الحكومة تكشف نسبة المشاركة في الإضراب العام    اخشيشين يؤكد دور الدبلوماسية البرلمانية في توطيد التعاون بين الدول الإفريقية المنتمية للفضاء الأطلسي    افتتاح معرض اليوتيس 2025 بأكادير    رونالدو يطفئ شمعته الأربعين..ماذا عن فكرة الاعتزال؟    توقيف شخصين متلبسين بترويج الأقراص المهلوسة    ريال مدريد يحجز بطاقته لنصف نهاية كأس ملك إسبانيا على حساب ليغانيس (ملخص)    بدر هاي يخرج عن صمته ويكشف تفاصيل اعتقاله    السلطات تمنع جماهير اتحاد طنجة من التنقل إلى القنيطرة لدواعٍ أمنية    البرازيلي مارسيلو يعتزل كرة القدم بعد مسار حافل    اتفاقية جديدة تمنح تخفيضات للشباب لشراء السكن من "العمران" في مدن الشمال    "جواز الشباب" يخدم شراء السكن    عجلة الدوري الاحترافي تعود للدوران بمواجهات قوية لا تقبل القسمة على اثنين    منتدى "النكسوس" يقترح حلولا مبتكرة لتحديات التغير المناخي    قيوح يشدد على مصالح وزارته بضرورة تعزيز الشفافية وتسريع معالجة الشكايات    برامج رمضان على "الأولى": عرض استثنائي وإنتاجات درامية وكوميدية بحلة جديدة    استعداداً لحملة ضد "بوحمرون".. وزراة الصحة بتنسيق مع وزارة التربية الوطنية تطلب من أولياء التلميذ الموافقة على الاطلاع على الدفاتر الصحية لأبنائهم    مرصد أوروبي يكشف أن "يناير" الماضي الأعلى حرارة على الإطلاق    بعد عام من القضايا المتبادلة.. شيرين عبد الوهاب تنتصر على روتانا    6 أفلام مغربية تستفيد من دعم قطري    "ستيلانتيس القنيطرة" يطور الإنتاج    ألباريس: إسبانيا ترفض استقبال فلسطينيين في حال تهجيرهم من غزة    تفاصيل المصادقة على اتفاقية لتهيئة حديقة عين السبع    مواجهات عنيفة بين الجيش الجزائري وعصابة البوليساريو بتندوف (فيديو)    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    مصدر خاص ل"الأول": "طاقم تونسي لمساعدة الشابي في تدريب الرجاء"    عضو في الكونغريس الأمريكي يضغط على قيس سعيّد ويقترح قانونًا لمعاقبة نظامه    العيون تحتضن المؤتمر العربي الأول حول السياسات العمومية والحكامة الترابية يومي 7 و8 فبراير الجاري    إنتاج التمور في الدول العربية.. ما مدى تقدم المغرب في الإنتاج والجودة؟    كيوسك الخميس | إسبانيا تمنح تصاريح إقامة لأزيد من 11.500 عاملة مغربية    المغرب يحقق رقماً قياسياً في توافد السياح خلال يناير 2025    معرض للفن الإفريقي المعاصر يحول مراكش إلى وجهة فنية    محاكمة مقاول بتارودانت يشتبه تورطه في عملية نصب على 24 شخصا من متضرري الزلزال    المغرب يعزز قدراته الدفاعية بتسلم طائرات "بيرقدار أكينجي" التركية المتطورة    الاتحاد الأوروبي: "غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    ارتفاع طفيف لأسعار الذهب    فيديو: توافد المئات من المعتمرين والحجاج على معهد باستور بالدار البيضاء للتلقيح ضد التهاب السحايا    وزير الدفاع الإسرائيلي يأمر بالتخطيط ل"هجرة طوعية" من غزة بعد مقترح ترامب للسيطرة على القطاع    شرطة ألمانيا تتجنب "هجوم طعن"    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    "قناة بنما" تكذب الخارجية الأمريكية    أستاذ مغربي في مجال الذكاء الاصطناعي يتويج بجامعة نيويورك    كأس انجلترا: نيوكاسل يؤكد تفوقه على أرسنال ويتأهل للمباراة النهائية    7 أطعمة غنية بالعناصر الغذائية للحصول على قلب صحي    طنجة وبرشلونة.. شراكة متجددة وآفاق واعدة استعداداً لكأس العالم 2030    اجتماع موسع بعمالة إقليم الجديدة لتتبع تموين الأسواق والأسعار (بلاغ)    عقبات تواجه "مشروع ترامب" بشأن غزة.. التمسك بالأرض ومعارضة العرب    التاريخ والذاكرة.. عنف التحول ومخاضات التشكل    تأجيل أم إلغاء حفل حجيب بطنجة؟ والشركة المنظمة تواجه اتهامات بالنصب    كعكتي المفضلة .. فيلم يثير غضب نظام المرشد في إيران    أجراس الحداثة البعدية في مواجهة منابر الحداثة    ماذا يعرف الأطباء عن أعراض وعلاج الاحتراق النفسي؟    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة كريستوفر روس إلى الصحراء المغربية والحل الممكن
