بثبات تقف طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها خمس سنوات وسط ساحة البريد بقلب العاصمة وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية وتحمل بيدها رشاشا صغيرا، فيما كان صوت العشرات من الأطفال يصدح ب»الروح بالدم نفديك يا غزة». مسيرة الأطفال لدعم غزة، التي تم تنظيمها صباح يوم الأحد، تحولت إلى عيد بالنسبة لآلاف الصغار الذين أتوا من مدن بعيدة من أجل المشاركة بعد أن أحزنتهم الصورة المؤلمة القادمة من غزة. الأطفال ظهروا في مسيرتهم أكثر انضباطا من الكبار، ونالوا الإعجاب وهم يلتزمون بجميع القواعد التي فرضها المنظمون، كما استعانوا بترسانة الأسلحة البلاستيكية التي اشتراها الآباء بمناسبة عاشوراء لتأثيث مسيرتهم الاحتجاجية وإعلان دعمهم لأطفال غزة. منظر قوات التدخل السريع بدا نشازا في مواجهة مسيرة احتجاجية للأطفال، خاصة بعد أن حرص بعض عناصر التدخل السريع على إمساك العصي بطريقة استعراضية، كما أن السلطة العمومية اعتقدت في البداية أن عدد الأطفال المشاركين لن يتجاوز العشرات، لذا تموضعت في قلب ساحة البريد قبل أن تفاجأ بأفواج متعاقبة تضم المئات من الأطفال، وهي تنطلق من أمام السويقة باتجاه الساحة. وشوهد عدد من المسؤولين الأمنيين وهم يتحدثون بعصبية في هواتفهم النقالة، قبل أن تتم الاستعانة بالحواجز الحديدية من أجل سد المنافذ المحيطة بشارع محمد الخامس، فيما انتشر عدد من سيارات التدخل السريع بين الأزقة. المسيرة تقدمتها دارجة نارية تحمل مكبرا للصوت وفوقها طفل صغيرلا يتجاوز سنته العاشرة، هتف بشعارات التنديد والدعم بصوت قوي، قبل أن يرددها خلفه الآلاف من أقرانه بكل حماس. خلف الدراجة سار ثلاثة أطفال يحملون لافتة كتب عليها «المؤامرة الثلاثية» ويلبسون أقنعة لذئب وثعلب وقرد في إشارة إلى كل من إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي، وجورج بورش، ورئيس دولة عربية، فيما حمل طفل آخر صورة كاريكاتورية تظهر جنديا إسرائيليا وهو يحمل رضيعا فلسطينيا من قدمه، ويقول «أنت إرهابي يجب قتلك». نور، ذات السبع سنوات، قدمت رفقة والديها من مدينة المحمدية، وبدت فرحة جدا وهي تلوح بعلم فلسطيني وتردد بصوت بريء «غزة غزة رمز العزة»، نور قالت إنها لا تفهم لماذا يتم قتل الأطفال بغزة، وأضافت: «الأطفال يجب أن يبقوا على قيد الحياة ويتمتعوا باللعب». والد نور أكد أنه صار أشد حرصا في الآونة الأخيرة على عدم ترك ابنته تشاهد الأخبار، بعد أن تأثرت نفسيا بما يتعرض له أقرانها في غزة، وقال إنه قطع الطريق من مدينة المحمدية إلى الرباط ليفسح المجال لابنته من أجل التعبير عن غضبها جراء ما يتعرض له المدنيون في غزة. صورة الرئيس الفنزويلي «هوغو تشافيز» أيضا كانت حاضرة، بعد أن قامت بلاده بطرد السفير الإسرائيلي بفنزويلا في خطوة أحرجت الكثير من الدول العربية التي لا تزال متمسكة بعلاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي، فيما حمل أطفال آخرون صور حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، وصور بعض رموز المقاومة الفلسطينية. كما حضرت بقوة أعلام حماس وصواريخ «القسام» و»غراد» من خلال مجسمات حملها الأطفال بحزم كما لو كانوا ينتظرون إشارة من أجل إطلاقها، في الوقت الذي علا فيه صوت المئات منهم بشعار «الأطفال في الساحة، والجيوش مرتاحة». الكبار ورغم عدم توصلهم بالدعوة، حجوا بكثافة من أجل المشاركة، وزاحموا الأطفال قبل أن يتدخل