قطع بلاستيكية وأقمشة رثة. ألواح خشبية، وأغطية متسخة وإزارات عوضت الجدران في مرائب لم تكتمل الأشغال بها بعد، هي «مخيمات» ل«لاجئي» دوار السكويلة- بحي أناسي بمنطقة «المشروع» – والذي تم مؤخرا إعلانه «منطقة بدون صفيح» بعدما تم هدم آخر براكة به من طرف السلطات.. «ضحايا كاريان السكويلة» كما يفضلون تسمية أنفسهم، الذي جرى إعدامه، أو بلفظ أدق، يقول أحد المتضررين جرى « إعدام قاطنيه» (قالوا) إن عملية الهدم تمت دون مراعاة ظروف وواقع ومستقبل الأسر والعائلات التي أفرغت ب«القوة» متسائلين عن المنطق أو السياسة التي «تهدم» عوض أن تشيد وتبني، و«تشرد عوض أن تؤوي»، نظرا لأن السكان تلقوا «تهديدات» تفيد إما «الهدم بالخاطر أو أن الجرافات ستهدم بالقوة فوق رؤوسهم» والنتيجة أنهم «غادروا أكواخهم التي ظلت لعشرات السنين تحتضنهم وتلم شملهم على الرغم من أنها لم تراع يوما آدميتهم لكنها على الأقل كانت مجانية أو بسومة كرائية «بخسة». «السكن هو الاستقرار هو الهوية وهو يساوي إنسانية الإنسان»، يقول أحد المتضررين ونحن بهذا القول «نكون قد فقدنا كل شيء» ما دمنا قد ضيعنا «القصدير» الذي كان يؤوينا دون أن «ترحمنا» أي جهة بعد أن نزلت علينا قرارات الهدم «الشفوية» كالقدر المحتوم، يقول بعض المرحلين الذين تحولت حياتهم ومشاغلهم اليومية إلى رحلة بحث من أجل الاستفادة من السكن عوض «القهر» الذي يلازمهم وكأنهم «مغضوب عليهم»، يقول هشام أحد الضحايا. تحكي مجموعة من الأسر عن واقعها اليومي وهي تتكدس في غرف جدرانها ليست سوى قطع من البلاستيك أو قطع من الخشب. «لم يتم انتشالنا من العيش بسكن غير لائق بقدر ما تم توريطنا في عيش غير لائق بسومة كرائية انضافت إلى أعبائنا اليومية كنا في غنى عنها». وأخرى تصرح بالقول «هؤلاء أخرجونا من السكن العشوائي إلى اللاسكن».. «الورطة» «المساء» وقفت خلال زيارتها لبعض الأحياء التي استقطبت مرحلي كاريان السكويلة بمنطقة سيدي مومن على حجم المعاناة التي وصلت حد الجوع والانقطاع عن الدراسة والتخلي عن العمل بل هناك أسر كثيرة توارت عن الأنظار وعادت إلى أصولها القروية.. بمنطقة أناسي وبالضبط بما يعرف بالمشروع توجهت أغلب العائلات التي وجدت نفسها بين عشية وضحاها في الشارع، خاصة أن المهلة التي كانت أمامها يقول أحد المتضررين «ليست سوى يومين»، فبمجرد ما تحل اللجنة الخاصة وتخبرك بقرار الهدم فإنه بعد يومين يتم الهدم بالفعل «كنا مجبرين للبحث عن مخبأ جديد». أغلب المتضررين من طينة الفقراء بل «المعدومين»، يقول عدد من الشباب الذين ولدوا وترعرعوا وشبوا بكاريان السكويلة والذين عبروا تباعا عن تألمهم من هذا الواقع الجديد، الذي «يزداد سوءا وقتامة عما كانوا يعانونه بالكاريان»، بعدما فوجئوا بالهدم دون أن تقدم لهم أي بدائل تقيهم من الشارع أو اللجوء إلى أقارب لهم قد لا يرحبون بهم، فمنهم من يعيش في الشارع بعدما دفعه «الحياء» من التكدس إلى جانب أفراد أسرته في غرفة ب»كاراج» رفقة عائلات أخرى، أو بغرفة لا تسع شخصين والتي أمام الضرورة «اتسعت» لتشمل تسعة أشخاص، وحالات أخرى لجأت إلى أقارب لها وحلت «ضيفة ثقيلة» بمنازل اقتصادية هي أصلا شبيهة ب«أقفاص الطيور» ولا يمكن أن تتسع للمزيد. اليوم الأسود نور الدين أحد شباب الحي قال إنه يتذكر ذاك اليوم الذي تمت فيه عملية هدم «براكتهم» بدوار السكويلة، واصفا إياه ب«اليوم الأسود»، لأنه ظل ووالده يجوبان قبل تاريخ الهدم بحوالي