نشر في المساء يوم 02 - 04 - 2013

شكلت الزيارة الأخيرة التي قام بها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء كريستوفر روس، والتي جاءت في إطار المعايير الواضحة المحددة من قبل مجلس الأمن، مناسبة للمبعوث الأممي ليحذر من تنامي
التطرف والإرهاب والإجرام في مجال جغرافي يضم شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، معتبرا أن تدهور الظروف الراهنة من شأنه أن يغذي الإحباط وينمي أعمال العنف التي يمكن أن تكون عواقبها مأساوية بالنسبة إلى بلدان المنطقة. وكان تصريح روس الذي لم يرق أعداء الوحدة الترابية للمغرب جديرا بأن يضع كل طرف أمام مسؤولياته، وكذلك على مرأى المجموعة الدولية التي أعربت عن قلقها إزاء تدهور الوضع الأمني في المنطقة وكلُّها قناعة بأن المنطقة الشمالية لمالي أصبحت قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية التي تنشط في منطقة الساحل والصحراء. ويأتي تحذير روس في سياق سلسلة الاختطافات التي تعرض لها رعايا غربيون في المنطقة، خصوصا مواطنين إسبانيين يعملان في المجال الإنساني وآخر بجنسية إيطالية في قلب تندوف، وهي العمليات التي لا يمكن أن تتم بدون تواطؤ فعلي مع البوليساريو. وفي هذا الصدد، أكد عدد من الخبراء الأمريكيين في مجال مكافحة الإرهاب أن البوليساريو تحولت إلى قوة داعمة للحرب التي أعلنها تنظيم القاعدة و«الحركة من أجل الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا» ضد الغرب. كما أن وسائل إعلام دولية أشارت إلى انضمام العشرات من أعضاء البوليساريو إلى هذه الحركة الموجودة في شمال مالي، وهو ما يدل على تطرف البوليساريو وتدهور ظروف العيش في مخيمات تندوف التي يتم احتجاز سكانها ضدا على إرادتهم من قبل ميليشيات البوليساريو، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن الجديد الذي يمكن أن يحمله روس إلى ملف الصحراء بعد أن فشلت جولات المفاوضات السابقة؟ بداية، لا بد من التأكيد على أن كريستوفر روس، منذ تكليفه بمهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في قضية الصحراء، أوضح تصوره ورؤيته لتدبير المفاوضات بين الطرفين، فقدم توصيفا للنزاع واختصره في تمسك كل طرف بمقاربته ورؤيته ومحاولته تبريرها بالاستناد إلى المعطيات التاريخية ومقتضيات القانون الدولي؛ وتحدث عن السياق الدقيق الذي يضغط من أجل أن يجد هذا النزاع، الذي يعتبر واحدا من أقدم النزاعات في القارة السمراء، حله السياسي السريع، معللا ذلك بالمخاطر والتحديات التي تهدد المنطقة لو استمر النزاع بين الطرفين بدون تسوية سياسية، خاصة مع تعاظم تحديات انعدام الأمن والاستقرار في منطقة الساحل جنوب الصحراء، وتزايد احتمالات التجنيد التي تمارسها المجموعات الإرهابية في المنطقة. الخلاصة أن كل ما أتى به روس بعد هذا التوصيف وبيان السياق الحرج الذي اندرجت فيه مهمته، هو تغيير شكل التفاوض والتركيز على القضايا التفصيلية عبر النقاش الثنائي فيها وتأجيل الحسم في التصور الكلي الذي يمكن أن يؤطر التوافقات الحاصلة حول الموضوعات الجزئية، أي دفع الأطراف إلى الامتناع عن وضع العصا في عجلة المفاوضات حتى يتم تحقيق تقدم في بعض القضايا الجزئية، ثم الانتقال تدريجيا إلى بحث الحل النهائي الذي يمكن أن يجمع الأفكار المتفق بشأنها. هذا كل ما جاء روس يحمله في جعبته منذ تقليده هذه المهمة، وهو ما يسعى جادا إلى أن يحرز فيه بعض التقدم حتى يقنع طرفي النزاع بضرورة