بصفته أحد كبار المختصين في العالم في قضايا الإسلام و العالم العربي المعاصر، يظل جيل كيبل باحثا جامعيا فريدا من نوعه. وفي كتاب ألفه مؤخرا يحمل عنوان «حماسة عربية. يوميات 2011-2013»، اختار كيبل الابتعاد بعض الوقت عن المنتديات الدولية، والنزول إلى الميدان لسبر مسار الدراسات الأولى وزيارة كل البلدان العربية التي شهدت قيام الثورة. والنتيجة هي قراءة هادئة تمتزج فيها المشاهد المعيشة والتحليلات العميقة، التي تمكن من خلال هذه «الرحلة إلى المشرق»، في نسخة القرن ال21، من اختراق حضارة أصابها التصدع. إنها فرصة لملاقاة المصائر المؤلمة أو التراجيدية، واكتشاف كذلك الآمال العديدة، التي خرجت من صدور رجال ونساء اقترب منهم جيل كيبل، بطريقة مثيرة تحاكي رغبة كل كائن في العيش. - ما الذي دفعك إلى القيام بزيارة الأماكن التي عاشت على وقع الربيع العربي؟ هل الباحث في حاجة إلى سبر نفس المشوار الذي شقه الصحفي؟ أردت، على طريقتي الخاصة، العودة إلى منابع الاستشراق. هذا المصطلح، الذي طالما شجبه المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، الذي كان يرى المستشرقين بأنهم يسهلون الاستعمار، يشير في الواقع إلى أول مرحلة في التواصل بين الغرب والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. هذا اللقاء الأول حدث فعليا بفضل الرحلات، التي كان فولني أول من قام بها... إن القيام بمواجهة العالم «العربي» والعالم «الغربي» أمر لا مغزى له. التبادلات التي تجمعنا سويا هي ذاك الخليط؛ وقد حاولت النيل من هذا التنوع في العالم الكوني. لقد فاجأتنا جميعا الثورات العربية، بما في ذلك أنا، وقد كانت تلك الثورات موضوعا لنظريات متسرعة. لقد بدا لي، حسب تقديري للأشياء، بأن أفضل طريقة لاستيعاب ما كان يجري أمام أعيننا هو الذهاب لمعاينة الأمكنة والشعوب وهي تتحرك. وعلى امتداد نحو سنتين، قمت بشكل منهجي بإجراء جولة بدول العالم العربي في عز الحراك، من تونس إلى عمان، لمواجهة ما كنت أعرفه منذ أربعة عقود بالأمور التي سأراها بأم عيني. كصحفي ذهبت لأرى ما يجري على أرض الواقع. وكجامعي سجلت ما كنت أراه في الذاكرة الطويلة. - النزول من كرسي الأستاذ.. هل هو وسيلة للإقرار بأنه يمكننا الوقوع في الخطأ؟ لقد انخدع الجميع. يتعين علينا الاتفاق على هذا المعطى. نحن في مواجهة أحداث تجري بسرعة كبيرة يصعب معها توقع أي مسار ستتخذه الأمور. أردت أن أعيد العدادات إلى نقطة الصفر، والعودة إلى القاعدة. فمثلا أمضيت خلال رحلتي يوما استثنائيا بمنطقة الفيوم بمصر، في يوم إجراء الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، التي كان يتنافس خلالها محمد مرسي مع أحمد شفيق. وفي إحدى قرى المنطقة، فسر لنا أحد الناخبين سبب قيامه بالتصويت للإخوان المسلمين. وبعد مرور بعض الوقت، قدم أعيان المنطقة وأشبعوه ضربا لهذا السبب. مثل هذه الوقائع تسلط الضوء على أمور حيوية بالنسبة إلى التفكير النظري. - قام الباحثون في قضايا الإسلام بنشر نظرة جد إيجابية حول الربيع العربي، بيد أن الرأي العام الغربي عاش الوقائع بنوع من التوجس. في البداية، كان هناك فعلا توافق بشأن كون الوقائع