خيمة «عملاقة» يعلوها السواد هي مثار تساؤل كل عابر من حي سيدي مومن القديم، وبالضبط بالزنقة 1 الرقم 60 بالدارالبيضاء، التي تنطق بلسان فصيح عن كل مظاهر الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي، على الأقل حين يغيب «الحق في السكن الكريم»، مثلما تجعل تساؤلات كثيرة تتناسل تباعا عن سيرورة برامج السكن الاجتماعي وعن جدواها في ظل استمرار وجود دور صفيحية حبلى ب«الإهانات» لكل قاطنيها. 14 عائلة تعيش في الشارع العام في حضن خيمة بلاستيكية «سوداء» نظير حظهم «العاثر»، جادت بها أيادي المحسنين للتخفيف من قسوة البرد على هؤلاء الضحايا الذين يقدرون بحوالي 100 فرد، من بينهم أطفال في عمر البراءة وشباب وشابات في عمر الزهور، وكهول وشيوخ ما عادوا يملكون القدرة الجسدية لتحمل المتاعب والمعاناة. وأرامل جفت دموعهن بعد نواح طويل حسرة على «دواير الزمان» التي انتهت بهن في الشارع في غياب الأزواج لأزيد من أسبوعين الآن بعدما شبت النيران في «الجحر» الذي كان يقيهن من «عار» العيش في الشارع هن وأطفالهن. كل هذه المعاناة «لم تحرك ساكنا في الجهات المسؤولة»، التي أكد السكان أنها طالبتهم بالعودة إلى «إعمار الجحر»، الذي غادروه خوفا من أن تزهق أرواحهم بداخله بعدما كادوا «يُحرقون» بداخله «دفعة واحدة»، عندما التهمت النيران أغلب ما يملكون وفروا بجلودهم «قفزا» من «ثقوب» و«رموا بأطفالهم من هذه الثقوب حيث تلقفتهم أياد من الخارج». «قنبلة موقوتة» «المساء» دخلت إلى المنزل «القنبلة» رغم الاهتزازات التي يعرفها، والذي غادرته ال«14 أسرة» من شدة الخوف بعد التشققات التي ظهرت على جدرانه إثر الحريق الذي شب نتيجة تماس كهربائي في ال04 من مارس الجاري. المنزل المذكور يمكن أن يحمل أي اسم آخر غير منزل يؤوي بني البشر، فهو مجرد «خربة» أو «غار» ل«حيوانات» وليس لآدميين، لكن الفقر والقدر جمع حوالي 100 شخص تحتمي بهذا المنزل «الغريب» لأزيد من 50 سنة، الذي يلقب ب«العمارة العوجة»، لأنه يتألف من ثلاثة طوابق ويبدو كأنه على وشك الانهيار. «المساء» عجزت عن الوصول إلى الطابق الثاني والثالث، نظرا لأن مسالكه جد ضيقة، وأرضيته عبارة عن «قصدير وأعمدة خشبية وإسمنت»، إلى درجة أن كل خطوة توازيها اهتزازات، كما أن الجدران عبارة عن قصدير وقش، أما النوافذ فهي مجرد ثقوب وتطل على مساكن قصديرية تعلوها الأحجار. بصعوبة بالغة تصعد إلى الطابق الأول عبر درج لا يتجاوز عرضه بضعة سنتيمترات ولن تتمكن من الوصول إلى الغرف التي كان يقطنها السكان إن لم تنحن وتضم رقبتك إلى كتلة جسدك، وإن أردت الدخول إلى إحدى هذه الغرف فكأنك تتخطى عتبة ولي صالح، إذ تقع الغرف في منحدر بعمق حوالي نصف متر، وخلاصة القول أن «العمارة العوجة» هي «عوجة» بالفعل و«لن يستقيم رجوع هذه الأسر إليها إلا إذا تمت إعادة هيكلتها بشكل يستجيب لمواصفات السلامة والكرامة». «عمارة بلا مراحيض» سكان «العمارة العوجة» الذين استقبلوا «المساء» سردوا مجموعة من المغامرات والقفشات من «المضحكات المبكيات» على