يومين –وهي مدة غير كافية- أزقة حي أناسي بحثا عن غرفة بثمن مناسب لهم في انتظار أن يتم تجهيز البقعة التي تلقوا وعودا بشأنها. قال إنهم لاحظوا عدة اختلالات غير أنه وفق ما يقال «إذا عمت هانت» ومادامت كل العائلات ربطت مصيرها بمصير باقي العائلات والأسر القاطنة بالحي التي هدمت منازلها العشوائية تباعا، فإن أغلب السكان رأوا في القرار «سيفا مسلطا» سيأتي حتما على كل الأسر، خاصة بعدما يتم تخييرهم بين الهدم ب«الخاطر أو بالقوة»... «ريب ولا غادة تجي تريب لك الكروة».. لذلك وجدنا أنفسنا نحن من يبادر بعملية الهدم قبل الجرافة نفسها، يقول أحد شباب الحي»حنا ولينا كنريبوا بوحدنا» .. و»نحن نأمل الآن في أن يتم التعامل مع هذا الملف بجدية أكبر وفي محاولة إيجاد حلول لمختلف العائلات المركبة والحالات التي تم إغفالها وغيرها من المشاكل التي حالت دون الاستفادة وهو ما سيجعلها عرضة للشارع ولمصير اجتماعي جد قاس»، يقول نور الدين. المصدر نفسه قال إن «مصائب قوم عند قوم فوائد»، ففي الوقت الذي كان سكان كاريان السكويلة يقضون لياليهم وهم يبحثون عن وسيلة تخرجهم من هذه الورطة كان غيرهم من مالكي المنازل يقررون في قيمة السومة الكرائية لبعض الغرف في منازلهم بل وحتى «كاراج» وأقباء لا تصلح للسكن لكن سكان كاريان السكويلة كانوا مضطرين للقبول بها، فإما هي أو العيش في الشارع علما أن أغلب الضحايا هم من المعوزين الذين بالكاد يوفرون «كسرة خبز يوم وكأس شاي» ومع ذلك هم اليوم «يلجؤون إلى سياسة تقشف أكثر إجحافا» لتوفير السومة الكرائية. جشع 2000 درهم فما فوق هي السومة الكرائية التي يحددها ملاكو منازل بمنطقة سيدي مومن وأناسي، والغريب أن هذه السومة وما يفوقها تدفع مقابل السكن في مرائب و»كاراجات» لا تصون كرامة السكان، غير أنهم وجدوا في هذه الأخيرة، يقول بعض المكترين، فضاء أرحب وأوسع يكون المكتري قادرا على استغلالها بالشكل المناسب وتجزيئها وفق تصوره وحاجته،علما أن أغلبها تفتقر إلى الماء الذي يتزود به المكترون من صاحبها. يقول أيت حدوش حسن، أحد سكان كاريان السكويلة «أنا اليوم أكتري شقة بمبلغ 2000 درهم أنا وعائلتي المركبة ومع ذلك فهي لا تكفينا والمشكل الأكبر أننا نعجز عن تسديده شهريا، خاصة بعدما انقطعت عن العمل في التجارة الحرة وتفرغت لهذا المشكل والاحتجاجات شبه اليومية». وأضاف «والله عمرني ما دخلت حتى ريال من التجارة للتفرغ لهذا الملف دون أي نتيجة». وأكد حسن أن العديد من السكان الذين هدمت منازلهم «غاضبون» وهم يطالبون الجهات المسؤولة بالتدخل بجدية أكبر في ظل استمرار الاختلالات التي يقول أغلبهم إنها هي من حرمت العديد منهم وهي التي جعلت عملية محاربة دور الصفيح بالدوار الذي تم تهديمه تسير على هذه الشاكلة. زياد يونس، أحد سكان الحي أيضا. تزوج مؤخرا ويقطن هو وأخواه المتزوجان أيضا ووالدته وجدته وباقي أخواته، ليصل مجموع أفراد العائلة إلى أزيد من 10 أشخاص هم اليوم ضيوف «ثقال» على شقيقة له تقطن بالدار البيضاء، علما أن شقتها لا تتجاوز مساحتها 46 مترا. وأضاف أنه ينام رفقة ثمانية أفراد من عائلته في غرفة طولها متران وعرضها متر واحد ونصف المتر «وللجميع أن يتصور كيف نقضي ليلنا علما أننا مقبلون على فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة». ربما يونس أوفر حظا من هشام(اسم مستعار) شاب من ضحايا كاريان السكويلة الذي يقضي أيامه متنقلا بين أصدقائه، علما