الأولى مدهشة. ففئة الشباب كانت تتحاور فيما بينها عبر موقع «فيسبوك»، ومن خلال تبادل تغريدات «تويتر»، وكانت لدى هذه الفئات نفس تطلعات الشبان الغربيين. هذا الأمر كان من شأنه أن يدفع المدافعين عن القومية العربية والمستشرقين إلى التقاعد، لأنهم لم يروا قدوم أي شيء. لقد شكل تحرر الطبقة المتوسطة العليا رأس حربة الاحتجاجات الجماهيرية، التي انخرطت فيها بسرعة طبقات «أصحاب الشواهد المعطلين»، وخلال هذه الفترة لم يلعب الإسلاميون أي دور يذكر. - كيف دخل الإسلاميون، إذن، في اللعبة ليتوجوا ذلك بالتحكم في كل شيء؟ في ظل الأنظمة الدكتاتورية كان الإسلاميون يحيون بشكل متخفٍّ، لكنهم كانوا يمتلكون بنيات للمقاومة مشيدة على نفس شاكلة الأجهزة التي كانوا يحاربونها. وفي مصر قام الإخوان المسلمون بإنتاج نسخة معكوسة عن أجهزة مخابرات النظام السابق. لم يكونوا مؤهلين لقيادة الثورة، لكنهم كانوا يمتلكون آليات التمكن من السلطة مدى طويلا. وعندما تم قلب الأنظمة من قبل غيرهم، قام الإخوان المسلمون بتفعيل عمل أجهزتهم. تم هذا الأمر في الآن نفسه، فاليوم، سواء بمصر أو تونس، نعاين تصاعد حدة النزاع بين الطبقات العلمانية المتوسطة والحركات الإسلامية. وبذلك نكون قد دخلنا المرحلة الثالثة للثورة؛ المرحلة الأولى كانت عندما قامت الفئات العلمانية الشابة بالنهوض بدون أي بنيات، والثانية مكنت الإسلاميين من الإمساك بزمام السلطة، أما المرحلة الثالثة فتوضح بأنهم غير قادرين على تدبير الوضع الاقتصادي والسياسي. لقد أصبحت، اليوم، شعبية الرئيس مرسي بمصر تتهاوى على نحو كبير. ولهذا السبب، وبدون أدنى شك سنرى رجات جديدة. - هل هناك بلاد عربية معينة أدت فيها الثورة إلى تحسن الأوضاع فعليا؟ إن تونس هي البلاد العربية الوحيدة التي تم فيها الانتقال بالطريقة الأقل عنفا. لم يكن ذلك الأمر بضربة حظ، وليس من المفاجئ في شيء أن الاحتجاجات خرجت من تلك البلاد. فالنخبة التي حملت شعلة الثورة كانت في غالبيتها تتكون من دارسي القانون الذين يتحدثون لغتين على الأقل، فهم يجيدون اللغة العربية، وتمكنوا من خلال اللغة الفرنسية من الانخراط في الثقافة الدولية. لقد كانوا يجسدون العولمة على نحو متبصر، وكمثال على ذلك كان شعار الثورة التونسية باللغة الفرنسية هو «ديكاج». وتونس كذلك هي البلاد التي كانت فيها الصيرورة الثورية، بشكل أقل حدة، رهينة بالأفكار الديماغوجية المرتبطة بالحركات الإسلامية والتيار القومي العربي. وحتى حزب النهضة الإسلامي أنجب رجلا مثل حمادي جبالي، الذي انخرط في التيار الإسلامي من داخل أسوار جامعة «أنطوني»، حين كان يشق طريقه لكي يصبح مهندسا في الفنون والمهن. - هل هذا الأمر يبعث على الاطمئنان أم هو مدعاة للقلق؟ الأمر برمته مرتبط بالطريقة التي يرى من خلالها الأشخاص دور الدين. فشخص مثل جبالي يظهر بأنه قادر على التوصل إلى خلاصات بشأن الثقافة الغربية والجذور التي نبعت منها بدون الانجراف بالضرورة وراء المغالاة. وبالنسبة إلى فرنسا، من الضروري أن تؤول التجربة التونسية إلى شكل من أشكال النجاح، بالرغم من الهزات التي تعتريها. فالبلدان جد قريبين من بعضهما. وينبغي علينا أن نتذكر بأن عشرة نواب بالبرلمان التونسي فرنسيون، خمسة منهم من جنوبفرنسا، والخمسة المتبقون من شمال فرنسا. كما أن 8 في المائة من السكان التونسيين يقيمون بفرنسا؛ وهذا ما يشير إلى أن التطور السياسي لهذا البلاد يشكل تحديا حقيقيا بنسبة إلى فرنسا، نظرا لكون الثورات العربية يتفاعل فيها على نحو وثيق جنوب البحر الأبيض المتوسط مع ضواحينا (الفرنسية). هذا الأخذ والعطاء فيه الجانب الجيد، كما يحمل في طياته الجانب السيء. من جانب آخر، تظل تونس البلاد التي تجمعنا بها سهولة التبادل، إن لم نقل الانصهار، من بين كل البلدان العربية التي شهدت قيام الثورة. - كيف تفسر تعرض الأمل المصري لكل هذه الخيانة؟ في ظل حكم مبارك، كان الإخوان المسلمون قد انخرطوا في توجه يقضي بمواجهة الجيش؛ إذ كانوا يسهرون على تدبير التعليم، والأعمال الاجتماعية والخيرية... وبدعم من قطر نجحوا في تنفيذ انقلابهم على الثورة، حيث نجحوا في فرض خطابهم الوحيد على الشعارات الثورية المتعددة. وقد قامت قناة الجزيرة القطرية بمنحهم بعد ذلك صدى كبيرا، من خلال لعب دور مدير الفرقة والجهة الداعمة في الآن نفسه. وبالنسبة إلى المشاهد العربي، أصبح الإخوان المسلمون، من خلال ذلك، الممثلين الشرعيين للثورة. - ما هو الدور الحقيقي الذي لعبته أنظمة البترول الملكية كقطر؟ أصيبت تلك الأنظمة في البداية بالارتباك، وربما الفزع. كان ذلك لأن الأمر تعلق بمساءلة النماذج المتسلطة، التي تمثلها دول الخليج بشكل واسع؛ وكذلك لإدراك أنظمة البترول الملكية، على نحو سريع، بأنه سيتم اللجوء إليها لتقديم الدعم المالي للشركات غير القادرة على تأدية الأجور. وفي هذا الصدد، هناك ثلاث دول ذات إشعاع دولي ووزن سياسي حقيقي بمنطقة الخليج العربي، هي: المملكة العربية السعودية، وقطر والإمارات. السعودية تمر في الوقت الراهن بأزمة حكامة كبرى؛ فالملك جد متقدم في السن، والعائلة الحاكمة منقسمة بين أطياف عدة، فضلا عن كون الرياض لا تمتلك القدرة على نشر نفوذها بالمنطقة. المملكة العربية تكره الإخوان المسلمين، لأنهم يجسدون بديلا قويا للتيار الوهابي في إطار الإسلام السني العالمي، وتعمل على تعبئة السلفيين لمواجهتهم. ويجد أصحاب التيار السلفي مصادر تمويلهم وقواعدهم التنظيرية، ليس فقد لدى السعوديين، بل كذلك بدولة الكويت، التي يقوم بها العديد من أصحاب الثروة السلفيين بتمويل الجماعات الجهادية بسوريا. - وماذا عن قطر؟ قطر كانت أكثر من تبنى سياسة نشيطة في وجه دعم الثورات بتونس، وليبيا، ومصر. كما ساهم القطريون بشكل واسع في تسليط الضوء على أن الإخوان المسلمين هم الممثلون الشرعيون للثورات، لأنهم يرون في هؤلاء فرصة بروز طبقة متوسطة محافظة، ولا يعتقدون بأنهم سيشكلون أي تهديد بالنسبة إلى المصالح القطرية. كما يرى القطريون في الإخوان المسلمين التنظيم السياسي والديني القادر على التغلب على النفوذ السعودي، الذي تمارسه المملكة من خلال عشرات الآلاف من الوعاظ المنتشرين في ربوع العالم. بموازاة ذلك، وبعدد مواطنين يصل إلى 200 ألف، تحس قطر بأنها ضعيفة في مواجهة المملكة العربية السعودية (25 مليون نسمة)، وعلى نحو خاص في وجه إيران (80 مليون نسمة). وقطر تسعى على الدوام إلى التوفر على الضمانات في وجه كل المخاطر من خلال نشر إشعاعها على المستوى الدولي، بما في ذلك داخل فرنسا، سواء في أوساط الأعمال أو بالضواحي. إن لاعب كرة القدم الذي يغير دينه إلى الإسلام وينجح في مشواره الكروي يمنح نموذجا يتماشى مع الرأسمالية. بيد أن ما نلاحظه، منذ بدء الثورات العربية، هو قيام القطريين بالمجازفة؛ فمن خلال الدعم النشيط جدا للإخوان المسلمين، يعرضون إستراتيجيتهم الخاصة للخطر. فعلى سبيل المثال كانوا قد أبانوا عن اختلافهم التام مع التدخل العسكري الفرنسي بدولة مالي، وهو ما يذهب عكس التقارب الذي حرصوا على تطويره منذ عدة سنوات. - قلت إن الإخوان المسلمين هم في مواجهة مع السلفيين. كيف السبيل إلى التفريق بين هذين التيارين؟ الإخوان المسلمون يريدون الوصول إلى السلطة من الأعلى لأجل أسلمة المجتمع؛ ويسعون إلى تعويض الطبقة الحاكمة السابقة بنخبة من الخضر، دون إجراء تغييرات في النظام الاجتماعي. لكن الثورات أدت إلى ظهور انشقاقات حتى في داخل صفوفهم، بين الذين يتصرفون كما لو أنهم في حزب ستاليني، وبين الأشخاص الطامحين إلى رؤية المزيد من التغيير، والذين يميلون أكثر نحو السلفيين. من جانبهم، يطمح السلفيون إلى تغيير المجتمع على نحو راديكالي بناء على قاعدة دينية صرفة، من خلال جعل الأمور مستوية من الأسفل عبر التزام الجميع بالشعائر الدينية؛ فالوضع الاجتماعي الحالي بالنسبة إليهم فاسد لأنه غير عادل (باستثناء المملكة العربية السعودية...). هذا الأمر يترجم على أرض الواقع في شكل رؤية متزمتة ورجعية بشكل تام؛ إذ يتعين على المرأة وضع النقاب، وأن يتصرف الرجل على هواه. هذه الرؤية هي التي نجحت اليوم أكثر في التقاط التذمرات الاجتماعية العديدة. فالإخوان يعملون على استقطاب الأشخاص من داخل الطبقة البرجوازية الصغرى، في حين يكثف السلفيون وجودهم بالأحياء الصفيحية والمناطق المهمشة. هذا التناقض يصبح مطلقا عندما نعلم بأن السلفيين يوجهون أنظارهم نحو المملكة العربية السعودية، التي ليست نموذجا للنظام الثوري، ولا للنظام الاجتماعي العادل. إن أفراد الجماعات الملتحية وضعوا أنفسهم وسط خندق من التناقضات المنافية للمنطق. - هل يمكن القول بأن خيبة الأمل هذه، بخصوص ما يمكن أن ينجزه الإخوان المسلمون، هي ما يفسر قدرة بشار الأسد على البقاء في السلطة، واستمرار الجرائم التي لا تعد ولا تحصى؟ سوريا هي رهينة تحديات ورهانات تتجاوز المستوى المحلي الصرف. في البداية، عاينا ثورة تبدأ كما بدأت باقي الثورات، حيث خرج الشباب للاحتجاج بدرعة، منتصف شهر مارس 2011، وبعدها تعرضوا للتعذيب على يد الشرطة السرية، التي أذلت عائلاتهم أيضا. كلنا يعرف الوقائع التي تلت ذلك، والتي كانت جد دموية. لكن، بخلاف باقي الدول العربية، ومع تطور النزاع، أصبحت سوريا الإطار الدرامي الذي تقوم داخله بلدان الخليج ببسط رغبتها في طرد إيران من المشهد السياسي المحلي، بالنظر إلى أن سوريا مفتاح قنطرة العبور نحو نظام الشرق الأوسط برمته، وتتمحور في وسط الرهانين الأساسين اللذين يطبعان انخراط المنطقة العربية في العالم؛ أي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والبترول. ومن خلال دعمها لبشار الأسد، ترسم إيران محور نفوذ أساسي داخل كامل المجالين العربي والإسلامي. ومن خلال التحكم بتنظيم حزب الله، إلى حد الساعة، وتنظيم حماس الفلسطيني، حتى السنة المنصرمة، أصبحت طهران حاضرة على جبهتين إسرائيليتين: لبنان وغزة. بلدان الخليج ترى في الأمر تهديدا مباشرا، وتعمد إلى تمويل كل الجماعات السلفية التي تسعى إلى تحويل حرب التحرير السورية إلى جهاد سني لمواجهة التيار الشيعي والطائفة العلوية. وهذا ما يعني بأن بلدان الخليج تساهم في انتشار المجازر. علاوة على ذلك، فالحرب السورية، على خلاف حرب لبنان أو يوغوسلافيا سابقا، يعاد نشر وقائعها على الشبكة العنكبوتية من خلال الهواتف النقالة. والنتيجة جد بشعة. - وفي مواجهة هذا الأمر، نرى بأن المسؤولين عن الجيش السوري الحر طفح بهم الكيل. التقيت بالكثير من الأشخاص، من بينهم الذين ليسوا بتاتا جهاديين، ولكنهم يتبنون الطرح الديمقراطي والعلماني. إنهم يلومون بشدة الغربيين على تكاسلهم في مدهم بيد المساعدة، وهو ما يجعلهم في وضع جهنمي نظرا إلى كونهم في مواجهة قوات الأسد، التي تستفيد من المعدات الروسية ومن مساعدة الحرس الثوري الإيراني، والسلفيين، الذين يتمتعون بالأموال الطائلة التي تأتي من دول الخليج. إن الحرب بدأت تكتسب طابعا «جهاديا»، وهذا تكتيك يستغله بشار الأسد لإضعاف الجيش السوري الحر، وزرع الرعب في صفوف الأقليات، العلوية والمسيحية، التي تخشى أن يرتكب السلفيون في حقها المجازر. لا يوجد أي شخص يستطيع التحدث عن واقع علاقات القوى على الميدان. كما أن استمرار حالة الحرب الأهلية يوضح بأنه لا يمكن أن يوجد حل عسكري صرف، لأن ذلك سينجم عنه تدمير سوريا. ينبغي بسرعة ملحة إيجاد حل سياسي، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الضمانات التي يمنحها الجيش السوري الحر لمختلف الطوائف، لكي يضمن عدم تعرضها للانتقام الأعمى. في سوريا لا يوجد حل سوى المخرج السياسي، من خلال دولة ديمقراطية تعددية. * عن مجلة «ليكسبريس» الفرنسية
انقسام العلمانيين يصعب إيجاد بديل للإسلاميين - إلى حدود اليوم لا يوجد أي بديل منظم يقوم مقام الإسلاميين؟ لا، القوى العلمانية منقسمة جدا بسبب التطاحنات بين المسؤولين، الذين لم يستطع بعضهم وضع قطيعة واضحة مع الأنظمة السابقة، وهو ما يلطخ شرعيتهم. في مصر أصبح الشباب الذين أشعلوا الثورة جد مستائين، ويعتبرون بأن طموحاتهم تعرضت للخيانة. وفيما يتعلق بالطبقات المتوسطة العلمانية، فقد أدت الثمن بسبب دعمها لفكرة تجديد الأنظمة المتسلطة؛ حيث اعتقدت لبعض الوقت بجدوى تشبيب الأنظمة الدكتاتورية، التي اعتمدت على تلك الطبقات جزئيا. وقد قام كل من جمال مبارك، وسيف الإسلام القذافي، بإدخال جرعة من الحداثة كانت كفيلة باستمالة النخب في الحواضر. وفي مواجهة تلك الطبقات، قام الإسلاميون بإنشاء شبكة للتكافل، مكنتهم من التموقع في مركز المقاومة، وخولت لهم إمكانية التنديد بكل الأشخاص الذين لم يعارضوا بشكل صريح النظام السابق. لكنهم وجدوا أنفسهم بدورهم في مواجهة محك الواقع، وهو ما جعل خيبة الأمل تتقوى في وجوههم.