طول استقرارهم بهذا السكن «الغريب»، ومن أغرب ما حكوه أنه على اختلاف المدد التي قضاها كل منهم بهذه العمارة فقد ظلوا يقضون حاجاتهم الخاصة في الغرف نفسها التي يقطنون بها بسبب غياب المراحيض. فمن البديهيات التي تكون في السكن المشترك وجود مرحاض بكل شقة غير أنه من الغريب جدا أن تجد سكنا يضم عدة طوابق دون أن تجد مرحاضا واحدا به ل«يتناوب عليه السكان». سكان «العمارة العوجة» مراحيضهم كانت عبارة عن أوان بلاستيكية «سطولة» وعن «أكياس بلاستيكية»، والمصب المشترك الذي يتم التخلص فيه من هذه الحاجيات الطبيعية- التي تمنى السكان لو «تم إعفاؤهم منها رفعا للإحراج والضرر»- هو «مجرى للمياه يوجد في مدخل الزنقة وهو مصب مكشوف عبارة عن أنبوب بلاستيكي كانت تصدر منه روائح جد كريهة وطالما «فاض بسبب كثرة الضغط». تقول إحدى القاطنات بالعمارة المذكورة، بعدما طلبت من بعض الرجال المغادرة للاستفاضة في هذا الموضوع، وكيف أنهم يعانون من إحراج حقيقي كلما أرادوا قضاء حاجتهم الطبيعية لأن هذه العملية تتم بالغرف باستعمال أوان بلاستيكية وسط الترقب خشية أن يدخل أحد أفراد الأسرة الذين يغادرون الغرفة في انتظار أن يقضي الأب أو الأم أو الابنة أو الابن حاجتهم. الغرف نفسها تتحول إلى حمامات حيث يستحم فيها الجميع، علما أن مساحتها لا تتجاوز المترين وهي «تسع» لكل أفراد الأسرة مهما كان عددهم حتى ولو ناموا عن طريق «التناوب». تقول السيدة نفسها «لازمنا الصبر في جميع هذه الحالات لأننا فقراء لكنا اليوم لا يمكن أن نلتزم الصبر لأننا مهددون في أرواحنا والمنزل قابل للانهيار في أي لحظة خاصة بعد الحريق الذي شب فيه وفقدنا كل شيء». «عيشة الدبانة في البطانة» ببراءة الأطفال، تقول ثورية الزكري(12 سنة)، «الحيوانات تعيش حياة أفضل منا»، «نحن مجرد أصوات يسألون عنا مع اقتراب موعد الانتخابات والآن ونحن في أشد المحن لا أحد يسأل عنا رغم توسلاتنا». بلكنة عصبية ثائرة وغصة في النفس تتساءل الطفلة الصغيرة عن معنى «المواطنة» وعن جدوى «حقوق الإنسان» ما دام آدميون من طينتهم يصطفون ك«قطع من السردين داخل خيام بلاستيكية وسط أجواء مرعبة» منذ مدة دون أن تحرك الغيرة السلطات المحلية بالمنطقة وتبحث لهم عن حلول بديلة عوض البقاء في الشارع لأنهم «مهددون في حياتهم». ثورية اشتكت من التأثير الجانبي لهذا الوضع على تحصيلها الدراسي وقالت إنها كانت تحصل على معدل 7/10 و8/10 غير أن معدلات الامتحانات لهذه السنة وهي على مشارف اجتياز امتحان السادس ابتدائي «لا تبشر بالخير» لأن أغلب نقطها 4/10 ، لأنها تعجز عن تحضير دروسها والاستعداد للامتحانات على ضوء الشموع ووسط صراخ الرضع، لأن كل خيمة تضم ثلاث أو أربع أسر مختلفة. يقول حنفي مصطفى (أحد المتضررين):» حقوق الإنسان توجد على شاشة التلفزة فقط أما في الواقع فلا وجود لها وخير دليل على ذلك أننا مازلنا في الشارع نحن وأطفالنا الصغار. هم يطلبون منا العودة إلى المنزل العشوائي الذي هو في الحقيقة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة علينا». ويضيف أن بعض الجهات تطالبهم بمغادرة المكان وإخلاء الشارع العام واللجوء إلى كراء غرف بأحياء مجاورة، «علما أنها تعرف بأننا فقراء فأغلبنا مياومون وبالكاد نوفر قوت أطفالنا اليومي، فكيف يمكننا توفير مبلغ 1000 درهم في الشهر لاكتراء غرفة». ويستطرد «نريد حلولا لأننا مواطنون مغاربة. نحن لا نحس بآدميتنا لأننا نعيش عيشة الدبانة في البطانة». الضحايا لم يخفوا أن غرباء حاولوا الهجوم على خيامهم على الرغم من أنهم شكلوا لجنة حراسة فيما بينهم، ولهذا السبب تقول إحدى الضحايا:«إننا نقضي ليالي بيضاء حرصا على بناتنا، علما أن بعضهن رفضن العيش معنا تجنبا للإهانة». «القمل والبرغوت» «البرغوت والقمل كْلانا وكْلا وْلِيداتنا في هذ الزنقة»، تقول مينة عاطر(إحدى الضحايا)، مؤكدة أن الضحايا الأكثر تضررا من هذه الحشرات هم الأطفال الصغار والرضع الذين ظهرت عليهم طفوح جلدية، بل إنهم يحرمون من النوم بسبب لدغات هذه الحشرات التي هي للإشارة كانت موجودة بالعمارة «العوجة» لكنها اليوم تكاثرت بشكل أكبر. الطفلة ثورية وهي تلبس وزرتها البيضاء وقد عادت لتوها من المدرسة تقول إنها «تحس بالعار» وقد ظهرت نقط حمراء من الدم بسبب «البرغوت» و«القمل» إضافة إلى المرق الذي يُسكب على ملابسها في غفلة منها بسبب ضوء الشموع الذي لم تألفه. تقول «أمي لم تنظف ملابسي منذ مدة لعدم وجود الماء. أنا أذهب إلى المدرسة بهذه الهيئة المتسخة» وهي تشير إلى بذلتها المدرسية التي مازالت تحتفظ ببعض بياضها. الشرادي رابحة (مسنة، صاحبة محل تجاري) ظلت طوال الوقت تتفقد سلعتها التي كسدت بسبب النيران، وما تبقى فقد ابتل بفعل المياه التي أخمدت تلك النيران بعد تدخل عناصر الوقاية المدنية، أكدت أنها «فقيرة جدا حالها حال باقي الأسر الأخرى»، وأنها خسرت ما يفوق 30 ألف درهم من السلع، علما أنها هي من تعيل نفسها بنفسها وأنها اليوم تكاد «تموت جوعا مثل باقي العائلات التي لا تجد ما تسد به رمقها». «نريد فقط براكة بدل الشارع» أفرشة مبتلة رثة، وأعمدة خشبية، وألواح مسطحة وصناديق، وقطع من البلاستيك ..ووجوه «غاضبة» يعلوها السواد و«الترقب».. على بعد أمتار قليلة من إحدى المدارس الخاصة بسيدي مومن القديم بالدارالبيضاء حط حوالي 100 فرد من أصل 14 أسرة تستقر بمنزل يسمى ب«العمارة العوجة» ما تبقى من حاجياتهم التي التهمتها النيران إثر الحريق الذي شب في العمارة، (حطوا) هنا هروبا من «الموت» في انتظار أن تتدخل الجهات المسؤولة وتتعامل معهم ك«حالة شاذة» على أساس إعادة إيوائهم ولو في «براريك»، تقول إحدى الضحايا بعينين مغرورقتين من شدة الألم، في حال تعذر عليها توفير سكن لهم، وهي التي مازالت تعيش حالة من الرعب على زوجها المعاق (العسولي فؤاد) الذي لم يمض على إجرائه عملية جراحية بترت على إثرها رجله اليسرى، والذي رفض مغادرة المنزل قائلا «أنا ميت ميت اللهم نموت في بيتي» خوفا من أن «تتعفن رجله». العديد من النسوة غادرن «خيامهن» من أجل جلب الصدقة التي يواظب