أن أغلب لياليه يقضيها بسيارة أحد أصدقائه، حيث ينام بها عوض أن يكون عالة على أي أحد، يقول هشام وهو يتحسر على واقعه وهو الشاب المجاز الذي قضى سنوات من حياته في التحصيل الدراسي والجامعي لينتهي به المطاف متشردا في سيارة ليست في ملكيته، بل إنه عاطل عن العمل وعوض أن ينشغل بالبحث عن فرصة عمل، يقضي يومه في الاحتجاج بعد أن أقصي من الاستفادة. احتجاجات وتوقيفات متتالية تتواصل احتجاجات العائلات التي فقدت دورها الصفيحية بشكل شبه يومي مطالبة بإعادة النظر في ملفاتها المطلبية المتعلقة بإعادة الإيواء بعد أن أصبح عدد منهم متخوفا من حرمانه من الاستفادة بعدما «صبروا» على هدم براريكهم و«جعلهم فريسة لجشع المكترين» الذين ما إن علموا بعمليات الهدم المذكورة حتى حددوا سومات كرائية «غير منطقية» دون أن تتدخل أي جهة لردعهم عن ذلك. وأكد عدد من مرحلي الكاريان الذين التقتهم «المساء» أن العديد من التوقيفات والاعتقالات تعرض لها أبناء الحي خلال مجموعة من الوقفات الاحتجاجية، التي قاموا بها بشكل سلمي أمام المقر والتي هي مجرد احتجاج على الطريقة التي يتم بها التعامل مع هذا الملف. كيف تم هدم السكويلة ؟ عند انطلاقة مشروع إيواء قاطني دوار السكويلة كان يتم هدم البراكة بعد نقاش مع صاحبها مع تمكينه من محضر الهدم وورقة الاستفادة ورقم البقعة التي سيستفيد منها إلا أن كل هذا لم يحدث مع سكان السكويلة، في الوقت الذي تمت فيه عملية الهدم باستعمال «الترهيب والقوة» والتزم السكان الصمت درءا لأي مشاكل بعدما توسموا خيرا بالوعود الشفوية التي قدمها لهم رئيس اللجنة المحلية، غير أن صمتهم تسبب لهم في «تشريد أسرهم وانقطاع عدد من التلاميذ عن الدراسة بسبب عجز أسرهم عن توفير السكن، خاصة أولئك الذين عادوا إلى القرى فارين من خطر الشارع». يقول عبد المالك لبدع: «لم نتسلم أي شيء لا سومة الكراء ولا ورقة الهدم ولا أي شيء. نحن نتحدى أي مسؤول يقول العكس بالنسبة إلى من هدمت دورهم خلال شهر يناير الماضي وشهر دجنبر الماضي وذلك عكس ما تم تناقله عبر بعض وسائل الإعلام من طرف بعض المسؤولين» ماذا بعد الهدم ؟ بعد هدم دوار السكويلة، يقول هشام استبشرت ساكنة الحي خيرا عند انطلاقة مشروع مدن بدون صفيح بمبادرة الملك محمد السادس لحفظ كرامة هذه الفئة، التي ظلت تعاني في صمت لأزيد من نصف قرن غير أنها وجدت نفسها في الشارع لا تملك أي مأوى ولا «براكة» بسبب ارتفاع سومة الكراء وخاصة بعد تنصل الجهات المسؤولة من الوعود التي قدمتها من قبل، مما دفعها إلى خوض احتجاجات واعتصامات التي للأسف، يقول هشام: «لا تشفي فيها أي جهة غليلهم في الإجابة عن تساؤلاتها». وأضافوا أن أغلب المسؤولين «يتمنعون» عن استقبال السكان ودراسة مشاكلهم وكنتيجة لهذه الاحتجاجات طلب الكاتب العام بعمالة مقاطعات سيدي البرنوصي، حسب المصدر نفسه، من المحتجين تشكيل لجنة للحوار حيث قامت هذه الأخيرة بجمع الملفات ودراستها وإحالتها على العامل عن طريق رئيس مقاطعة سيدي مومن بعد أن تعذر لقاؤه غير أن أعضاء هذه اللجنة فوجئوا بعد هذه الخطوة، يضيف المصدر نفسه، وبعد أن ظل باب الحوار موصدا بأنهم «عرضة للانتقام بعد أن تم إقصاء مجموعة منهم من إجراء القرعة كما أنه تتم دراسة ملفاتهم بطريقة سلبية». كيفية الاستفادة عند انطلاقة مشروع إيواء قاطني دوار السكويلة تم اعتماد المعيار الأول المتمثل في «استفادة كل براكة من نصف بقعة مساحتها 84 م»، يقول