أخيرا، أطل بنكيران من قافلة المصباح. بدا الرجل بملامح «الزعل» كما يقول أشقاؤنا في مصر، أي «هاز همو» عندنا. ولأول مرة، كشف رئيس الحكومة أنه يمر، بين فينة وأخرى، بساعات عصيبة. ومن تفحص ملامحه يفهم حجم الصعوبة التي يمر بها والتي جعلت الأرق والتعب يرخيان سوادهما على محياه. وبنكيران الذي يشتكي، اليوم، من «وعورية» مهمته، عليه أن يراجع ما مرّ بالسي عبد الرحمان اليوسفي حين كان إدريس البصري يقول لمقربيه «ليسي لو كًريي»، أي «خليوه يتحرق»، لما كانت الزوابع المخزنية تقتلع وردة الاتحاديين وهم في تربة الحكم. واليوم فقط نعرف لماذا أصر بنكيران على تعيين صديقه باها في وزارة بدون حقيبة؛ فبعد أن اعترف رئيس الحكومة بأنه حين تحاصره أعاصير الفلول والأزلام فإنه يحمد الله على أنه يجد بجانبه رجلا اسمه باها، فهمنا جيدا أن السي عبد الإله عين باها وزيرا بدون وزارة حتى تكون يداه طليقتان وظهره متحررا من ثقل الحقيبة الوزارية ليكون بمستطاعه حمل رئيس الحكومة والعبور به حين تكون «الوقت مغيسة»، أي أن السي باها هو «عكاز الطريق»، بلغة الإسلاميين، كما كان الحليمي، رفيق الطريق عند الاشتراكيين، بالنسبة إلى اليوسفي. ولأن لكل إطلالة مقالها، فقد اختار بنكيران وهو راكب قافلة المصباح مصطلح فلول ليوجه تحيته المعهودة والملزمة إلى أعدائه المشوشين. ولأن رئيس حكومتنا رجل «ديال الصواب» فهو يحيي الأعداء قبل الأصدقاء، لكن هذه المرة «قسح» السي عبد الإله مع الشعب.. وفي المقاهي و«القيساريات» وفي أوساط الباعة المتجولين وداخل الحمامات ودور الصفيح وفي «الطاكسيات» و«الطوبيسات»، يتساءل الناس عن معنى الفلول؛ وقد كان سيكون مفيدا لو بسط بنكيران معنا كما عودنا على ذلك، هو الذي يحسب له، على كل حال، أنه أحرق الخشب الذي اعتاد السياسيون عندنا استعماله كلغة مستبدلا إياها بلغة «المدرح». وفي يوم واحد خرج بنكيران متعبا يشتكي والطاوسي نادما ومنحنيا، وحتى إلياس العمري كشف في الجديدة أن حزبه مستهدف. والظاهر أن البلاد تمر من موسم أنفلونزا الشكوى، وحدهم في الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية والوزراء غير المنتمين فهموا أن أحسن شيء في الظرف الحالي هو العمل بقاعدة «بيناتهم»، فلم نسمع حتى الآن العنصر أو اضريس أو بنعبد الله ولا الصبيحي أو الضحاك أو لوديي أو أخنوش أو التوفيق يشتكون من التماسيح والعفاريت والمشوشين والفلول. ويبدو، والله أعلم، أن السحر الذي اشتكى منه بنكيران لا يمس هؤلاء. وفي الدول الديمقراطية، حين تحاصر الأزمة رئيس حكومة فإنه يتكئ على حكومته؛ وفي حالة بنكيران، فقد كشف أنه لا يجد بجانبه غير الوزير بدون حقيبة باها، وفي ذلك أكثر من إشارة إلى أن هذه الحكومة التي سموها، ظلما وتسرعا، «حكومة الإسلاميين» ليست سوى حكومة تعايش الإسلاميين مع الطرابيش. لكن أصدق شعار رفعته قواعد حزب «العدالة والتنمية» يوم الأحد الماضي في وجه بنكيران هو «بنكيران ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح». وقد كنا، قبل اليوم، نعتقد أن هذا الشعار يرفع في وجه الشهداء والموتى من قبيل بنبركة وبوعبيد وغيفارا، وليس في وجه الأحياء. ولعل دعوة قواعد «البيجيدي» لزعيمهم إلى الذهاب للراحة لها أكثر من مغزى في الظرف الحالي بالنظر إلى الحالة الصحية التي ظهر بها. وفي الوقت الذي تنكر فيه بنكيران لسيد قطب وجماعة الإخوان المسلمين خلال حديثه إلى التلفزيون الأردني، نجده في المقابل يستورد منهم مصطلح «فلول» الذي يعني الأزلام وبقايا النظام؛ وفي اللغة، قالت العرب: سيف أفل، أي «حافي»، وقديما قال النابغة الذبياني «ولا عَيْبَ فيهم غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاع ِالكَتَائِبِ». وبنكيران، الذي «وحل مع الموس الحافي» حتى الآن، يعلم الله كيف سيقاوم «الماضي».