العديد من المحسنين على إخراجها للمساكين والفقراء في هذا اليوم المبارك، لكن الصدقة كانت تختلف تماما عن المعهود، فهي عبارة عن ألواح خشبية، كانت النسوة بالكاد تستطيع جرها من أجل افتراشها بالشارع العام تجنبا للرطوبة وتسرب مياه الأمطار إلى أفرشتهم بالخيام التي أضحت اليوم هي مستقرهم بعدما غادروا «الجحر» الذي كن يعشن فيه هن وأسرهن خوفا من أن ينهار فوق رؤوسهم بعدما ظلوا لسنوات يلتزمون الصبر على الحرمان وعلى المرض حيث إن أغلب الأطفال مصابون بأمراض الحساسية. «فيلا» ب«دوار فكيك» أزيد من 80 أسرة تقطن بدوار «فكيك» بعين السبع بالدارالبيضاء ب«أقفاص» صفيحية متراصة وسط أزقة جد ضيقة لا تتجاوز المتر الواحد، الدخول إليها أشبه بالتوغل في متاهة «لن تخرج منها». ما يثير الاستغراب بهذا الحي الصفيحي الذي يتوسط عددا من الفيلات، أنه بذلك المدخل الضيق بشارع تيزي أوسلي توجد منازل صفيحية، وبمجرد ما تطأ قدماك مدخله الذي يشير سهما بجداره إلى وجود محل للبقالة بداخل هذا الحي يثيرك مشهد هذه المنازل، ويغريك بالدخول إليها لاكتشاف هندستها، والتي لا شك ستثير استغرابك واندهاشك نظرا للطريقة التي يتعايش فيها السكان مع ضيق المساحة، حيث إن المساكن تبدو لك وكأنها لعبة أطفال من البلاستيك . يقول بوشعيب نوري، فاعل جمعوي وحقوقي من سكان الدوار المذكور، «بقا غير لْعَلاًقًاتْ في هذ الحي ما داروهمش الناس في الحيط باش يْعَلقوا فيهم ولادهم باش يزيدو في المساحة أما السدات راه كلشي دايرهم»، ويضيف «سيلونات عكاشة أرحم من العيش بمنازل هذا الحي، نظرا لضيق المساحة التي لا تزيد عن المترين بأغلب المنازل». وتضيف إحدى القاطنات بالحي وقد فتحت باب منزل أختها التي تعيش رفقة ابنها الشاب(25 سنة) الذي هو في الأصل ليس سوى غرفة لا تزيد مساحتها عن متر ونصف تعيش فيه الأخت وابنها الشاب بشكل «مهين» بلا مرحاض ولا مطبخ وباب الغرفة هو نفسه الباب الخارجي للمنزل. قهر ومرض أطفال ذوو بشرة صفراء وعيون «ذابلة» يتحركون في ازدحام أمام «أقفاص صفيحية»، أغلبهم مرضى بالحساسية وكثير منهم يعاني من مرض السل أو سبق أن أصيب به، والسبب أن أجسامهم الصغيرة لا تتعرض لأشعة الشمس لأن منازلهم غير مكيفة ولا تدخلها أشعة الشمس طيلة اليوم. يضيف نوري» أغلب الآباء لا ينتبهون إلى أطفالهم المرضى الذين يغطي الاصفرار أجسامهم الصغيرة مثلما يعلو عيونهم. المصدر ذاته طالب الجهات المسؤولة بالعمل على زيارة الحي والتأكد من صحة هذا الأمر، علما أن مرضا آخر ينتشر بين السكان وهو ظهور قروح وطفوح جلدية وهي التي تتسبب في عواقب تكون سببا في بتر أطراف المصابين أو في وفاتهم مثلما حصل مؤخرا حيث أهلك أحد سكان الحي بعد تعفنات طالت أطرافه السفلى حيث ظل يعاني في صمت إلى أن هلك وخلف زوجته الشابة وطفلة صغيرة يقل عمرها عن أربع سنوات، وهو المرض نفسه الذي يعاني منه شيخ بالحي، ومازال المرض ينخر رجله اليمنى. مجموعة من سكان هذا الحي أكدت ل«المساء» قولها «نحن نفضل الموت على الحياة بشكلها الحالي»، غير