على مسافة قصيرة من الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، تجري منذ سنتين مأساة فظيعة، فقد قُتل أكثر من تسعين ألف إنسان، وجُرح عشرات الآلاف واقتُلع نحو مليون إنسان من بيوتهم في العصيان المدني المضاد لنظام بشار الأسد الفظيع. ويمكن أن نُخمن أنه لو أصاب زلزال قوي سوريا لهبت إسرائيل للمساعدة، فإسرائيل تحب أن تتفضل تفضلات إنسانية باعتبار ذلك جزءا من دبلوماسيتها المعلنة لتجمع نقاط استحقاق. لكن إسرائيل في كل ما يتعلق بسوريا تنتقل إلى الرصيف المقابل كما هي العادة في كل مرة يقتل فيها العربُ العربَ. إسرائيل لا تُبالي بالقتلى لكنها تُبالي بالأحداث في سوريا، فقد أصبحت تتنبأ بحرب في لبنان في المستقبل، ويغطيها الخوف من أن تسيطر منظمات إسلامية متطرفة على سوريا، وهي تهب للتنسيق مع الأردن ومع تركيا في حالة سيطرة جهة ما على سلاح كيميائي، وهي تزيد في قواتها في هضبة الجولان بل تنقل رسائل نار إلى من يطلق النار على أرضها. «إن حقيقة أن الأزمة في سوريا تزداد حدة من لحظة إلى أخرى كانت تقديرا مركزيا في نظري»، أوضح نتنياهو في صفحته في الشبكة الاجتماعية تعليله للاعتذار إلى تركيا. «سوريا تنحلُّ وبدأت مخزونات السلاح الضخمة والمتقدمة فيها تسقط في أيدي جهات مختلفة. والخطر الأكبر هو أن يقع مخزون السلاح الكيميائي في أيدي منظمات إرهابية. إن الواقع في سوريا الذي يشتمل، من جملة ما يشتمل عليه، على وجود عناصر من الجهاد العالمي على حدودنا في الجولان، يُحدث تحديات كبيرة لجهازنا الأمني. نحن نتابع ما يجري ونحن مستعدون للرد بحسب ذلك». نحن مستعدون بالطبع، فقد كنا دائما مستعدين ونحن دائما نرد حسب ذلك. أكانت كلمة واحدة عن القتلى؟ وهل كان شيء من التعبير عن أسى للمأساة؟ لم يكن ذلك من نتنياهو. وافقت إسرائيل سرا على إنشاء مستشفى مؤقت على حدود سوريا، بل وافقت على علاج عدد من الجرحى السوريين داخل مستشفيات في البلاد، لكنها فعلت ذلك أيضا بصورة خفية ضئيلة، فإسرائيل مستعدة فقط للتهديدات وللحرب، لكنها ليست مستعدة لوضع يبدأ فيه مئات الجرحى السوريين التدفق على الجدار، فهم سيريدون بعد ذلك البقاء فيها بصفة لاجئين وربما يبحثون عن عمل أيضا. لا يمكن أن نعلم ما إذا كان المقتلعون السوريون يريدون، لأسباب واضحة، أن يجدوا ملجأ في إسرائيل أصلا، لكن الأصح من ذلك أن نفترض أنه حينما يكون بشر في ضائقة فظيعة ويعيشون في رعب الموت فإنهم لا يتفرغون للفحص عن الآثار السياسية والثقافية والتاريخية التي ستكون لطلب اللجوء إلى إسرائيل. لكن إذا تركنا أيضا الجانب الإنساني البغيض، فإن هذه فرصة حتى بالنسبة إلى نتنياهو ليجعل المأساة رافعة سياسية؛ فكما كانت سوريا ذريعته للاعتذار وتجديد العلاقات بتركيا تستطيع سوريا نفسها الآن أن تمهد طريقا مباشرا إلى إسرائيل. في وضع عدم يقين، تبذل الآن كل دولة عربية أو غربية أقصى ما تستطيعه لضمان قدر من التأثير أو القرب على الأقل من النظام في سوريا في المستقبل؛ فالسعودية وقطر تمولان وتسلحان المعارضة، والولايات المتحدة ترسل مساعدة إنسانية وتدرب في الأردن مقاتلي الجيش السوري الحر، والإدارة الكردية في كردستان تدرب وتسلح المعارضة الكردية في سوريا، والأردن وتركيا تُستعملان قاعدتين لوجستيتين خلفيتين ودولتي لجوء للاجئين. لا يجب على إسرائيل أن تنظر متنحية وأن تنتظر إلى أن ينتهي «الشأن» السوري كي تقرر هل يوجد شريك سوري أم لا؛ فعندها فرصة لتنشئ الآن مجموعا من الشركاء. إن المتمردين السوريين لا يطلبون منها سلاحا أو هجمات مدبرة على القصر الرئاسي؛ فأكثرهم، ولاسيما المنظمات المتطرفة، يرونها عدوا قوميا، لكن بسبب ذلك خاصة توجد للمساعدة الإنسانية أهمية عظيمة؛ ويمكن، كي يسهل هضمها، أن نسميها «مساعدة استراتيجية»، لأن من يكون مستعدا لقبول مساعدة من إسرائيل أصلا يمنح الاتصالات السياسية بها شرعية أيضا، وقد يكون هذا لب الخوف.