تجاوز وضعية الجمود والبحث عن آليات تفاوضية جديدة. بيد أن المؤشرات الموجودة على الأرض تؤكد أن روس، مع تبنيه لهذه المقاربة، لم يستطع تحقيق شيء يذكر، وأن الأمر في البداية والنهاية سيعود إلى بحث مسألة الحل النهائي، وأن السياق التاريخي والسياسي لهذا النزاع يؤشر على أن الالتفاف على مسألة الحل النهائي بتجريب المقاربات التجزيئية لا يمكن أن يأتي بأية نتيجة ما لم يتم البدء بالإطار الكلي لحل القضية، وهو الأمر الذي استوعبه الممثل الشخصي السابق للأمين العام الأممي السيد بيتر فالسوم وانتهى في تقريره إلى أن الاستفتاء لتقرير المصير حل غير واقعي، فاتحا الباب على مصراعيه لمفاوضات حقيقية تندرج ضمن حل نهائي واقعي قابل للتطبيق ويحظى بدعم دولي. لقد كان بإمكان السيد روس أن يحرز تقدما في مسار التفاوض لو بدأ من حيث انتهى السيد فالسوم ويتجنب الصفعة التي وجهها إليه المغرب من خلال سحب الثقة منه بسبب انحيازه إلى الطرف الآخر وعدم التزامه بالمعايير الواضحة المحددة من قبل مجلس الأمن، لكنه فضل أن يخوض تجربة الفشل قبل أن يعود إلى جادة الصواب وينتهي إلى نفس ما قرره سلفه بشأن عدم واقعية خيار الاستفتاء. والحال أنه إذا صحت بعض المعلومات الإعلامية التي تتحدث عن حمل روس اقتراحا جديدا يطرح فكرة الفيدرالية أو الكونفدرالية على الشاكلة الألمانية أو السويسرية، وهو النموذج الذي كان يحلم به الملك الراحل الراحل الحسن الثاني، فإن ذلك يعني، بغض النظر عن الموقف الذي يمكن للمغرب أن يبلوره إزاء هذه المقترحات، أن السيد روس يعيد نفس خلاصات بيتر فالسوم ولكن بلغة أخرى، وأنه لا يفعل أكثر من التفكير في هامش المقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي لأن الصيغتين معا، أي الحكم الفيدرالي أو الكونفدرالي، تعترفان بالسيادة للمركز وبالحكم الذاتي للأطراف الخاضعة لهذا النظام. ليس المهم أن يتم تقييم هذين المقترحين -إن صح أن السيد روس يحملهما كجديد في حقيبته خلال جولته هذه- وإنما المهم في هذا وذاك أن السيد روس غيَّر مقاربته وحاول استلهام المعطيات الواقعية في الصحراء، وبدأ يعطي الأولوية للحل النهائي بدل القضايا الجزئية الخلافية بين الطرفين ويوقع، مرة أخرى، على فشل خيار الاستفتاء ويقر باستحالة وجود أي حل للنزاع خارج السيادة المغربية على اعتبار أن المغرب لن يقبل بأي حل خارج هذا الإطار لأن الصحراء المغربية الغربية تجسد، وجوديا، كينونة «الدولة المغربية الشريفة» التي لا ينبغي ولن يجوز أن تبقى مبتورة الأجزاء على اعتبار أنه لا الخصم ولا غيره قادر على تغيير الجغرافية وطمس مغربية الصحراء، فبالرغم من أننا لا نملك أحيانا ما يكفي من الضمانات للحكم على الأشياء فإن إيماننا بجدية وواقعية المضمون السياسي لنظرية «السيادة» يدفعنا إلى القول بأن المغرب يدرك أكثر من غيره قيمة الصحراء، وهو ما دفع بالحسن الثاني إلى ترك وصيته للمغاربة بشأن الصحراء جاء فيها: «... وصيتي لكم جميعا لمن، هو أكبر مني سنا ولمن هو أصغر مني سنا، لا تنسوا الصحراء وإياكم أن تنسوها لأنه من قرأ تاريخ المغرب يعرف أن الخير كله يأتي من الصحراء وأن الشر كله يأتي من الصحراء».
وعليه، ومن أجل البحث عن سبل جديدة لإنهاء واحد من أقدم النزاعات في القارة الإفريقية، إذ استمر أكثر من ثلاثة عقود ونصف، جاء إلى المنطقة أكثر من مبعوث ووسيط أممي اندثرت جهودهم بين كثبان الصحراء المتحركة. ويبدو، اليوم، أن روس -هذا الدبلوماسي الأمريكي المخضرم- مصمم ومصر على تحدي ساعة الرمل، دون أن يدري أن هذه الساعة ستبتلعه ومعه ستبتلع الزمن وكل الحلول التي تأتي لإطالة أمد النزاع في الوقت الذي ينتظر منها أن تنهيه.

عز الدين خمريش*
*باحث ومختص في شؤون وقضايا الصحراء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.