أن الفقر والحاجة إلى الاستقرار يظل العامل في قبول هذا الوضع على «مضض». احتجاجات بسبب الصرف الصحي مع كل تساقطات مطرية «تفيض» مياه الصرف الصحي على سكان الحي ، وهو ما يجعل السكان يخلون مساكنهم خاصة أن الأحياء ضيقة ويمكن أن تشكل خطرا عليهم وعلى أطفالهم في حالة وقوع فيضانات. هذا الأمر حدث الأسبوع الماضي مما اضطر بعض السكان إلى الخروج إلى الشارع في الثانية بعد منتصف الليل حيث تمددوا به مطالبين بتدخل الجهات المسؤولة التي لم تلتحق بالحي الصفيحي، تقول فاطمة زوال(أرملة من سكان الحي) إلا بعدما احتج الضحايا وخرجوا للاحتجاج في الظلام وتمددوا بالشارع العام. اختناق مجاري المياه يحدث باستمرار بهذا الحي وهو ما يشكل خطرا على حياة السكان الذين بالكاد يتحركون وسط منازلهم حيث منهم من اضطر إلى إنجاز طوابق خشبية بالمنزل على الرغم من الخطر الذي قد تشكله على حياتهم. السرقة عدد من سكان دوار فكيك أكدوا أن السرقة انتشرت مؤخرا بالحي بشكل غير مسبوق، مما يستوجب معه تدخل الجهات المسؤولة من أجل حماية السكان، وتدخلها من أجل إعادة إسكان هذه الفئة من المجتمع، مطالبين بتشكيل لجنة خاصة للوقوف على مظاهر البؤس «الحقيقي» لسكان هذا الدوار والخطر الصحي والنفسي الذي يترتب عن العيش في هذا الحي اعتبارا لظروفهم الاجتماعية وعجزهم عن توفير سكن لائق يصون كرامتهم ويحميهم من الأسقام والأمراض المعدية. مقاربة «عشوائية» تأخرت نتائج برنامج «مدن بدون صفيح»، وهو يسير بطريقة «سلحفاتية»، يقول أحد الفاعلين الجمعويين بسيدي مومن بالدارالبيضاء، والنتيجة تراكم المشاكل و«المآسي» فحتى كاريان السكويلة الذي تم إخلاؤه من ساكنته مازال مستقبل المرحلين «معلقا حتى حين» فكانت «الأزمة»، إذ إن مئات السكان الآن يئنون تحت وضع «كارثي» بعدما تعذر عليهم اليوم الاستمرار في أداء السومة الكرائية لغرف «بئيسة» لا تكفي أفراد الأسرة، غير أنهم تأقلموا مع أوضاعهم لكن المشكل الأساسي يكمن في عجزهم عن تسديد مؤخر كل شهر. ويضيف المصدر نفسه أن السلطات المسؤولة تتعامل بنوع من «العشوائية» مع ملف ضخم وحساس واجتماعي بالدرجة الأولى، إذ كيف يعقل أن يتم هدم دور عشوائية وتشريد قاطنيها دون وضع حلول بديلة، علما أن أشغال تهيئة الوعاء العقاري ستستغرق قرابة السنتين. ضحايا كاريان السكويلة الذين هدمت منازلهم يكترون بشكل جماعي مرائب بالمنطقة ويعيشون وضعا «جد مهين» وبصورة «مقززة» ولا يمكن لأي آدمي أن يتحملها، مثلما كان من واجب السلطات المسؤولة أن تفكر في النتائج قبل أن تقدم على الهدم. احتجاج مازالت ساكنة سيدي مومن القديم ومعها مجموعة من الأحياء الصفيحية الأخرى بولاية الدارالبيضاء، (دوار فكيك، دوار بيطرا، دوار العربي بن امسيك، دوار ابويه، كريان طوما، كريان الرحامنة ..) تعقد الأمل على تدخل الجهات المسؤولة لإيجاد حلول لها بعدما تشتت أفرادها، ما بين رافض وقابل للوضع، مما جعلهم يخرجون للاحتجاج نظرا لأنهم لم يحصلوا على أي ضمانات قانونية للاستفادة من السكن، عدد من