سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الصديقي: تجميد الاستثمارات العمومية قد يهدد الاستقرار الاجتماعي للمغرب أستاذ الاقتصاد أكد أن حل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المغرب لا يجب أن يكون على حساب الطبقات الاجتماعية المتضررة
يتحدث عبد السلام الصديقي، أستاذ الاقتصاد في جامعة محمد الخامس بالرباط، عن الدوافع التي جعلت الحكومة تجمد المخصصات المالية للاستثمارات العمومية، ومدى كفاية التبريرات التي قدمتها للإقدام على مثل هذه الخطوة، مع ما قد يترتب عنها مستقبلا من تبعات خطيرة على الاستقرار المجتمعي، وهو ما يستدعي، حسبه، اتخاذ الحكومة كافة الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على جاذبية المغرب الاقتصادية، دون السقوط في الإضرار بالطبقات المسحوقة من المجتمع. الصديقي يطرح أيضا في حواره مع «المساء»، الحلول البديلة المطروحة أمام الحكومة خلال السنوات المقبلة، وعلى رأسها التعجيل بإصلاح صندوق المقاصة، إضافة إلى التسريع بالإصلاح الجبائي، والذي قد يمكن الحكومة من توفير اعتمادات مالية كبيرة، عوض اللجوء إلى مثل هذه القرارات الصعبة. - ما تعليقك على إعلان الحكومة مؤخرا عن تقليص نفقات الاستثمار، المتعلقة بالقطاعات الحكومية؟ ما ينبغي فهمه هو أن الحكومة لم تعلن عن تقليص نفقات الاستثمار كما قد يكون مفهوما من طرف الرأي العام، ولكن ما قامت به الحكومة هو تجميد مؤقت لنفقات الاستثمار في القطاعات الحكومية، وينبغي علينا أن نميز جيدا بين الأمرين، لأن هذا التجميد كانت تفرضه بالأساس عوامل متعددة، أولها ضعف الموارد المالية للحكومة، مما خلف عجزا في الميزانية العامة، أما ثاني تلك العوامل، فهو المرتبط بنجاعة الاستثمارات العمومية، وهو المصطلح الذي ورد في البرنامج الحكومي، حيث كان يلاحظ سابقا أن العديد من الإدارات العمومية تفتح أوراشا، دون أن تتمكن من التحكم في وقت الانتهاء منها، وأنا شخصيا أعتقد بأنه من الأجدر أن ننهي الاستثمارات العمومية التي بدأت الحكومة فيها، قبل أن نطلق مشاريع جديدة واستثمارات أخرى، وهي تبقى على العموم كثيرة وتهم قطاعات الأشغال العمومية، وأيضا بناء بعض المؤسسات الجامعية، ويجدر بالحكومة إنهاء العمل بها حتى يتم الوصول إلى المبتغى الذي أنشئت من أجله، ويمكن لها الاستفادة منها. - هل تبرير مواجهة عجز الميزانية الذي تقدمت به الحكومة كاف لاتخاذ مثل هذه الخطوة، خاصة مع ما قد يترتب عنها من تبعات؟ ينبغي التأكيد على أنه لا يجب حل الأزمة على حساب الطبقات الاجتماعية المتضررة، حتى لا نعيد تكرار السياسات السابقة التي أدت إلى التهميش والفقر، والحكومة عليها ألا تقف عند مثل هذه الإجراءات، وألا تتخذ كل ما من شأنه أن يتسبب في اضطرابات اجتماعية أو قلاقل، مما قد يؤدي إلى المساس بالقدرة الشرائية، وبالتالي بالاستقرار الاجتماعي، لأن الاستقرار هو أمر ضروري في المرحلة الحالية، حيث ما زال العالم العربي يعرف غليانا في الشارع، والحركات الاحتجاجية لا تزال قائمة أيضا، والمغرب عليه أن يحافظ على المكسب الذي حققه حين خرج سالما من موجة الاحتجاجات تلك، والتي طالت عدة بلدان عربية. - كيف ترى مجموع المبررات التي تقدمت بها الحكومة من أجل اتخاذ هذا القرار؟ عندما يبلغ مستوى عجز الخزينة سبعة في المائة، وهو رقم قد يضر بمصداقية المغرب كما قد يضر بمصالحه على المستوى المتوسط والبعيد، يتوجب على الحكومة بالتالي أن تتحمل مسؤوليتها لإيقاف النزيف، حتى لا يتفاقم هذا الوضع وتصبح الحكومة مضطرة إلى اتخاذ إجراءات أكثر قساوة من تجميد الاستثمارات العمومية، علما أنه كان يتوجب على الحكومة أن تعد العدة لمثل هذا الأمر من قبل، لأن الأزمة كانت متوقعة إلى حد ما، وأنا أعاتب الحكومة لأنها تأخرت في القيام بالإصلاحات الضرورية، والتي يأتي على رأسها الإصلاح الجبائي، حيث إن 2 في المائة فقط من الشركات تؤدي 80 في المائة من الضريبة على الشركات، فضلا عن أن القطاع غير المهيكل يبقى بدوره بمعزل عن المساهمة في النظام الجبائي، كما أن عددا كبيرا من المهن الحرة (الأطباء، المحامون..) لا يساهمون إلا بمبلغ هزيل جدا في ما يتعلق بالضريبة على الدخل، دون الحديث عن الإعفاءات الضريبية، إذ لا يعقل أن تمنح الدولة إعفاءات ضريبية لقطاعات لا تؤدي أي وظيفة اجتماعية أو إنتاجية، وهي بذلك تمنح هدايا غير مبررة تفوق 36 مليارا كإعفاءات ضريبية غير مقبولة، وبإمكان الحكومة أن تبدأ منذ الآن في مراجعة مجال الإعفاءات الضريبية وإصلاحه، مما قد يمنحها متنفسا للخروج من الضائقة المالية التي تتخبط فيها حاليا، ويجعلها تطبق واحدا من أهم شعاراتها الانتخابية، وهو تحقيق العدالة الاجتماعية، والذي نالت على أساسه الثقة في البرلمان المغربي، بدل الاستمرار في نفس النهج السابق في الاعتماد على الأمطار والمحصول الزراعي لتحقيق وعود الحكومة فيما يخص نسبة النمو. - ما هي الإجراءات البديلة التي يمكن أن تتخذها الحكومة لتفادي قرارات مشابهة مستقبلا؟ هناك عدة إجراءات يمكن للحكومة أن تتخذها لحل الأزمة الحالية، يأتي على رأسها التعجيل بإصلاح صندوق المقاصة، مع مراعاة عدم المساس بالقدرة الشرائية للمواطنين، إضافة إلى إجراءات من قبيل الحد من استيراد المواد غير الأساسية، والتي تدخل في إطار البذخ الاجتماعي ولا تمثل أي ضرورة، سواء بالنسبة للاستثمار العمومي أو للمستهلك المغربي، وهو ما يعني أنه على الحكومة أن تتخذ تدابير احترازية دون أن تسقط في السياسة الحمائية من أجل حماية تنافسية الاقتصاد الوطني، وفق ما تنص عليه مقتضيات المنظمة العالمية للتجارة، والتي تسمح لبلد معين يعيش وضعية اقتصادية صعبة وفترة حرجة فيما يخص ميزان الأداءات، باللجوء إلى مثل هذه الإجراءات. - على ذكر صندوق المقاصة، هل كان من شأن التعجيل بإصلاحه تجنيب الحكومة عناء اتخاذ قرار تجميد الاستثمارات العمومية؟ الحكومة تقول إنها بحاجة إلى 25 مليار درهم، من أجل المحافظة على نسبة العجز في مستوى 4,5 في المائة التي التزمت بها في قانون المالية لسنة 2013، الشيء الذي دفعها إلى التخلي عن 15 مليار درهم من الاستثمارات العمومية الجديدة، وهو القرار الذي قد يؤثر على الاقتصاد المغربي لمدة ستة أشهر، يمكن بعدها أن تعود الأمور إلى حالتها الطبيعية، إذا استطاعت الحكومة أن تمضي قدما في إصلاحاتها، من خلال توسيع الوعاء الضريبي والزيادة في الإنتاج، مما يعني أنه يتوجب على الحكومة أن تركز على هذه الإصلاحات قبل نهاية سنة 2013، أما إذا بقيت الأمور تراوح مكانها، فإن العواقب ستكون أخطر مما نتصور. - هل تتوقع المزيد من الإجراءات التقشفية من طرف الحكومة في المستقبل القريب؟ يجب على الحكومة أن تتجنب الإجراءات التقشفية، وأنا أظن بأن الحكومة واعية بخطورة مثل هذه الإجراءات، وهناك أطراف داخلها لن تسمح لها بأن تسير في هذا المسار، لأن السياسات التقشفية أثبتت فشلها، سواء عندنا في المغرب أو في بلدان أخرى، وما علينا إلا أن نرى ما يحدث من حولنا في دول أخرى انتهجت سياسات تقشفية، مثل ما يقع في اليونان وقبرص والبرتغال وبلدان أخرى، والتي لم تخرج من نفق الأزمة رغم لجوئها إلى اتخاذ إجراءات تقشفية، مثل تخفيض الأجور وغيرها من الإجراءات، في حين أن أحسن وسيلة لحل الأزمة هي الإنصات إلى المطالب التي تقدمها الطبقة الشغيلة، وضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد الوطني، وهو ما لن يتأتى دون تحقيق نمو اقتصادي، مع الحرص على تحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية. - هل يمكن أن يؤثر اتخاذ هذا القرار مرة أخرى على وعود الحكومة الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بنسبة النمو؟ رغم نسبة النمو المتدنية التي حققها المغرب خلال سنة 2012، إلا أنه لا يزال أمامنا إمكانيات لتحقيق تطور اقتصادي، وهو ما يتضح من خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها جلالة الملك إلى إفريقيا، كما أن المغرب يملك مؤهلات كبرى لجذب الاستثمارات الأجنبية، وكل ذلك بفضل الاستقرار الذي يتمتع به، وعليه فعلى الحكومة أن تتجنب كل قرار من شأنه المس بهذا الاستقرار، لأن ذلك قد يحد من الإمكانيات المتاحة أمامنا لاسترداد عافية اقتصادنا الوطني، وهو ما يحتم على الحكومة أن تكون أكثر إبداعا وابتكارا فيما يخص الحلول، علما أن أمامها هامشا واسعا من أجل التحرك والعمل على الحد من التأثيرات السلبية للأزمة. نسبة النمو في المغرب لا زالت مرتبطة من جهة بما تجود به السماء من أمطار، ومن جهة أخرى بالأوضاع الاقتصادية في العالم، وهو ما يجب على الحكومة أن تراجعه في أقرب وقت ممكن، وأن تعطي الأهمية اللازمة للتخطيط الاقتصادي على المدى البعيد، حتى لا تبقى رهينة متغيرات غير متحكم فيها.