في ظل هذه الصعوبات التي تواجه الزراعات السكرية يبقى الرهان كبيرا بالنسبة للأهداف التي يسعى إلى تحقيقها المخطط الجهوي. فهذا الأخير يراهن على الرفع من المساحة المزروعة فيما يخص الشمندر السكري لتصل إلى 24000 هكتار في أفق سنة 2020 مقابل 14000 هكتار كانت مخصصة لهذه الزراعة مع الشروع في انجاز المخطط أي بزيادة تقدر ب 10000 هكتار. كما ستعرف هذه الزراعة ارتفاعا في الإنتاج الذي سينتقل خلال نفس الفترة من 626000 طن إلى 1440000 طن. مما يعني أن معدل الإنتاج سيعرف تحسنا مهما حيث سينتقل من 44,5 طن/ه إلى 60 طن/ه. بالنسبة لقصب السكر فإن المساحة ستنتقل من 12000 هكتار إلى 23000 هكتار أي زيادة 11000 هكتار. أما الإنتاج فسيصل إلى 1710000 طنا مقابل 614000 طنا. مما يعني أن معدل الإنتاج سينتقل من 51 طن / ه مقابل 74 طن / ه في افق سنة 2020. إن وضع هذه الأهداف الطموحة التي تراهن على مضاعفة المساحات المزروعة وكذا الإنتاج في الوقت الذي تعرف فيه هذه الزراعات وكما أشرنا سابقا نفورا كبيرا من لدن الفلاحين. وهذا ما جعل المساحات المزروعة وبعد مرور خمس سنوات على الشروع في تنفيذ المخطط تراوح نفسها. كما أن معدل الإنتاج لهذه الزراعات والذي يعتبر من المعدلات المتدنية، مقارنة مع باقي المناطق الفلاحية التي تتعاطى لنفس الزراعة، مازلت تتحكم فيه نفس الشروط، وتواجه نفس المشاكل. على مستوى الزيوت فقد شكلت بدورها مادة غذائية أساسية وراهنت مختلف السياسات الفلاحية المتبعة على تحقيق الاكتفاء الذاتي منها. لهذا فقد حظيت الزراعات الزيتية وخاصة عباد الشمس باهتمام خاص في البرامج الحكومية. وقد سجلت المساحة المخصصة لهذه الزراعة تطورا مهما، حيث انتقلت مساحتها من عشرين ألف هكتار مع بداية عقد الثمانينيات إلى 120 ألف هكتار كمعدل خلال العشر سنوات الموالية. إلا أن هذه الزراعة بدأت تعرف تراجعا كبيرا خلال السنوات الموالية، سواء من حيث المساحة أو الإنتاج . فخلال الفترة 1995 – 1999 كان معدل المساحة المزروعة بالزيتيات يقدر بحوالي 86000 هكتار. مقابل 161275 هكتار خلال الفترة 1990 – 1994. وبذلك فهذه الزراعة سجلت تراجعا بنسبة 47 في المائة. ومن حيث الإنتاج فإذا كان معدل إنتاج عباد الشمس وحده قد سجل بعض التحسن، حيث انتقل من 52300 طن خلال الفترة 1980 – 1989 إلى 84700 طن خلال الفترة 1990 – 1995، فإن هذا المعدل بدأ يتراجع حيث انخفض إلى 60900 طن ما بين 1996 – 2000. وخلال الفترة 2001 – 2007 انخفض بشكل كبير بعد أن وصل إلى 39700 طن فقط. ويعزى هذا التراجع في المساحة وفي الإنتاج إلى مجموعة من العوامل من أهمها انخفاض أسعار الإنتاج وخاصة منذ سنة 1996 ثم عامل الجفاف، حيث إن زراعة عباد الشمس التي تعتبر من أهم الزراعات الزيتية يتم التعاطي لها وبشكل كبير في المناطق البورية والتي كثيرا ما تتأثر بالجفاف. وعلى هذا الأساس تلجأ بلادنا إلى الأسواق الدولية من أجل سد العجز الحاصل في تلبية الحاجيات الوطنية من مادة الزيوت والتي من المتوقع أن ترتفع الى 570000 طن في أفق سنة 2015 مقابل 345000 طن سنة 2000 في الوقت الذي ستستورد فيه الجزائر 710000 طن من حاجياتها من الزيوت وتونس 220000 طن فقط . 