سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بنعلي: التملص والغش الضريبيان أصبحا السمة الأساسية في علاقة الملزمين بإدارة الضرائب 100 شركة تؤدي 80 في المائة من الضرائب بينما تتملص الآلاف باسم العجز المالي
قبيل أيام قليلة من المناظرة الوطنية حول الإصلاح الضريبي، التي ينتظر أن تنعقد يومي 29 و30 من الشهر الجاري بمدينة الصخيرات، ارتفعت الأصوات المطالبة بضرورة إدخال تعديلات جوهرية على النظام الضريبي الموجود حاليا، بما يضمن استفادة الدولة من الموارد الضريبية ويحترم العدالة الجبائية بين فقراء المغرب وأغنيائه. وتبرز استعجالية إعادة النظر في النظام الجبائي في المغرب بسبب مليارات الدراهم التي تفقدها الدولة سنويا بسبب ظاهرة التهرب أو التملص الضريبي، سواء تلك المرتبطة بالقطاع غير المهيكل الذي ينخر الاقتصاد الوطني، أو بعدد من القطاعات الاقتصادية، التي تستفيد من إعفاءات تقدر بالنسبة لقطاع العقار مثلا ب17 بالمائة، رغم ما تحققه من مؤشرات اقتصادية مرتفعة مقارنة بقطاعات أخرى. وإذا كان قانون المالية قد جاء ببعض الإجراءات الضريبية، التي من شأنها أن تدر موارد مالية على خزينة الدولة، فإن الإصلاح الضريبي أصبح أكثر من أي وقت مضى ملحا بالنظر إلى التحولات المالية والاقتصادية التي عرفها العالم خلال السنوات الأخيرة، وتأثير الأزمة الدولية على الاقتصاد المغربي، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لأي إصلاح. وبخصوص الضريبة المفروضة على الشركات، تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 100 شركة مغربية تؤدي 80 بالمائة من الضرائب، في حين تصرح آلاف المقاولات بالعجز، علما بأن عددا من الشركات التي تؤدي الضرائب تمارس بدورها نوعا من التملص من خلال حجب نسبة الأرباح الحقيقية التي تحققها. كما أن ال100 شركة التي تؤدي حصة الأسد من الضرائب هي عبارة عن مؤسسات عمومية ومجموعة من الأبناك وشركات تمويل أو تأمين، وأخرى مقاولات مدرجة في البورصة. وفي هذا الصدد يرى الخبير الاقتصادي المصطفى بنعلي أن «المغرب لم يلج بعد عهد المواطنة الضريبية، لأن التملص والغش الضريبيين أصبحا السمة الأساسية في علاقة الملزمين بإدارة الضرائب. فباستثناء الأجراء، سواء تعلق الأمر بمأجوري القطاع العام أو القطاع الخاص، الذين يؤدون حوالي 75 بالمائة من قيمة الضريبة على الدخل، فإن الباقي يتملص من الأداء أو على الأقل لا يؤدي بالشكل الكافي، فمزاولو الأعمال الحرة، والتجار، وكل من لا يتلقى أجره في آخر الشهر يمكن أن يساهموا بشكل أفضل في تمويل الضريبة». ويوضح بنعلي أن «إشكالية التملص الضريبي تطرح أيضا بالنسبة للشركات التي يصرح ثلثاها بالعجز بهدف دفع المساهمة الدنيا من الضريبة المفروضة على الشركات، وهي معضلة حقيقية تتعمق بفعل بعض التدابير التي تتخذها الحكومة دون تقدير أثرها الحقيقي ومخلفاتها على النسيج الاقتصادي والاجتماعي الوطني، فتمويل الخزينة يقتضي إصلاح جذري للضريبة والكثير من الضرائب يقتل الضرائب كما تعرفون ذلك». وأضاف بنعلي «مقارنة ببلدان أخرى من نفس مستوى التنمية، يلاحظ أن الضغط الجبائي بالمغرب مرتفع بشكل كبير، وبالتالي فإن كل زيادة في هذا الضغط من خلال فرض ضرائب جديدة ليس من شأنه سوى تحجيم مجهود الاستثمار الذي بدونه تصبح التنمية أمرا مستحيلا». وفي المقابل يرى بنعلي أن «الهدف العاجل يتمثل أولا في توسيع الوعاء ليشمل الأنشطة والفئات التي لا تؤدي الضرائب، من خلال مراجعة تنطلق من دليل النفقات الجبائية، وتتعمق في القطاعات والأنشطة المحمية، ثم القيام بمكافحة فعالة للتملص الضريبي، وأخيرا ضمان استخلاص أفضل من خلال توفير الوسائل البشرية والمادية الضرورية للمصالح المختصة». ويؤكد الخبير الاقتصادي أن هذه الإجراءات ستتيح، على المدى القريب، التخفيف من الضغط الضريبي، وموازاة مع هذه التدابير، يتعين القيام بعمل عميق من أجل تشجيع ظهور المقاولة المواطنة، التي من صفاتها الأساسية والبديهية تأدية الضريبة، حيث سجل أن محاربة التملص الضريبي لابد أن ترتبط بتوسيع الوعاء الجبائي من خلال فهم أمثل للقطاعات غير المنظمة وإعادة تنظيم الإعفاءات. كما «أن محاربة التملص تقتضي العمل على ضمان تناسق تضريب المداخيل والعمل على تخفيف النظام الضريبي على الدخل، باعتباره نظاما لإعادة توزيع الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يتعين التركيز، كما قلنا، على توسيع الوعاء الجبائي ليشمل الدخل والأنشطة غير المحصاة، والتي لا تخضع للضريبة» يضيف بنعلي. وبخصوص مردودية النظام الجبائي، أبرز بنعلي أن «ضمان مردودية أفضل للنظام الجبائي لا يتم إلا من باب المكافحة الفعالة للتهرب الضريبي من خلال تأهيل الإدارة الجبائية وتمكينها من تفعيل التطبيق الصارم للتشريعات الجاري بها العمل، إضافة إلى اتخاذ ما يكفي من التدابير الإدارية الضرورية لتفعيل المراقبة والتفتيش والعمل في إطار الشفافية والحياد من أجل إقرار نظام مراقبة صارم يقطع الطريق على ثقافة التملص من الدفع الضريبي». وخلص الخبير الاقتصادي إلى أن «التملص الضريبي مؤشر دال على فشل المنظومة الضريبية في تأمين المواد العادية لخزينة الدولة، خصوصا في هذا الظرف الذي تعاني منه المالية العمومية من ضائقة كبيرة، وهو ما يجعل مهمة الإصلاح الضريبي مهمة حيوية غير معزولة عن كل التدابير الأخرى الملحة في هذا الوقت الحرج من الظرفية الاقتصادية والاجتماعية». وفي ظل التحديات المالية والاقتصادية التي تمر منها البلاد يبقى إدخال إصلاح هيكلي على النظام الضريبي أمرا مستعجلا ليس فقط لمحاربة المتهربين من أداء الضرائب، ولكن أيضا بما يضمن إرساء مواطنة حقيقية في تعاطي الملزمين مع الإدارة الضريبية بشكل يأخذ بعين الاعتبار العدالة الاجتماعية وينهي مع عهد الامتيازات والإعفاءات الضريبية التي تصل إلى أكثر من 36 مليار درهم دون أن تكون لبعض القطاعات المستفيدة منها أي جدوى اقتصادية أو اجتماعية.