تنظم مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين معرضا تشكيليا للفنان نور الدين فاتحي، الذي انتقى له عنوانا رئيسا هو «أسرار وأكوان». المعرض الذي سيستمر إلى غاية 30 أبريل القادم، سيفتتح في السادسة من مساء الخميس 4 أبريل بمقر المؤسسة الكائن بشارع علال الفاسي، مدينة العرفان، حي الرياض بالرباط. وقد كتب الشاعر سعيد عاهد تقديم كاتالوغ المعرض باللغتين العربية والفرنسية تحت عنوان «موقف القريب/ البعيد». قد جاء فيه «منذ عتبة سنة 2006، وإلى حدود آخر معارضه الذي احتضنته الديار الفرنسية (استراحة السماوات، شاماليير، 2011)، يصر نور الدين فاتحي على التملك التشكيلي، في مجمل أعماله وفي كل واحد منها، لاقتراح رامبو، الذي قد يبدو مفارقا لمن ينصبون اللغة صنما بينما هو عميق شعريا: «أنا هو الآخر». آثار فاتحي التشكيلية أطروحات مناقضة لغياهب الهويات القاتلة، تلك الهويات اللا تحتمل المشتركة بين أصناف الفكر البليد لمن ينصبون ذواتهم بأنفسهم حماة للكتابات المقدسة، دعاة إلغاء الآخر من كل الأطياف». ويقارب عاهد أعمال فاتحي من زاوية مغايرة حين يكتب «الحضارات التوحيدية، ومعها المقدس، ليست منذورة، من حيث جوهرها، للصدام بينها، لرمي الآخر في بحر الظلمات»، لتأويل العبارة الشهيرة «الجحيم هو الآخرون»، التي وردت في مسرحية سارتر «huis clos»، بمكر. ويضيف عاهد أنه في المنجز الفني لنور الدين فاتحي «تتراءى الحضارات رحما خصبا مشاركا لفعل الإبداع. ويكشف هذا المنجز، بجمالية، عن فحواه هذه عبر الاستعارة الذكية والواعية للمكونات الإستيطيقية المتولدة في رحم مختلف الحضارات، دون محو إحداها ودون حنين ما إلى تاريخ ما متقوقع على مجد ما، والمنبثقة في بيت البشرية المشترك». وبصدد الفعل الإبداعي عند نور الدين فاتحي يرى عاهد أن هذا الفعل «استنبات لمقولة سان-أوغستان: «نسمع اللغة، لكننا نبصر الفكر». فما يهبه هذا الفعل للعين دعوة إلى التفكير بدون منظار مشوه، إلى تأمل الذات عبر الآخر، الآخر عبر آخره، تأمل القريب/ البعيد كما توجه النفري: «قربك لا هو بعدك وبعدك لا هو قربك، وأنا القريب/ البعيد قرباً هو البعد وبعدا هو القرب. (...) القرب الذي تعرفه مسافة، والبعد الذي تعرفه مسافة، وأنا القريب البعيد بلا مسافة». المعرض يقدم مسار الفنان فاتحي ويسترجعه، مع ما يتضمنه، كما يشير إلى ذلك الناقد سعيد عاهد، هذا المسار من علامات استمرار ومن قطائع، تمجد لحمة اللوحات، الأشكال على سندها، الكائنات الموحى بها، الألوان والمواضيع (تمجد) الإنساني في الإنسان. تمجد محاورات أفلاطون بحضور ابن رشد ومايمونيد ومفكري الأنوار. تمجد التحاب كما يرصده الخطيبي والذي هو «علاقة تسامح متحققة، قيم للعيش المشترك بين الأجناس والحساسيات والأفكار والديانات والثقافات المختلفة»، التحاب المبني على حرية التفكير الساعية إلى «ابتكار فضاء وعلاقة للحوار مع كل كائن يأتي نحو(نا)». ويسجل عاهد أن أعمال نور الدين فاتحي المنجزة مؤخرا، تشتغل، أكثر من سابقاتها، على المادة. وهي تعكس النفَس، المعتمد مع سبق الإصرار من طرف صاحبها، الذي يجعل الفنان يهاجر من جغرافيته التشكيلية المكرسة لاستكتشاف إقامات إبداعية مغايرة كأن فاتحي يبتغي الجواب عبرها، عبر اقتحام منعطف جديد، على سؤال فنان آخر يحترف مداعبة البيانو، أداء وتلحينا، ميكاييل لفيناس: «أليس الإبداع محفزا، دائما، بضرورة البدء ثانية، بإتقان الموت للانبعاث من جديد؟» ويساءل الناقد بصدد مقاربته الفنية «الحجر ( أليس حجر الفلاسفة قادرا، في كل الحضارات تقريبا، على تحويل التراب إلى ذهب؟)، والرمل (ألا تصور العديد من الثقافات الكائن كحبيبة رمل وسط الزمن والفضاء اللانهائيين؟) والرخام (رمز الأبدية) مواد تستدعي نفسها لتخصيب اللوحة ببعد لمسي، لهبة اللون عمقا والأيقونات حجما، ولوأد وظيفة المكونات الصباغية الأولية وإضفاء قسط من التسامي عليها. ألا تقتحم المادة اللوحة لتبوأها وضع «الدال» حيث تتعايش «عدة دوال» وفق قاموس أمبرطو إيكو؟ وهي تقدم على ذلك، تلبية لدعوة عاشقة من نور الدين فاتحي، ألا ترمي إلى إزاحة اللوحة من انتمائها الأصل للصباغة التي خبرها الفنان، وإيداعها في منزلة بين منزلتي الصباغة والنحت، في مقام البين-البين حيث ستكتسب شرعية مخاطبة الصباغة والنحت، في ذات الآن، مستعيرة تيمة القريب/ البعيد الغالية على قلب شيخنا النفري؟».