4 - إنجاح المخطط يستوجب إصلاحا مؤسساتيا: من أجل إنجاز وتحقيق أهداف المخطط الأخضر كان على وزارة الفلاحة أن تقوم بإصلاح مؤسساتي يشمل على الخصوص إعادة النظر في هيكلتها الداخلية والخارجية. وفي هذا الإطار وعلى مستوى المصالح الخارجية للوزارة، تم إحداث ست عشرة مديرية جهوية. وقد تم وضع هيكلة موحدة لكل هذه المديريات على رأسها مدير وتتكون كل مديرية من أربعة أقسام وكل قسم يضم أربع مصالح. وإذا أضفنا إلى هذا العدد أربع مصالح تابعة مباشرة للمدير فبعملية حسابية بسيطة، فإن العدد الإجمالي للأطر التي يجب توفرها لتحمل مسؤولية تسيير هذه المصالح كلها لن يقل عن 400 إطار. وإذا استحضرنا أن بداية الشروع في تنفيذ المخطط الأخضر جاء في ظل تنفيذ برنامج المغادرة الطوعية والذي بموجبه تم تسريح عدد من الأطر الكفأة والتي اكتسبت خبرة كبيرة من خلال ما راكمته من تجارب، ندرك الصعوبات التي تنتظر تنفيذ المخطط بسبب قلة الموارد البشرية المؤهلة لتحمل المسؤولية في المناصب العليا التي حددتها الهيكلة الجديدة للوزارة، ولهذا ونظرا لقلة الموارد البشرية، نجد في كثير من المديريات الجهوية وخاصة تلك التي يدخل في نطاق نفوذها الدوائر المسقية (تسع دوائر) أن المدير الجهوي يتحمل مسؤولية المديرية وفي نفس الوقت مسؤولية تسيير المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتلك الدائرة المسقية. كما أن عددا من رؤساء المصالح أسندت إليهم مسؤولية تسيير أكثر من مصلحة وذلك من أجل سد الخصاص من الأطر التي بإمكانها تحمل المسؤولية. 5- سياسة فلاحية تخدم البورجوازية الزراعية: إن المتتبع للسياسات الفلاحية التي اعتمدتها بلادنا راهنت بشكل كبير على القطاع الخاص في تحقيق الأهداف التي وضعتها الدولة لعدد من المخططات. وفي هذا إطار هذه السياسة التي ترمي إلى تحفيز الرأسمال الخاص على الاستثمار في القطاع الفلاحي وضعت الدولة حوالي 800 ألف هكتار رهن إشارة هذا القطاع. علما أن هذه السياسة بدأت ملامحها الأولى مع الشروع في تفويت 56545 هكتارا من الرصيد العقاري لشركتي صوديا وسوجيطا. وتشمل هذه المساحات 259 ضيعة فلاحية تقرر كراؤها لمدد تتراوح ما بين 17 و40 سنة قابلة للتجديد. وتعتبر جهة الغرب الشراردة بني حسن من أهم جهات المملكة ليس فقط من حيث عدد الضيعات موضوع التفويت، ولكن أيضا من حيث المساحات. فبالنسبة الضيعات المفوتة يقدر عددها ب 71 ضيعة(27,5 % ) بينما المساحة الإجمالية للأراضي تبلغ 11604 هكتار (20,5 % ) 6 - غياب الاهتمام بالعنصر البشري: يشكل الاهتمام بالعنصر البشري أحد أهم العناصر في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة مع سياسة الانفتاح التي نهجتها بلادنا، وتوسيع الإجراءات الرامية إلى تحرير الاقتصاد وتنامي المنافسة الحادة، لذا فإن كسب رهانات التنمية يبقى رهينا بمدى قدرة السكان على التكيف مع الظروف التي يفرضها انفتاح السوق. فالعولمة اليوم لا تقتضي فقط رفع الإنتاج، بل أيضا وضع منتوج يستجيب لعدد من المعايير، من قبيل الجودة والقدرة على المنافسة... ومن هنا فإن تأهيل الفلاح المغربي بشكل يجعل منه عنصرا قادرا على فهم متطلبات السوق، سواء كانت خارجية أو داخلية والتعامل معها بشكل يضمن حضورا قويا للمنتوج المغربي، يبقى من الشروط الأساسية في إنجاح أي سياسة فلاحية. فنتائج الإحصاء الفلاحي لسنة 1996 تبين أن الخصائص التي تميز الفلاح المغربي تجعل منه عنصرا ما زال يحتاج إلى مجهود كبير من أجل تأهيله وجعله قادرا على رفع التحديات التي تواجه الفلاحة