المتضرّرين نزلوا إلى الشارع تعبيرا عن احتجاجهم على ما وصفوه ب«إقصاء» مجموعة من الحالات الإنسانية والاجتماعية، حيث أكد العديد من المحتجّين، في اتصالات ب«المساء»، أن عدة أسر تعيش في الشارع منذ أن تم هدم دورها الصفيحية. وقد استنجد المُحتجّون بالملك، مطالبين ب«إنقاذهم من التشرد». وصرّح بعض المنتخبين ل«المساء» بأن الملف يأخذ طابعا «خطيرا» بسبب حجم معاناة المُرَحَّلين، وقد أضحى «أزمة اجتماعية في منطقة سيدي مومن». وأكد المحتجّون أنفسُهم أنّ من بين المقصيّين الذين تم هدم دُورهم الصفيحية «أيتام وأرامل ومطلقات وأشخاص في وضعية إعاقة»، في الوقت الذي فوجئ هؤلاء باستفادة «عزاب وعازبات، بل وأشخاص آخرين لم يسبق لهم أن قطنوا بهذا الحي نهائيا». وطالب المحتجّون الجهات العليا بالتدخل من أجل فتح تحقيق نزيه في هذا الملف والوقوف على الاختلالات التي قالوا إنها «الميزة التي تطبع برنامج إعادة إسكان دور الصفيح في دوار السكويلة». وعبّرت المصادر ذاتها عن استنكارها ما وصفته ب«الطريقة التي تتم بها صياغة هذا الملف»، مؤكدين أن «الهدم تم دون مراعاة وضعيات المتضررين وحالة التشرد التي وجدوا أنفسهم فيها مباشرة بعد عملية الهدم»، مؤكدين أن أغلبهم يعانون مع أطفالهم في الشارع «دون رحمة»، خاصة مَن تعذر عليهم توفير سكن لائق بسبب ارتفاع السومة الكرائية، موازاة مع الطلب المكثف على السكن بسبب عملية هدم آخر براكة في دوار السكويلة. وعبر المُتضرّرون عن عزمهم على مواصلة الاحتجاج والتصعيد إلى أن تتم الاستجابة لمطلبهم الاجتماعيّ في الاستفادة وفي توفير سكن لائق، بعدما وقفوا على جملة من الاختلالات التي جعلت أوضاعهم أكثر سوءا من السابق، بعدما كانوا -على الأقلّ- يحتمون بصفيح قصديريّ يقيهم من شر الشارع ومن توفير سومة كرائية يعجزون عن أدائها. غرف إسمنتية «مهينة» السكن غير اللائق لا يعني بالضرورة العيش في أحياء الصفيح، بل إن آلاف المغاربة بالدارالبيضاء على وجه التحديد يعيشون في دور لا تصلح للسكن الكريم، ومن هؤلاء من يقطن بالمدينة القديمة وبدرب السلطان وبأحياء تاريخية، بل إن الأمر يتعدى ذلك ليطال أحياء حديثة العهد.. ومع ذلك يعيش مغاربة من طبقات «جد فقيرة» في غرف لا تتجاوز مساحتها المتر أحيانا، وتجدهم يتناوبون على المرحاض ويجعلون من غرفتهم الوحيدة غرفة للنوم والجلوس والطبخ وأشياء أخرى. مصادر حقوقية أكدت ل«المساء» أن الدولة مطالبة بالعمل على إيجاد صيغة مناسبة لمحاربة هذا النوع من السكن من خلال خلق برامج للسكن الاقتصادي بأثمنة مناسبة وموجهة لهذه الفئة تحديدا على أن تتم بكل شفافية ونزاهة «ترميما» لأحاسيس ومشاعر فئات عريضة من المجتمع المغربي التي تصنف نفسها في خانة «المتخلى عنها». تقول سعيدة (أم لأربعة أطفال): «قضيت أزيد من 10 سنوات في العيش بغرفة بالحي المحمدي ومازلت أقطن بها لحد الآن رغم أن مساحتها لا تتجاوز ثلاثة أمتار، حتى أننا نجد إحراجا كبيرا في قضاء حاجاتنا الطبيعية بسبب كثرة السكان بالشقة التي أكتري بها غرفة والضغط على المرحاض الوحيد بها، علما أنه هو نفسه الذي نتزود منه بالماء الذي نستهلكه. نحن نعتبر أنفسنا مواطنين من الدرجة ال«10» أو أكثر، لأننا لا ننعم بالعيش الكريم ولا بالراحة ولا بطعم الحياة وطعم الإنسانية أصلا».
