الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    أخبار الساحة    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة        تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسياد العالم الحقيقيون
كيف تتحكم الشركات متعددة الجنسية في حياتنا
نشر في المساء يوم 25 - 03 - 2013

أدت العولمة إلى خلق قوى عظمى جديدة تتمثل في ظهور حفنة من الشركات العابرة للقارات تتحكم في الصناعة الغذائية والقطاع المالي والصناعي، والمجال الثقافي وقطاع الاتصالات... وتصر تلك الشركات على الدفاع عن مصالح المساهمين في رأسمالها على حساب المصلحة العامة. كما تقوم تلك الشركات العملاقة بفرض قوانينها الخاصة، في مواجهة حكومات إما ساذجة أو متواطئة. في هذا الملف تكشف «لونوفيل أبسيرفاتور»
كيف تتحكم هذه الشركات في حياة ملايير البشر.
«ما هو جيد بالنسبة لجنرال موتورز هو جيد بالنسبة لأمريكا»، كما أكد ذلك سنة 1953 تشالرز ويلسون، المدير العام لشركة صناعة السيارات. وفي تلك الحقبة وحتى حدود السبعينيات، «كانت تعد الشركات متعددة الجنسية بمثابة الأداة المسخرة لتعزيز مكانة دول المنشأ»، يوضح الخبير الاقتصادي فريديريك شاوالد. ولم يقم أي شخص منذ ذاك الحين بخلق مصطلح أكثر حداثة للدلالة على عمالقة المال، والصناعة، والخدمات الذين أصبحوا في الثمانينيات والتسعينيات رؤوس حربة الاقتصاد العالمي.
وبحلول الألفية الثالثة، تغير المشهد على نحو راديكالي. وبعيدا عن كونها فقط اليد القوية للدول، أضحت تلك الشركات قوى عظمى مستقلة بذاتها. وبفضل الروافد الأربعة الحاملة للعولمة؛ المتمثلة في تحرير المبادلات التجارية، وإزاحة القيود، وتسريع وتيرة الإبداع التكنولوجي، ونمو البلدان النامية، تطورت العولمة على نحو كبير وتقوت كثيرا. وبينما كان عددها بالكاد يتجاوز ال 3000 سنة 1990، انتقل عدد الشركات متعددة الجنسية إلى 63 ألفا بداية سنة 2000.
كما شهد الوقت الراهن تنوعا كبيرا في عدد البلدان الأصلية التي تنشأ منها تلك الشركات العملاقة على نحو جد كبير؛ فخلال الستينيات كانت تستحوذ الشركات الأمريكية على نسبة 60 في المائة في العالم، وخلال 2012 تضاءل ذلك المعدل ليصل إلى 25 في المائة، ضمن لائحة ألفي أكبر شركات العالم التي أعدتها مجلة «فوربس». وإلى جانب الشركات الأمريكية، والأوربية، واليابانية، أضحينا نلاحظ صعود الشركات الكورية، والصينية، والهندية، والبرازيلية... وأضحى نجوم هذا الترتيب «أسياد العالم» الحقيقيون؛ إذ يتمتعون بنفوذ يفوق ذلك الذي تتمتع به أغلب الدول. وبحلول سنة 2000، ومن بين 100 أقوى المؤسسات الاقتصادية العالمية، كانت 55 منها عبارة عن شركات، وفقا للأرقام التي كشف عنها خلال ملتقى الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. وفي الوقت الراهن، تتموقع قيمة شركة «إيكسون موبيل» في البورصة، ما بين قيمة الناتج المحلي الخام للنمسا وبلجيكا.
وبدون التطرق للتجاوزات التي قامت بها البنوك الكبرى، التجاوزات التي تم التعليق عليها بشكل مستفيض بعد أزمة القروض، أضحى جليا بأن الشركات العملاقة في العالم غير المالية تأتى لها إطباق سيطرة مطلقة على واقعنا اليومي. وتلك الشركات هي من تتحكم في تحركات وقيم الرأسمال والعمل. كما تمارس نفوذها في تحديد ما نأكل، والطريقة التي نعالج بها أمراضنا. ومع وصول ثورة المعلوميات، أصبحت تلك الشركات العملاقة تدبر حتى معلوماتنا الشخصية وطريقة ولوجنا للمواقع الاجتماعية وكيفية الحصول على المنتجات الفنية.