المغربية. فمعدل السن عند الفلاح المغربي يقدر ب 52 سنة، كما أن 23 % من هؤلاء معدل سنهم يفوق 65 سنة. كما أن الأغلبية الساحقة من الفلاحين مؤهلاتهم الفكرية لا تسمح لهم بفهم متطلبات السوق فبالأحرى التكيف مع تحديات العولمة. ذلك أن 81 % من الفلاحين هم أميون ويستغلون 76 % من الأراضي الصالحة للزراعة، كما أن 9,6 % من الفلاحين هم من مستوى الابتدائي فما فوق ولا يستغلون إلا 13,4 % من الأراضي الصالحة للزراعة. ويستغل هؤلاء الفلاحون الذين لا يتوفرون على أي مستوى دراسي والذين يمثلون نسبة 81,3% من الحيازات التي تقل مساحتها عن عشر هكتارات. وهذا يعني أنهم من الفلاحين الصغار. وتزداد الأمية حدة في بعض المناطق المسقية مثل جهة الغرب الشراردة بني حسن، حيث يمثل الفلاحون الأميون نسبة 82,56 % والفلاحون من مستوى الكتاتيب القرآنية نسبة 7,74 %. بينما لا تتعدى نسبة الفلاحين من مستوى الثانوي فما فوق 1,6 %. ومن الأهداف التي راهن عليها مخطط المغرب الأخضر تطوير الفلاحة المغربية وخاصة في الدوائر المسقية حتى تكون قادرة على الاستجابة لقواعد السوق. ولتحقيق ذلك فإن تأهيل الفلاح المغربي يجب أن يكون من بين أولويات هذا المخطط. مع الأسف الشديد ركز على تنمية مجموعة من سلاسل الإنتاج في محاولة للاندماج في السوق العالمية، علما أن ذلك رهين بالعنصر البشري الذي يجب أن يكون في مستوى استيعاب الاختيارات التي جاء بها المخطط. لهذا تشكل مسألة خلق جيل جديد من الفلاحين لهم من المؤهلات التي تسمح لهم بالتكيف مع التحولات التي يفرضها النظام العالمي للانتاج واستيعاب وفهم التحديات التي أصبحت تفرضها سياسة الانفتاح التي نهجتها بلادنا، كل هذا أصبح من الأولويات التي على مختلف الفاعلين ومنهم الدولة الانكباب على معالجتها بكل جدية وفي وقت لا يقبل التأجيل. 7 - المعالجة العقارية ليست أولوية في اختيارات مخطط المغرب الخضر: تواجه الفلاحة المغربية عدة إكراهات من أهمها الإشكالية العقارية التي تجمع فيها كل الدراسات والأبحاث التي اهتمت بالمسألة الفلاحية ببلادنا على أنها من العوائق البنيوية التي تواجه التنمية الفلاحية وأن معالجة النظام العقاري يشكل رهانا حقيقيا في تأهيل الفلاحة المغربية لهذا كانت المخططات الحكومية وخاصة ما يتعلق بالقطاع الفلاحي تضع ضمن توجهاتها معالجة الإشكالية العقارية لما لها من آثار على تنمية القطاع الفلاحي. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحصيلة تبين على أن الإصلاحات التي تحدثت عنها مختلف البرامج الحكومية لم تتم مباشرتها وبالتالي فإن البنية العقارية في وضعها التقليدي ما زالت هي السائدة. فأغلبية الاستغلاليات مساحتها تقل عن خمسة هكتارات وتمثل 70% من مجموع الاستغلاليات. ويستغل هذا الصنف حوالي 24% من المساحة الصالحة للزراعة. أما الاستغلاليات الكبرى والتي تفوق مساحتها خمسين هكتارا فإنها تمثل نسبة 11% من مجموع الاستغلاليات وتستغل 15,4 % من الأراضي الصالحة للزراعة. كما أن النظام العقاري ما زالت تتحكم فيه مجموعة من الأنظمة التقليدية. فبجانب الملك الخاص للدولة وأراضي الجموع، هناك أيضا الملك الخاص وأراضي الأحباس والكيش والإصلاح الزراعي. وهذا يعني أن السمة البارزة التي تميز النسيج العقاري ما زالت تتحكم فيها أنظمة عتيقة وقوانين أصبحت متجاوزة بحكم العولمة وانخراط البلاد في سياسة الانفتاح.