بريجة* : نحن أمام تحد كبير والوعاء العقاري والاختلالات العائق الأكبر
- نلاحظ أن مدينة الدارالبيضاء مازالت تلبس عباءة السكن العشوائي، خاصة «دور الصفيح» على الرغم من إحداث شركة إدماج السكن. أين يوجد المشكل؟ صحيح أن الدارالبيضاء لم تتخلص نهائيا لحد الآن من مشكل السكن العشوائي، غير أن هذا لا يعني أن الدولة تتهاون في هذا الملف، بل على العكس تماما فهي ولازالت تواصل مجهودات جبارة في هذا الاتجاه رغم وجود مجموعة من المشاكل والمعيقات التي تعرقل السير العادي لبرنامج الحكومة القاضي بالقضاء على السكن العشوائي في المغرب بشكل عام وليس في العاصمة الاقتصادية لوحدها. دليل المجهودات التي تقوم بها الحكومة المغربية في هذا الاتجاه أن دور الصفيح تراجعت من 102 ألف براكة على صعيد الدارالبيضاء إلى 34 ألف براكة الآن ابتداء من سنة 2004، حيث إن المجهودات التي بذلتها الدولة المغربية كبيرة خلال السنوات العشر الأخيرة. المشكل الحقيقي الذي تصطدم به السلطات المسؤولة في هذا الملف هو رفض عدد كبير من سكان الصفيح مقترح السكن الاقتصادي ومطالبتهم بالاستفادة من بقع أرضية، علما أن وزارة السكنى والتجهيز هي التي تقرر كيفية الاستفادة اعتمادا على شقق أو على بقع أرضية، هذا الرفض الذي تطور إلى احتجاجات للتعبير عن رفض الشقق عرقل العملية، حيث إن عمل شركة إدماج السكن التي تكفلت بإعادة هيكلة بعض الأحياء الصفيحية، ونذكر منها على سبيل المثال سيدي مومن القديم الذي توجد به «العمارة العوجة»، توقف علما أن الشركة المذكورة أنجزت اتفاقية إعادة الهيكلة وكانت قد بدأت في الاشتغال، غير أنها توقفت بسبب احتجاج السكان لمدة أربع سنوات الآن مما جعل برنامج إعادة السكن يتوقف. - «العمارة العوجة» يقطن بها حوالي 100 شخص بشكل «جد مهين» هل ترضى مقاطعة سيدي مومن لمواطنيها تلك الوضعية، خاصة بعدما هجروها وهم الآن يعيشون في الشارع بشكل مأساوي؟ بالطبع لا نرضى ذلك. ولن نرضاه لأي مواطن مغربي. «العمارة العوجة» تدخل في إطار إعادة هيكلة سيدي مومن القديم الذي تكفلت به شركة إدماج السكن، والمشكل الحقيقي بهذه العمارة هو أن عددا كبيرا من الأسر يقطن بها وكلها أسر فقيرة وإمكانياتها جد ضعيفة وهي مبرمجة في إطار إعادة الهيكلة أي أنها يجب أن تهدم ويعاد بناؤها بشكل يستجيب للمواصفات الجاري بها العمل في هذا الإطار، خاصة أنها من ضمن المنازل المبرمجة لإعادة الهيكلة وأن لجنة خاصة قامت بزيارتها وأكدت إمكانية إصلاحها وتهيئتها. ونحن سنعمل في غضون الأيام القليلة المقبلة على إعادة ترميمها وإيجاد بديل لسكانها، علما أن هذا ليس من اختصاصاتنا. - ما هي العراقيل التي تعثر برنامج القضاء على دور الصفيح بالبيضاء؟ وأين وصل البرنامج الآن؟ نحن أمام تحد كبير. وأهم المشاكل التي نصطدم بها هي التأخر في إنجاز التجزئات السكنية المخصصة لهذه البرامج، كما أن المدة التي يتم فيها تجهيز هذه التجزئات هي التي تزيد من التفريخ وتفاقم المشاكل والعائلات المركبة، وكذا قلة الوعاء العقاري وتعقيد المساطر والتطهير العقاري، فمثلا الآن بكاريان السكويلة بعد عملية الهدم النهائي الأشغال تسير بشكل جيد والتجزئة ستكون جاهزة خلال ستة أشهر، علما أن بعض الإشاعات تروج أكاذيب تتعلق بامتداد الأشغال إلى سنتين. سكان أحياء الصفيح يتحملون أيضا قسطا من المسؤولية في تأخر هذا البرنامج لأنهم يزرعون العراقيل أمام السلطات المسؤولة، وأهمها مشكل العائلات المركبة فكل عائلة تطالب بالاستفادة هي وكافة أبنائها وهو ما يصعب تحقيقه، خاصة إذا كان هؤلاء الأبناء غير محصيين. عموما هناك عراقيل مثلما هناك اختلالات لا يمكن إنكارها. الآن اختفت آخر براكة بدوار السكويلة الذي كان مبرمجا ضمن الاتفاقية الأولى والثانية اللتين تم توقيعهما أمام جلالة الملك محمد السادس، فالأولى جرى التوقيع عليها في 2006 والتي تهم القضاء على دور الصفيح في كل من (طوما، السكويلة، زرابة، باشكو، وكاريان سنطرال، وكاريان الرحامنة)، والاتفاقية الثانية والنهائية التي تم توقيعها في 2010 أصبحت الآن مفعلة وهي تهم القضاء على ما تبقى من دور الصفيح بجهة الدارالبيضاء الكبرى. - ألا تسجلون معي وجود نوع من الارتباك في تنزيل مضمون هاتين الاتفاقيتين اعتبارا لأنه لم يتم الانتهاء من الاتفاقية الأولى حتى تم تفعيل الثانية، نظرا لأنه لم يتم «إعدام» الأحياء الصفيحية التي تضمنتها الاتفاقية الأولى؟ بالفعل فالاتفاقية الأولى ظهرت فيها العائلات المركبة والكثير من الاختلالات. وهذا الأمر ظل نقطة خلاف بيني وبين بعض الجهات المسؤولة، وعموما فإن مجهودات كبيرة تبذل في هذا الاتجاه ولا يجب إنكارها بتعاون بين الحكومة والوزارة الوصية وكذا السلطات المحلية المسؤولة ومكتب الدراسات ولجنة الحكماء. فتراجع دور الصفيح من 102 ألف براكة إلى 34 ألف براكة بالبيضاء هو إنجاز لا يمكن تجاهله، وسيدي مومن الذي يعد أسوأ نقطة على الصعيد المحلي والوطني تراجعت فيه دور الصفيح من 23 آلف براكة إلى 7 آلاف براكة. - السكن غير اللائق لا يعني بالضرورة أن يكون صفيحيا، بل هناك الملايين من المغاربة يعيشون في غرف إسمنتية لا تتجاوز المترين ما البرامج التي يمكن أن توجه لهذه الفئة لتعيش بكرامة؟ نحن فكرنا أيضا في هذه الفئة وهي مستهدفة من خلال برامج السكن الاقتصادي التي تبرمجها الحكومة ب14 مليون سنتيم وهي موجهة للفئات محدودة الدخل، حاليا أجريت القرعة ل300 شخص للاستفادة من هذا السكن الاقتصادي بالعاصمة البيضاء، في حين أن 250 آخرين تم الترخيص لمشروعهم السكني بالقرب من مقبرة سيدي مومن وهو موجه خصوصا لأبناء سكان الكاريانات بسيدي مومن على وجه الخصوص. كما توجد هناك برامج فيلات موجهة للطبقات المتوسطة ستنجز في الخيايطة وبوسكورة وهي مشاريع تابعة لشركة العمران. * نائب عمدة مجلس الدار البيضاء