رغم الأوضاع المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة من جراء هجمات التتار الجدد وغارات بني صهيون على المدنيين العزل، إلا أن عشيرة الكرة في هذا البلد تصر على متابعة الحصيلة الدموية كل مساء أمام القنوات الفضائية والاكتفاء بالإدانة الكاتمة للصوت على غرار العديد من الحكماء العرب. ينشغل المجتمع الكروي المغربي بغارات جامعة الكرة ويحصي المسيرون كل مساء خسائرهم من النقط ومن مداخيل شبابيك التذاكر، بينما يتنافس آخرون على تعزيز الترسانة الحربية بلاعبين محاربين قادرين على قصف شباك الخصوم واجتياح خطوط الدفاع. باستثناء صراخ الجماهير في المدرجات الذي يندد بمجازر غزة، وقراءة الفاتحة بين الفينة والأخرى على أرواح الشهداء الفلسطينيين، فإن الانخراط في الحملة العالمية للمساندة يظل محتشما وكأن الرياضيين المغاربة لا يرون ولا يسمعون ولا ينصتون. حول رضا الرياحي لاعب الدفاع الحسني الجديدي مجرى الحفل التكريمي الذي أقامته مجلة بلانيت سبور، وصادر الضحكات التي كانت تملأ فضاء الفندق، حين دعا الحاضرين إلى استحضار محنة أشقائنا في غزة، حينها انتفض المخبرون المندسون وسط عشيرة الرياضيين وحرروا على الفور تقارير تقول إن الفتى الدكالي قد اخترق معترك الكرة ورمى بثقله في معترك السياسة. استند الرياحي إلى سابقة للاعب المصري محمد أبو تريكة الذي كشف في غانا عن دعمه للفلسطينيين وحمل قميصا يساند أهالي غزة ضد الإسرائيليين، وعلى الرغم من غضب الاتحاد الإفريقي على مبادرة النجم المصري إلا أن هذا الأخير لم يعر لغضبة عيسى حياتو أي اهتمام وقال «المهم ألا أغضب الخالق». تحول حياتو إلى مخبر يحرر محاضر إدانة ضد لاعب جسده في الملعب وجوارحه في غزة، لكن بلاتير فضل حفظ القضية خوفا من جدل سياسي لا ينتهي. اختارت العديد من الفرق الرياضية صيغا للتضامن مع شهداء وما تبقى من أحياء في قطاع غزة، فأهلي طرابلس فتح أمام جماهيره ولاعبيه ومسيريه باب التبرع، ووجه النجم الجزائري رابح ماجر نداء عبر الإذاعة الجزائرية لجمع التبرعات لضحايا العدوان الآثم، وتطوع نجوم الكرة التونسية لتقديم وصلات دعائية من أجل التبرع بالمال والألبسة والدواء لفائدة المحاصرين، وتحملت فرق الوحدات والحسين والعربي جزءا من تكاليف استشفاء الأطفال الفلسطينيين في الأردن... ولم يقتصر الدعم على الرياضيين العرب بل إن نجم الكرة الإسباني كاسياس دعا أثناء قضائه عطلة السنة الميلادية في طنجة المنتظم الدولي للتدخل من أجل وقف المجزرة، وعلى نفس وتر المساندة ندد نجم التنس الإسباني ندال بغارات الإسرائيليين على الشعب الفلسطيني في عقر داره. لكن يبدو أن أنديتنا تصر على المساندة الكاتمة للصوت خوفا من تكييف سياسي لكل مبادرة خارج النص الكروي، بل إن السلطات الأمنية تصر على مصادرة اللافتات التي يحملها الجمهور إلى الملاعب خوفا من انتشار وباء السياسة في محيط الرياضة، وحدها الحناجر نابت عن اللافتات المصادرة وصرخت بأعلى صوتها «بالروح بالدم نفديك ياغزة»، وهي العبارة التي وحدت جماهير الكرة بمختلف انتماءاتها وألوانها. لكن على الرغم من فورة غضب المدرجات إلا أن اللاعبين يصرون على ممارسة غاراتهم على شباك الخصوم ووضع التحصينات الدفاعية خوفا من اجتياح على البساط الأخضر، خوفا من مساءلة أمام مخبرين يأخذون مواقعهم بين المتفرجين والصحافيين، لهم استعداد لتكييف كل نوبة تضامن إلى شغب ينتهي بصاحبه في التشكيلة الرسمية للمعتقلين. قبل الرياحي بعقود عبر لاعب الوداد البيضاوي عبد السلام عن موقف سياسي نبيل حين سأله الرئيس الفرنسي روني كوتي عن رغبته وهو يصافحه عقب نهائي كأس فرنسا وكان اللاعب المغربي يحمل ألوان بوردو، لكن الرد كان صادما للمستعمر حين طالب عبد السلام بعودة محمد الخامس إلى عرشه، ولكم أن تتصوروا فحوى الطلبات التي يتأبطها اللاعبون والمسيرون المغاربة كلما التقوا بالملك.