كل شيء لتحقيق المصالح
ومن خلال قدرتها الكبيرة على توظيف جماعات الضغط، تقوم الشركات متعددة الجنسية بتطويق القرارات السياسية، وإبطال مفعول الانتقادات، وتفادي الشفافية، والتأثير في طريقة وضع المواصفات والضوابط المهيكلة... في الحالة التي تقوم تلك الشركات بالمشاركة في صياغة القوانين بشكل كامل. لا تكفي هذه السطور لجرد كل التصرفات الشنيعة لتلك الشركات، رغم أنها تتم في إطار المقتضيات القانونية. ويكفي في هذا الصدد التطرق لواقعتين حدثتا مؤخرا، أولهما المتابعة التي صدرت في حق دركي البورصة الأمريكية بسبب الشركات الكبرى المسيطرة على قطاع النفط، التي لم تكشف عن المبالغ التي منحتها للحكومات الأجنبية. وثانيهما تزايد أعداد الاتفاقات التي تقدم بموجبها الشركات العملاقة الأمريكية المختصة في صناعة الأدوية مبالغ مالية مهمة للمختبرات المختصة في صناعة الأدوية الجنيسة لتأجيل تاريخ ظهور الأدوية الأقل تكلفة.
ورغم كل هذه الأمور لا ينفع أي شيء في كشف التصرفات المشينة للشركات متعددة الجنسية. ومن حيث الجدوى، تقوم تلك الشركات بخلق الثروة، واختراع منتجات وخدمات أكثر فعالية وبأقل سعر. وعلى نحو خاص، لا تعدو تلك الشركات كونها رحى فعالة في يد الرأسمالية المالية. فلأجل الرفع من قيمة العائدات لأقصى حد وتحقيق أكبر ربح مادي تفضل تلك الشركات الاستقرار بالمناطق الأكثر تساهلا من الناحية الضريبية، والبيئية، والاجتماعية. ويزيد من تفاقم هذا الوضع، تعاظم واجب النمو والمنافسة في ظل ظهور منافسين من الوزن الثقيل من البلدان الصاعدة.
لكن، ونظرا لكون تلك الشركات مبرمجة على الوصول لتحقيق أهدافها على المدى القصير، يتعين وبشكل عاجل وضع ضوابط تنظم طريقة اشتغال الشركات متعددة الجنسية، وذلك لكون مسيري تلك الشركات، الذين يحصلون على أجور خيالية لأجل التركيز على خلق القيم داخل سوق البورصة، لا يكترثون أبدا لأي شيء آخر، بما في ذلك الموظفين، والزبائن، والأراضي... وبالنسبة لهذه الطبقة الأوليغارشية العالمية، التي تلتقي بأكبر المنتديات العالم كدافوس ونادي بيلدربيرغ، فالحكومات مصدر إزعاج. «الفاعلون في المجال العمومي يعتبرون كأحد عوامل غياب الفعالية»، يوضح فريديريك ساشوالد.
وفي مواجهة هؤلاء المنافسين الشرسين والمسرعين، يتجلى بأن المسؤولين السياسيين أضحوا قليلي الحيلة. فهل الأمر مرده لسذاجة رجالات السياسة؟ أم تواطئهم الإيديولوجي؟ أم بسبب مراكز القوى المحددة سلفا؟ أم بسبب الفساد الناعم؟ لا شك أن الأمر هو خليط من هذه الأمور الأربعة. وفي عز الأزمة الاقتصادية، تقوم الحكومات ببسط السجاد الأحمر لصالح كبريات الشركات، والتفاوض معها بشدة حول الاستثمار وفرص العمل. وبذلك تقوم تلك الشركات ببسط سيطرتها. «بالنظر للنفوذ المتعاظم لكبريات الشركات العالمية الذي تمارسه في مجتمعنا الحديث، من خلال المساهمات التي ترصدها للحملات السياسية، و»تجارة النفوذ»، أو الفساد في بعض أرجاء العالم، لا يمكن بأي حال المبالغة بالقول إن سلطة تلك الشركات تشكل كذلك تهديدا بالنسبة للمسار الديمقراطي»، يؤكد مؤلفو «غلوبال إنك».
