ماذا جرى حتى غض زعيم العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران الطرف هذه السنة عن صعود عبد الله بوانو إلى رئاسة أكبر فريق نيابي في البرلمان؟ نعم صوتت له كتيبة ال107 بأغلبية كبيرة، وصوتت لصالحه الأمانة العامة للحزب بأغلبية كاسحة، لكن الذي يعرف خبايا تنظيم حزب المصباح يجزم بأن قيادة الحزب لو أرادت أن تضع متاريس في طريق وصول القيادي الشاب إلى رئاسة أكبر فريق نيابي في الغرفة الأولى لفعلت وبطرق شتى، ليس أقلها إعداد اسم من الحمائم أو ممن يرضى عنهم بنكيران من أتباعه، الذين لا يناقشون ولا يجادلون ويتبعون إشارات الزعيم، لقيادة الفريق النيابي الملتحي والمحجب قبل مدة من يوم التصويت، أو التدخل في المشاورات التي تسبق التصويت على الأسماء الثلاثة التي ترفع إلى الأمانة العامة للحزب ليختار منها من يشاء بغض النظر عن ترتيب كل اسم. بنكيران ترك العملية الديمقراطية تأخذ مجراها، ليس حبا في الديمقراطية فقط، بل كذلك لأن أشرعته تهوى رياحها في هذه المرحلة. فرئيس الحكومة الذي مر باختبارات قاسية في الآونة الأخيرة يريد أن يقول لخصومه إن بنكيران له أسنان وأظافر، وإن الحزب ونخبه البرلمانية غير راضية عن لعبة شد الحبل بين الدولة ورئاسة الحكومة، وإن إهانة الأمين العام في طنجة لها ثمن، وهذه إحدى الطرق لإيصال الرسائل إلى من يهمه الأمر. فبوانو، الطبيب الشاب المعروف بمواقفه الحادة من وزارة الداخلية وبتصريحاته النارية الداعية إلى النزول إلى الشارع وإلى مناهضة الولاة والعمال الذين تشتم فيهم رائحة البام على حد زعمه، واحد من الصقور الذين يناهضون السياسة الناعمة لقيادة الحزب تجاه عدد من القضايا الحساسة. قبل أشهر رفض بنكيران اقتراح عبد الله بوانو لعضوية الأمانة العامة للحزب مع أنه وجه بارز في البرلمان، وتمكن من الفوز في الانتخابات التشريعية بمكناس ب32000 صوت متقدما على مزوار، الذي كان مرشحا لرئاسة الحكومة، بحوالي 20 ألف صوت! ماذا جرى من يوليوز، تاريخ عقد آخر مؤتمر للحزب، إلى أكتوبر من هذه السنة حتى يقبل بنكيران ليس فقط دخول عبد الله بوانو إلى الأمانة العامة للحزب بالصفة، بل وتسليمه قيادة الفريق النيابي للحزب؟ هذا سؤال غير موجه إلى بنكيران في الواقع، بل هو موجه إلى خصومه الذين يضعفون جناح الحمائم داخل حزب المصباح لصالح جناح الصقور دون وعي ودون فهم دقيق للتحولات التي تجري في وسط الحزب وشبابه القادم من أوساط اجتماعية فقيرة ومتوسطة في الغالب، طموحها أكبر من إعادة تجربة حكومة التناوب الأولى التي فشلت في وضع البلاد على سكة التحول الديمقراطي ونجحت في تكبيد حزب الاتحاد الاشتراكي خسائر كبيرة مازال يجر تداعياتها إلى اليوم. الدور الذي كان يلعبه الرميد والشوباني وبوليف قبل دخولهم إلى الوزارات سيلعبه اليوم بوانو وحامي الدين وأفتاتي وآخرون، وكل هم الحزب ألا تأكل ماكينة الحكومة رصيده في الشارع، خاصة إذا كانت هذه الماكينة غير متحكم فيها، بل إنها تشتغل أحيانا ضد أصحابها المفترضين. بنكيران واع أكثر من غيره بأن مصداقية الحزب في المحك، وهو يسعى إلى عدم تكرار تجربة اليوسفي، الذي أهدى حزبا عريقا إلى المخزن مقابل بضع حقائب وزارية وثلاث مشاركات باهتة في الحكومة، انتهت بذبول وردة القوات الشعبية وتصدع بيتها. بنكيران يحاول أن يجد معادلة صعبة ومعقدة تمكنه من الاستفادة من المشاركة في الحكومة بإكراهاتها السياسية والتدبيرية، والحفاظ على شعبيته في الشارع، أي أنه يجرب أن يكذب المثل الفرنسي الذي يقول: On ne fait pas d'omelette sans casser des œufs» ». بنكيران يعول على مواهبه في التواصل، وعلى بقاء أيدي وزرائه نظيفة، وعلى تصوير مشاركة الحزب في الحكومة بأنها كانت دائماً مستهدفة بالعفاريت، وأن التماسيح لم تتركه يشتغل، وأن «وجبة الأومليط» لم تطبخ أساسا فلماذا يكسر بيضه في الحكومة. إذا سألك الناس يا أستاذ بنكيران غدا: ولماذا لم تخرج من الحكومة إذا كنت غير قادر على إعداد «لومليط» فيها؟ وهل اخترناك للحكومة لتذرف الدموع وتشتكي من المخلوقات العجيبة أم اخترناك لتحكم؟ فبماذا ستجيب؟