شكلت الحركة الانتقالية واحدة من أعقد الملفات التي ظلت تؤرّق بال رجال ونساء التعليم. وفي كل المحطات، لا بد أن يعود السؤال الكبير نفسُه ليطرح: كيف ستدبّر وزارة التربية والتعليم هذا الملف دون أن تخلف ضحايا، خصوصا أن التجارب السابقة أبانت كيف أنّ محطة الحركة الانتقالية ظت تعرف الكثير من التجاوزات، بعضها إقليمي وبعضها جهوي وبعضها مركزي.. لذلك أدركت وزارة محمد الوفا هذا الواقع، وحاولت أن ترسم له خطوط لعب واضحة في إطار شفافية أكبر، تضمن لكل المتبارين الحظوظ نفسَها في التنقل من منطقة إلى أخرى.. قد اعترف الوزير، بأن ظروف العمل هي واحدة من عوامل نجاح العملية التعليمية. ومن تم كانت أولى الخطوات التي سارت عليها وزارة التربية الوطنية، وهي تفتح سيرة الحركة الانتقالية، هي الإعلان عن فتح مشاورات مع كل المعنيين بالأمر لوضع اقتراحاتهم بشأن هذه الحركة. وهي اقتراحات لم تساهم فيها النقابات التعليمية المعنية فقط، ولكن ساهم فيها أيضا كل رجال ونساء التعليم من خلال استقبال المُقترَحات حول مذكرة الإطار الخاصة بالحركة الانتقالية في الفترة المُمتدّة بين 30 مارس و5 أبريل. اليوم، وضعت الوزارة رهنَ إشارة الراغبين في المشاركة في الحركة الانتقالية مطبوعا بخصوصية جديدة تفعيلا لما تعتبره «شفافية».. غير أن هذه «الشفافية» أغضبت بعض النقابات التعليمية، التي انسحبت في الأسبوع الماضي من جلسة الحوار مع وزير القطاع احتجاجا على مذكرة الحركة نفسِها، والتي اعتبرت الأمرَ انفرادا بالقرار الذي لم يأخذ بمقترحات النقابات. وهكذا، اعتبرت الجامعة الوطنية للموظفي التعليم، والجامعة الوطنية للتعليم، والجامعة الحرة للتعليم -في بلاغ مشترَك- «أنّ خطوة الوزارة تشكل خرقا فاضحا لمنهجية الحوار»، وبذلك فقد أعلنت مقاطعتها كل الاجتماعات المركزية إلى حين لقائها مع الوزير. زدْ على ذلك أنّ نساء ورجال التعليم سينتظرون يوم الخميس (تاسع ماي الجاري) للشروع في تعبئة مطبوع الحركة إلكترونيا، في الوقت الذي يتداول العارفون ببيت مديرية الموارد البشرية تاريخ 15 من هذا الشهر نفسِه كآخر أجَل لتلقي الطلبات. فأكثر من 90000 مرشح سيدخلون التنافس من أجل منصب جديد، وهو تنافس يقول بعض «الغاضبين» من المذكرة إنه لن يكون عادلا، خصوصا بين نساء التعليم ورجاله. لقد سبق لوزير التربية الوطنية، محمد الوفا، أن أكد أنّ الأستاذات البالغ عددهنّ على الصعيد الوطني 94 ألفا و507 أستاذة٬ أي 41 في المائة من مجموع أطر التدريس٬ سيحظين بأهمية قصوى في الحركات الانتقالية. وكان قد أوضح، في معرض رده على سؤال شفوي في مجلس المستشارين حول «تعيين نساء التعليم في المناطق النائية» للفريق الفيدرالي، أنه رغم أنّ 64 في المائة من مجموع الأستاذات يتواجدن في الوسط الحضري٬ فإنّ الوزارة تولي أهمية خاصة للنساء من خلال الحركات الانتقالية، وهو ما يُعتبر «تمييزا إيجابيا» لفائدتهنّ. ويتمّ هذا التمييز الإيجابي، حسب الوفا٬ عبر إعطاء الأولوية للأستاذات الراغبات في الالتحاق بالأزواج٬ أو عبر منح امتياز للحالات الاجتماعية المتعلقة بالمرأة المطلقة أو الأرملة الراغبة في العودة إلى مقر سكنى أسرتها خارج النيابة التي تعمل بها٬ أو العازبة التي تعمل في نيابة غير التي يوجد فيها مقرّ سكنى أسرتها، فضلا على آليات أخرى، كالتبادل الإلكتروني والانتقالات لأسباب صحية. وفي الإطار ذاته، وبعد أن ذكّر بمسألة الأخذ بالتمييز الإيجابي بخصوص التعيينات في المناطق النائية، كما ورد في تصريح رئيس الحكومة أمام مجلس النواب٬ أكد الوفا أنّ الوزارة تدرس كيفيات التطبيق التدريجيّ لهذا الإجراء بتنسيق مع الشّركاء الاجتماعيين٬ مع العلم أنّ تعيين خريجي مراكز التكوين يتم وفق معايير خاصة تتحكم فيها معطيات مرتبطة بالمناصب الشاغرة٬ وكذا بالخصاص في أطر التدريس، الذي غالبا ما يُسجَّل في