المنظمون الذين بذلوا جهدا كبيرا من أجل إقناعهم بالتراجع إلى الوراء وإفساح المجال أمام الصغار في عيد التضامن مع أقرانهم بغزة، وهو الأمر الذي لم يتقبله البعض ليصر على حقه في المشاركة والاحتجاج. الصغار رفعوا خلال مسيرتهم الحاشدة عشرات اللافتات التي تطالب بوقف قصف الأطفال بالقنابل الفسفورية، وفتح المعابر المغلقة في وجه الفلسطينيين. أسامة طفل من مدينة القنيطرة يبلغ من العمر عشر سنوات حضر مبكرا إلى الرباط، وظل لساعات في انتظار التحاق باقي المشاركين، يقول والده إنه بقي مستيقظا طوال الليل في انتظار الصباح من أجل المشاركة. أسامة، الذي وضع الكوفية الفلسطينية على رأسه وحمل بندقية «كلاشينكوف» ، وحرص على أن يبقى أصبعه على زنادها، صرخ غاضبا وهو يجبينا عن سؤال حول السبب الذي يدفعه إلى حمل سلاحه: «الموت الموت لإسرائيل عدوة الشعوب»، قبل أن يخفض صوته ويضيف: «لماذا يقتلون الأطفال في فلسطين، يجب أن نمنع ذلك». الأطفال استبدلوا أناشيدهم المدرسية التي تتغنى بالحياة، بشعارات غاضبة ضد الموت والتقتيل الوحشي الذي حصد أرواح المئات من أطفال غزة بعد أكثر من 15 يوما من القصف المتواصل، كما حولوا دماهم الجميلة إلى جثث رمزية مخضبة بالدماء، قبل أن يحملوها بعناية وحنان وهم يتقدمون باتجاه مقر البرلمان. بعد لحظات من انطلاق المسيرة، تعالى دخان كثيف من وسط جموع الأطفال، بعد أن تم إحراق علم إسرائيل وسط تسابق محموم على دوسه بالأقدام بطريقة عبرت عن الغضب الذي حاول الصغار إخراجه من صدورهم بعدما صدمتهم المشاهد المروعة لأشلاء أطفال غزة. كما هز صوت آلاف الأطفال وسط العاصمة وهم يرددون شعارا استعاروه من الجمعيات الحقوقية، ومن المعطلين الذين تتحول أجسادهم بشكل شبه يومي إلى أهداف لعصي قوات التدخل السريع، حيث رفعوا أيديهم بإشارة الصفر، وهم يصرخون «عليك لامان عليك لامان لا حكومة لا برلمان» و»زيرو الأنظمة العربية»، قبل أن يغرقوا المكان في جو من الحزن، وهم يرفعون أيديهم بالدعاء لأطفال غزة وسط الدموع. بالقرب من فندق «باليما» توقفت طفلتان تحملان لافتة تضم صورا لعشرات المنتجات الأمريكية وعليها شعار يدعو إلى مقاطعتها، إحداهما أكدت ل»المساء» أن قرار المقاطعة يجب أن يتخذ فورا، وبررت الأمر بوعي سياسي يفوق سنها قائلة: «أمريكا تدعم إسرائيل في عدوانها على غزة وتزودها بالسلاح، لذا يجب أن نقاطعها اقتصاديا لإجبارها على تغيير موقفها». أحد الأطفال تناوب رفقة والده على حمل لوحة تظهر وزيرة الخارجية الأمريكية «كوندوليزا رايس» وهي ترضع جنديا إسرائيليا دماء أطفال غزة، فيما قام آخر بوضع لون الدم على وجهه وثيابه وهو يهتف «أوفقوا المجازر وافتحوا المعابر». الأطفال المغاربة وجهوا في نهاية المسيرة نداء من أجل إخوانهم في غزة دعوا فيه إلى «الوقف الفوري للعدوان الغاشم ومعالجة أصل المشكلة، من خلال خروج الكيان الصهيوني من الأراضي الفلسطينية، وفتح المعابر وفك الحصار وإطلاق سراح الأسرى وعودة اللاجئين». كما دعا النداء إلى «نصرة القضية الفلسطينية، ومقاومة التطبيع حتى تعود الشرعية إلى صاحب الحق وليس إلى صاحب القوة». المسيرة تم تأطيرها من طرف رابطة الأمل للطفولة، وممثلي المؤتمرات القومية الثلاثة وحركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان ومجموعة العمل الوطنية لمساندة فلسطين والعراق والجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني وعدة جمعيات ثقافية تهتم بالشأن الطفولي.