أربع وعشرون سنة مضت على الإعلان عن ميلاد اتحاد المغرب العربي، أو المغرب الكبير، وما زال المغاربيون لم يجدوا سكة قطارهم الوحدوي الذي عقدت عليه الشعوب الخمسة آمالها الكبيرة في تحقيق الوحدة المنشودة والمفقودة، رغم تعاقب الحاكمين ورغم هبوب رياح «الربيع الديمقراطي العربي»، وتغيير أنظمة الحكم في تونس وليبيا، ورغم تقديم تنازلات لترسيخ الديمقراطية في بعض البلدان الأخرى، وتشديد الخناق على الحركات الشعبية بقبضة عسكرية حديدية في الباقي، (لم يجد القطار سكته) ليتشكل مشهد سياسي مغاربي جديد قد يجد حلولا لمشاكله السياسية ومعاناة شعوبه الاقتصادية والاجتماعية. قطار آخر، كان يخترق الحدود المغاربية، ذهابا وإيابا، يحمل نفس الاسم (قطار الوحدة) توقف بصفة نهائية منذ سنوات قاربت العشرين سنة بعد الأحداث الإرهابية التي شهدها فندق أطلس أسني بمراكش، والتي قرر المغرب، على إثرها، إغلاق الحدود البرية مع الجزائر، بعد ثبوت تورط جزائريين في العملية الإرهابية. هذا القطار الذي كان يقل مئات المسافرين من الأقطار المغاربية وينقل أطنانا من السلع والبضائع ويجسد الوحدة الجغرافية الحقيقية لهذه البلدان، توقف وصدئت سكته وعلاها التراب وغطتها الأعشاب وتحولت طريقه إلى فضاء يستهوي المتسكعين والمتعاطين لشتى أنواع الخمور والمخدرات، بعيدا عن أعين المارة والمستطلعين ورجال الأمن، بل أصبحت بعض أركانه خطيرة نتيجة الاعتداءات الدموية والإجرامية. سكة صدئة كانت تنتظر استئناف قطار «المغرب العربي» أو «المغرب الكبير»، لرحلاته المكوكية لتلميعها من جديد وتمكينها من إيقاظ بريق أمل يفتح الحدود بين الأقطار «الشقيقة» وتبديد الفرقة ورأب الصدع وتجاوز الخلاف والاعتراف بواقع الجوار وقوة الكتلة، ومضاهاة القطارات السياحية ذات المسافات الطويلة بسيبيريا وأمريكا والبرازيل والهند والصين وغيرها، لكن صبر وجدةالمدينة الألفية بوابة المغرب الكبير نفد وأيقنت أن أبوابه لن تفتح ما دام نظام البلد الجار يرفض ذلك ويتمسك بالفرقة ويختلق الخلاف ويغذيه بالحقد والكراهية، وبعد أن أقسم جنرالاته بأغلظ الأيمان أنهم لن يتركوا المغرب الجار يتقدم خطوة إلى الأمام ولن ينعم بلحظة سلم وأمان، فقررت هذه المدينة المغربية المجاهدة، مدينة زيري بن عطية، معقل الثورة الجزائرية، إبان الاستعمار الفرنسي، وبيت وملاذ الحاكمين (من جماعة وجدة) في الجزائر، منذ الاستقلال إلى اليوم، (قررت) «ردم» السكة الحديدية الصدئة لهذا القطار وتعبيد الطريق للمواطنين المغاربة وتسهيل سيرهم وعبورهم وتواصلهم فيما بينهم. ومن المفارقات العجيبة الغريبة، وربما المضحكة المبكية، حديث المكتب الوطني للسكك الحديدية، عن مشروع «خط مغاربي» لقطار فائق السرعة ينطلق من الدارالبيضاء ويمر عبر الرباط ثم وجدة، والذي من المفترض أن يصل إلى طرابلس عبر الجزائر العاصمة وتونس العاصمة، في أفق إحداث شبكة مغاربية للسرعة الفائقة. ويشير التصميم المديري لمشروع قطار السرعة الفائقة إلى مضاعفة عدد المسافرين، في أفق 2035، وبلوغ 133 مليون مسافر مقابل 52 مليونا عبر الخط العادي، ونتمنى ألا يخرج هذا المشروع إلى النور حتى لا يقع ما وقع لسابقه. يرجع تشييد الشبكة السككية المغربية إلى أوائل القرن العشرين، حيث وضعت الخطوط الأولى ذات التباعد المتري ابتداء من سنة 1916. ولم تشيد السكك الحديدية ذات التباعد العادي، سوى سنة 1923 وقد عهد ببنائها لثلاث شركات خاصة تستغل كل منها الجزء الذي أوكل إليها من الشبكة. وفي سنة 1963، قررت الحكومة المغربية إعادة شراء الأجزاء التي تم تفويتها وإنشاء المكتب الوطني للسكك الحديدية، الذي وضع تحت وصاية السلطة الحكومية المكلفة بقطاع النقل. ويشار، كذلك، إلى أن أول محطة قطار بالمغرب تم بناؤها بمدينة وجدة سنة 1910، وكانت أول رحلة للقطار بين وجدة ومدينة مغنية الجزائرية سنة 1911، مع العلم أن مدينة وجدة تم احتلالها من طرف المستعمر الفرنسي سنة 1907.