عمالقة العالم الرقمي
إنهم يعشقون ثقافتنا، ويداعبون حياتنا الشخصية، ويبجلون كليهما. جيف بيزوس، صاحب شركة «أمازون»، أحد أكبر المداومين على القراءة كما أنه متزوج بروائية. وستيف جوبز، عندما كان قيد حياته، كان شديد التعلق بالفنانين إلى درجة تذمره باستمرار من عدم قيامة «بقضاء الوقت الكافي لإقناع الناس بفعل ما يرون بأنه مجد بالنسبة لهم». أما مارك زوكربورغ، صاحب موقع «فيسبوك»، فلا يكتفي فحسب بضمان تواصل أكثر من مليار شخص، بل يقوم بذلك على نحو مسؤول، ويؤكد «نتواجد في ملتقى الطرق بين التكنولوجيا ومشاكل المجتمع، ونخصص الكثير من الوقت للتفكير في كلاهما معا.» ومن منا لا يعرف شعار شركة «غوغل» «دونت بي ايفيل» (لا تكن من الأشرار). وراء هذه العبارات الرنانة يختفي واقع أقل مرحا. ف «عصابة هؤلاء الأربعة» تهيمن على الأسواق التي أطبقت سيطرتها عليها. يحظون باستقبال زعماء الدول، وأينما حل رؤساء تلك الشركات يعرفون بصفتهم أسياد المجال الرقمي على مستوى العالم. وحتى المدير العام السابق لشركة «غوغل» يقر بأننا «لم نشهد أبدا في السابق أربع شركات تنمو بهذه الوتيرة في الآن نفسه».
قامت شركة «أمازون» بتدمير المكتبات وأضحت تهدد الناشرين، وشركة «آبل» قلبت الصناعة الموسيقية رأسا على عقب، وأضحت تمارس حق الفيتو على جميع تطبيقاتها، أما «فيسبوك» فيمتلك، ويبيع، ملايير المعطيات، والصور، ومقاطع الفيديو التي نمنحها له بكامل رضانا، فيما تتحكم شركة «غوغل» بنسبة 80 في المائة من سوق محركات البحث. يقوم العمالقة الأربعة «بتحديد ماهية الشبكة العنكبوتية على نحو غير متوازن، وهو الواقع الذي يجعل الانترنت بعيدا عن الفكرة الأصلية لشبكة بين جهات على قدم المساواة. وإذا كان في الإمكان القول بوجود مفهوم في الماضي يفيد بكون الأنترنيت في منأى بطبيعته عن الاحتكار، فما يجري في الوقت الراهن يوضح كم أخطأ الأشخاص الذين اعتقدوا بأن رغباتهم ستحقق»، يعلق تيم ووو، أستاذ بجامعة كولومبيا ومختص في قانون المنافسة، الجبهة التي فازت فيها «غوغل» بالجولة الأولى داخل الولايات المتحدة، فيما جنت مجرد توبيخ بسيط من لدن السلطات.
القلب النابض
هذا الواقع يصبح أكثر إزعاجا حينما نكتشف بأن الأمر لا يتعلق بأسواق عادية؛ فالثقافة والحياة الخاصة هي القلب النابض للديمقراطية ورئته. ففي حالة «أمازون» مثلا، أغلقت 2000 مكتبة أبوابها منذ تاريخ إطلاق جيف بيزوس لحملته العشواء. هذا التوجه يزداد سرعة بعد النجاح الذي حققه الكتاب الالكتروني، الذي تتحكم شركة «أمازون» في نسبة 60 في المائة منه بالولايات المتحدة الأمريكية. كما أن الناشرين وجدوا أنفسهم في مفترق الطرق أمام هذه الشركة العملاقة التي ترغب في خفض السعر الأدنى للكتاب.