المناطق القروية، خاصة النائية منها، لذلك جاءت مذكرة الحركة الانتقالية بروح هذه الأفكار، التي عبّر عنها وزير القطاع في أكثرَ من مناسبة. فحينما نتأمل ما تقدّمه المذكرة من إجراءات، نكتشف أنّ أولاها هي منح 5 نقط امتياز للمتزوج بربّة بيت، أو غير المتوفر على شروط المشاركة بطلب الالتحاق بالزوجة، لكنْ شريطة إرفاق الطلب بعقد الزواج، رغم أنّ الأمر يظل مُبهَماً. أما الإجراء الثاني فهو نقص سنتين من أفضلية الالتحاق بالزوج من 16 إلى 14 سنة، ومساواة الزوج والزوجة.. لكنّ هذه الصيغة المقترَحة هي التي أثارت النقاش من خلال إعطاء الأولوية للأستاذة الرّاغبة في الالتحاق بزوجها، وللأستاذ الذي تعمل زوجته في وزارة التربية الوطنية والراغب في الانتقال إلى النيابة التي تعمل فيها الزوجة، أو للأستاذ الذي يتعذر نقل زوجته إلى النيابة التي يعمل فيها، بسبب طبيعة العمل الذي تزاوله، والذي يرغب في الانتقال إلى مقر عمل زوجته.. إضافة إلى الأستاذات والأساتذة الذين قضوا 14 سنة أو أكثر في منصبهم الحالي. ومن الانتقادات التي وُجهت لهذا الإجراء، الذي اعتبره البعض «حيفا»، أنه سيقضي على آمال ذوي الأقدمية، الذين تجاوزوا 14 سنة، في الوقت الذي سيعطي الأولوية للملتحق أو الملتحقة، عكس ما كان عليه الأمر في السابق، إذ يتم اللجوء إلى نقط المشارك بين الملتحقة أو الملتحق ومَن له أقدمية أكثر من 16 سنة. وحملت المذكرة، أيضا، إجراء اعتبره الكثيرون «غربيا» لأنه سيمنح ثمان نقط كامتياز لعدد من المتبارين، منهم المرأة المطلقة أو الأرملة الراغبة في العودة إلى مقرّ سكنى أسرتها خارج النيابة التي تعمل فيها، شريطة أن ترفق طلبها بنسخة من عقد الطلاق مصادقٍ عليها، أو شهادة وفاة الزوج وشهادة سكنى الأسرة.. ومنهم المطلق أو الأرمل المُتكفِّل بابن أو أكثر، والذي لا يزيد سنهم أو سن أحدهم على 18 سنة، والراغب في الانتقال خارج نيابته الأصلية، شريطة إرفاق الطلب بنسخة من عقد الزّواج مصادقا عليها، وشهادة وفاة الزوجة -وعقود ازدياد الأطفال بالنسبة إلى الأرمل- ونسخة من عقد الطلاق مصادقا عليها، وشهادة حضانة الأطفال بالنسبة إلى المطلق. سيستفيد من هذا الامتياز نفسِه أستاذ التعليم الإعدادي سابقا أو أستاذ التعليم الابتدائي سابقا -خريج المدرسة العليا للأساتذة الذي عين في نيابة خارج نيابته الأصلية، والذي يود الرجوع إليها.. هي «حالات» ترى وزارة التربية الوطنية أنها تراهن على إنصافها نظرا إلى وضعها الاجتماعي الخاص، في الوقت الذي يرى آخرون أنّ الانصاف هو دخول المتبارين على قدَم المساواة. حينما أصرّت وزارة التربية الوطنية على أنّ الحركة ستكون إلكترونية، طرِح السؤال: هل وفرت الوزراة كل شروط ذلك، خصوصا بعد أن اكتشف نساء ورجال التعليم أنّ الموقع الخاص فيها مغلق، وأنّ القنّ السريّ لم يتوفر في المؤسسات التعليمية إلا مؤخرا؟.. غير أنّ السؤال الأكبر الذي يتداوله رجال ونساء التعليم هو: هل اللجوء إلى تقنية المعلوميات سيسرّع المعالجة والإعلان عن نتائج الحركة الانتقالية، لتفادي شر الانتظار، أم إنّ الأمر سيظل حبيس الأقراص الصّلبة لحواسيب الوزارة، كما هو الحال بالنسبة إلى الحركة الخاصة بالتبادل الإلكتروني، التي سبق أن بشّرت بها وزارة الوفا دون أن تحسم فيها، رغم أنّ عدد المشاركين فيها لم يتجاوز ال5000 طلب. بقيّ فقط أن نذكر أنّ الإعلان عن نتائج الحركة الانتقالية سيكون في نهاية السنة الدراسية، وليس في منتصف شهر يونيو، كما كان عليه الأمر في الموسم الماضي.. يكاد أغلب الذين تصفّحوا مذكرة هذه الحركة وقرأوا خلفياتها جيدا يُجمعون على أنّ الخلاصة هي أنها جاءت مليئة بالألغاز التي كادت تُفقدها الوضوح المُفترَض.. لذلك قد يكون الموقف الأخير الذي اختارته ثلاث مركزيات نقابية -تعتبرها وزارة التربية الوطنية شريكا اجتماعيا- إيذانا بفشلها.