بعض أبناء الحي، وهو ما أدى إلى إقصاء عدة أسر من الاستفادة، وهو الأمر الذي رفضه معظم السكان خاصة أن العديد من الأسر تعيش داخل البراكة نفسها مما دفع بالسلطات إلى تغيير المعايير المعتمدة إلى معيار آخر يتمثل في» استفادة كل أسرة محصية أو براكة أو أسرة تتوفر على عقد زواج قبل سنة 2007 من نصف بقعة مساحتها 84 م « مما أدى إلى إقصاء الأسر التي تم تكوينها بين سنة 2008 و سنة 2013 التي أصبحت تطالب بحقها في الاستفادة، خاصة أن بعض هذه الأسر استفادت من نصف بقعة مساحتها 84 م. حرمان البعض الآخر نتجت عنه ضبابية في المعايير المعتمدة، إضافة إلى استفادة جهات أخرى كانت هي اليد المحركة خلال عملية الإحصاء ومن بينهم بعض أعوان السلطة وكذا بعض أعضاء لجنة الحكامة وبعض السماسرة.. تقول المصادر ذاتها. الحالات العالقة هشام أكد أن حل هذا الملف قرين بإيجاد حلول لمختلف القضايا العالقة، التي تم استثناؤها من الاستفادة، وهي حالات تتعلق بأرامل ومطلقات ومعتقلين سياسيين ومهاجرين في الخارج تم استثناء أسرهم وأطفالهم، الذين ظلوا يعيشون في كاريان السكويلة. وحسب مصدر مقرب فإن بعض الحالات اجتماعية و«جد إنسانية» وبحاجة إلى إيجاد حلول عاجلة خاصة بالنسبة للأرامل اللواتي يعلن أطفالا صغارا ولا دخل لهن، ومنهم إحدى السيدات الأرامل التي لها أطفال أيتام واكترت بمبلغ 1500 درهم، علما أنها مجرد منظفة. وطالب المحتجون بضرورة معالجة ملفهم لوضع حد لمعاناتهم في ظل هدم مساكنهم وتعرضهم للتشتت العائلي. وأفادت بعض المصادر المسؤولة بأن بعض هؤلاء المحتجين لم يستفيدوا على غرار مواطنين آخرين، نظرا لأنه لم يشملهم إحصاء 2006 اعتبارا لأنهم أبرموا عقود زواجهم بعد الإحصاء المذكور وكان من الطبيعي ألا يشملهم الإحصاء. وأضافت المصادر ذاتها أن بعض الأسر استقرت بدوار السكويلة بطرق «غير قانونية» ومن الطبيعي ألا يشملها أيضا الإحصاء والاستفادة. غضب عارم عبر عدد من سكان كاريان السكويلة الذين فقدوا استقرارهم عقب عملية «هدم آخر براكة بالسكويلة» عن غضبهم الشديد بسبب وضعهم الراهن وعلى الطريقة «البطيئة» التي تسير بها العملية في الوقت الذي يعيش مئات المواطنين أوضاعا مأساوية، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بما يقارب ثلث سكان السكويلة، لأن بلوك 1 و 2 و3 و4 وهم الأصليون في السكويلة كانوا لايزالون يستقرون به إلى أن فوجئوا بالهدم بعد أن استعانت السلطات المحلية في وقت سابق بالجرافات لهدم العديد من البراريك بالدوار المذكور تجنبا للدخول في مواجهات مع أصحاب المساكن التي تم هدمها والذين تجنبوا الاحتجاج أو مواجهة قرار الهدم، يقينا منهم أن المسؤولين سيلتزمون بإيجاد حلول لهم وفق ما تلقوه من وعود. المتضررون قالوا إنهم لا يفهمون لماذا لم يستفيدوا من بعض المشاريع السكنية التي كانت جاهزة، في الوقت الذي عرضت عليهم شقق بتيط مليل في الخلاء، لأنها بعيدة كل البعد عن مظاهر الحضارة وعن المرافق الاجتماعية و«نحن رفضنا القبول بها» لأنها مناطق نائية. السكان قالوا إنهم فوجئوا بمجموعة من الاختلالات مازالت تجري لحد الآن وإنهم يلتمسون التفاتة ملكية حتى يستفيدوا بالشكل المطلوب ودون أن يتم إغفالهم من جديد. غادرت «المساء» المتضررين وهم يرددون أسئلة عدة ويطالبون بأجوبة، ما مصير دفتر التحملات الذي وقعته وزارة السكنى مع شركة معروفة؟ وعلى أي أساس وجد؟ نريد أن تتم مقارنته مع الواقع الحالي..