماي، تبرُز من أهمّها الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها في حال عدم تمكن بنكيران من تشكيل حكومة جديدة بمشاركة حزب الاستقلال أو بدونه، باعتباره خياراً مريحا لقواعد حزب العدالة والتنمية، أو على الأقلّ «تغيير الحذاء وإزالة الحجرة منه»، وفق تعبير عبد العزيز أفتاتي، القيادي الإسلامي في حديثه إلى «المساء»، في حين يبدو في نظر آخرين مُكلِّفا، إذ سيُضيع على البلد خمسة أشهر وينعكس سلبا على الاقتصاد. ومن السيناريوهات المطروحة استبدال الاستقلاليين بحُلفاءَ جدد، في مقدّمتهم الأحرار بدرجة أولى والدستوريين بدرجة ثانية، بالنظر إلى توقع اصطدام بنكيران ب»فيتو» بنعبد الله على مشاركة حزب المعطي بوعبيد. وفي رأي محمد اليازغي، الكاتب الأول الأسبق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فإنّ السيناريو الأفضل هو استمرار الحكومة إلى حين نهاية ولايتها التشريعية وإجراء انتخابات تفرز خريطة سياسية جديدة، معتبرا في تصريح ل»المساء» أنّ «الملك أنقذ بنكيران بإبقاء وزراء الاستقلال». إلى ذلك، علمت «المساء» من مصادر جد مطلعة أنّ بنكيران استبق اجتماع برلمان الاستقلاليين يوم السبت بربط اتصالات مع حلفائه في الحكومة يوم الجمعة الماضي، مشيرة إلى أنّ تلك الاتصالات كشفت أن رئيس التحالف الحكومي عبّر -قبل إعلان الاستقلاليين عن خروجهم- أنه لا يُعير كبيرَ اهتمام لتلك الخطوة. ومنذ الدقائق الأولى لانعقاد برلمان الاستقلاليين بدا واضحا أنّ قرار الخروج من الحكومة قد اتُّخذ ولم يبق غير إلباسه لبوسا مؤسساتيا بصدوره عن المجلس الوطنيّ، رغم أنه لم يكن متضمنا في جدول أعماله. وحسب مصدر مطلع من اللجنة التنفيذية، فقد كانت توقعات قيادة الحزب خلال اجتماع سبق أن عقده المجلس الوطني، أن تحصَّل فقط على قرار التفويض، وأن يذهب المجلس في اتجاه دعوة 60 في المائة من أعضائه إلى الخروج ومعارضة 40 في المائة، غير أنّ قيادة الحزب فوجئت خلال دورة المجلس بأن 82 مداخلة ذهبت في اتجاه تغليب كفة الانسحاب.. وبدا دفعُ برلمان الحزب نحو مغادرة الحكومة لافتا من خلال الشّعارات التي رُفعت في بداية الجلسة وكان أقواها:» الله، الله على ورطة، المشاركة أكبر غلطة.. الانسحاب فورا فورا، هبّت ريح الحرية بنكيران يا طاغية».. كما بدا جليا من خلال بيان «ناريّ» للشبيبة الاستقلالية لم يتوانَ عن سرد عبارات واتهامات من قبيل: «خلط ما يسمى رئيس الحكومة بين مهامه الحزبية ومهمته الحكومية، تحويل أمين عامّ ما يدعى حزب العدالة والتنمية المجالس الحكومية إلى محاكم تفتيشية».. وبدا انقطاع حبل الود بين الاستقلاليين و»البيجيدي» واضحا كذلك من خلال كلمة قوية لشباط كان عنوانها الرئيس»لنكن واضحين في ما بيننا: لم نكن أمام دكتاتورية كالتي نعيشها اليوم.. لم نكن نعلم من يؤمن بالدّين ويتاجر به»، يقول عمدة فاس قبل أن يتابع: «الفساد لا يمكن أن يحارب الفساد، والمُفسدون لا يمكن أن يحاربوا المُفسدين». من جهة أخرى، استنفر قرار الانسحاب من الحكومة أجهزة الأحزاب الثلاثة المكونة للتحالف الحكومي، وكان لافتا الخروج السريع لبنكيران بصفته أمينا عامّا لحزب العدالة والتنمية وناطقا رسميا باسمه للتأكيد أن أي تصريح لأي مسؤول أو عضو في الحزب بخصوص موقف المجلس الوطني لحزب الاستقلال من الحكومة يُعتبر موقفا شخصيا ولا يعبّر عن الموقف الرّسميّ للحزب. ولم يقتصر الأمر على الخروج الإعلامي لبنكيران، بل تعدّاه إلى إجراء اتصالات بين بنكيران وحلفاء له، خاصة نبيل بنعبدالله، الأمين العامّ للتقدم والاشتراكية، ودعوات إلى اجتماع الأجهزة التنفيذية في أسرع وقت.