في الوقت الذي لازالت الحكومة تتلقى انتقادات قوية لقرارها الأخير بوقف تنفيذ 15 مليار درهم من نفقات الاستثمار العمومية، خرج أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، عن صمته ليحذر من تبعات تقليص نفقات الاستثمار العمومية على التنمية المستقبلية للمغرب إذا لم ترافقه إجراءات موازية من قبيل دعم البرامج القطاعية. ورسم الحليمي، في ندوة نظمتها المندوبية السامية للتخطيط حول «الأبعاد المالية والنقدية والمؤسساتية للوضعية الماكرو اقتصادية بالمغرب»، أول أمس الأربعاء في الرباط، الخطوط العريضة لما يجب على الحكومة أن تقوم به لمواجهة الأزمة، حيث أكد أن بعض السياسات التقشفية ضرورية، وأن «دائما هناك آثارا آنية وقاسية، لكن يجب تحملها والنظر إلى الآفاق المستقبلية». وفيما يشكل «ضربة» لتوقعات الحكومة بشأن نمو الاقتصاد الوطني، أكد الحليمي أن سياسات التقشف أو التقييد لا مفر منها، وأنه يجب تقبل انخفاض نسب النمو سنة أو سنتين، لكنها سترفع من المستوى المحتمل في المستقبل، حيث يمكن تحقيق نسبة نمو قد تصل إلى 7 بالمائة، مما سيؤدي إلى جلب الاستثمارات الداخلية والخارجية على حد سواء، يضيف الحليمي، مشيرا إلى أن مسألة «الثقة» ضرورية. غير أن المندوب السامي للتخطيط وخبراء المندوبية أبدوا حرصا شديدا على أن مثل هذه الإجراءات، التي تعتمد على إصلاحات هيكلية ستكون لها آثار قاسية، وجب أن تكون مصاحبة بإجراءات اجتماعية ومؤسساتية في إطار مشروع مجتمعي. واعتبر الحليمي أن النموذج الاقتصادي المعتمد حاليا على عائدات السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج وخوصصة المؤسسات العمومية والفلاحة والتصدير لم يعد كافيا لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، حيث أكد على ضرروة «البحث عن سياسة اقتصادية ومالية جديدة، وإجراء إصلاحات هيكلية تهم التوازنات الماكرو اقتصادية للبلاد، والرفع من معدل النمو». وتوقعت المندوبية أن يكلف صندوق المقاصة خزينة الدولة 115 مليار درهم في سنة 2020، في حال لم تتم مباشرة أي إصلاح لنظامه، خصوصا فيما يتعلق بدعم المواد الطاقية، غير أن تحريرها، يوضح الحليمي، سيوفر لميزانية الدولة حوالي 9 نقط من الناتج الداخلي الخام، حيث لن تتعدى تكاليف صندوق المقاصة في أفق سنة 2020 حوالي 11 مليار درهم عوض 48 مليار درهم في سنة 2012، غير أن المندوب السامي أشار إلى ضرورة اتباع سياسة مندمجة تأخذ بعين الاعتبار تأثيرات الإصلاح على الأسعار. وأكد الحليمي أن ما تم تقديمه من مقترحات وأرقام لا يعدو أن يكون سوى «مقاربة»، مع اعترافه بأن المندوبية تواجه صعوبات في الوصول إلى المعلومات المطلوبة للقيام بالبحوث، وهو الأمر الذي ربطه بالشفافية في الوزارات، مبرزا إشكالية شفافية المالية العمومية وصعوبة حصول مؤسسته على أرقام مضبوطة، خاصة أن أرقاما كثيرة غير متوفرة حول الحسابات الخاصة. وعبر المندوب السامي للتخطيط عن رأيه الشخصي حول مجرى النقاشات داخل المجتمع، حيث اعتبر أن النخب تهتم بالنقاش السياسي والمؤسساتي، وتساءل عن موقع الاقتصاد من هذه النقاشات. وأضاف قائلا: «علينا المرور إلى أشياء أخرى مهمة، والتفكير في المعضلة الاقتصادية».