تؤكد «أمازون» بأنها تطمح فقط إلى خلخلة نظام عديم الجدوى. لكن تداعيات الحملة التي تقودها الشركة تظل عميقة. «أمازون تريد السيطرة على سوق الكتب الأمريكي من خلال إجبار القراء على تفضيل التوجه للانترنيت، حيث سيسهل على الشركة كثيرا القضاء على منافسيها»، يندد بول أيكن، رئيس رابطة المؤلفين. «من هنا خمس سنوات، ستتم 80 في المائة من مبيعات الكتب الناجحة على الانترنت،» يتوقع مايك شاتزسكين، أحد المختصين المرموقين في هذا المجال قبل أن يضيف: «هل ستبقى المكتبات المكان الذي نتعرف به فجأة على أحد الكتاب؟ هذا الأمر غير أكيد، ستصبح نقط بيع الكتب جد قليلة.»
مورغان انتركين، رئيس أكبر مجموعة أمريكية مستقلة للنشر، لا يحس بأنه «مهدد» من قبل شركة «أمازون»، لكن لديه نصيحة يسديها لجيف بيزوس: «أتمنى أن يدرك بأن النجاح لا يعني بالضرورة وجوب انقراض جميع المنافسين. ينبغي عليه أن يستوعب حجم المسؤولية الاجتماعية الكبيرة الملقاة على عاتقه؛ فهو يستعد للتحكم في طريقة توزيع المعرفة بمجتمعنا، وعليه أن يقيس جيدا النتائج.» أما نيك هانور، ملياردير من منطقة سياتل (كان من أوائل المستثمرين في الشركة)، فيدافع بشراسة عن الإستراتيجية التي تتبعها «أمازون»: «ما يهم في الكتب هو صراع الأفكار، وليس الحامل الورقي أو المكتبة التي بيع فيها الكتاب. لا أعتقد أبدا بأن جيف بيزوس هو عدو للكتب.» لكن الملياردير يقر بالجانب الرأسمالي الذي يجري صديقه وراءه: «لا يكترث جيف أبدا لمصير المكتبات الصغيرة، لأنه ترك الأمر بيد السوق ليقول كلمته. وفي نهاية المطاف يتعلق الأمر بمعرفة إن كان جيف بيزوس سيصبح غنيا أم لا.»
غموض مزعج
هذا الهجوم الشرس بدون هوادة، نجده كذلك عند «فيسبوك» و«آبل» و»غوغل». لكن عندما يتعلق الأمر بموقع «فيسبوك» يصعب كثيرا القول ما هي الأمور الأكثر إزعاجا؛ أهي حصته الساحقة في السوق، أم المناورات التي يقوم بها الموقع لدفع المستخدمين لتشارك معلوماتهم مع باقي المستخدمين، أم الطريقة الفظة التي يستخلص من خلالها ما يدره كنز المعلومات الشخصية. صاحب الموقع يبرر ما يقوم به من خلال القول بأن «الأشخاص أصبحوا أكثر اطمئنانا للفكرة، ولا يقومون فحسب بوضع المزيد من المعطيات والأخبار المختلفة، بل يقومون بذلك على نحو أكثر انفتاحا ومع عدد أكبر من الأشخاص». ويكمن «دور» الموقع في «جلب الجديد وتحديث» العرض الذي يقدمه، بهدف «تجسيد القيم الاجتماعية الحالية»، أو تلك التي يفرضها مارك زوكربرغ.
ماذا عن «غوغل»؟ يهيمن محرك البحث على الشبكة العنكبوتية من الرأس إلى القدم، وكانت ستفلت من بين يديه السيطرة على الالكتروني لملايين الكتب. كما استطاع المحرك الاستحواذ على جزء كبير من واردات الإشهار الخاصة بالصحف، ويتحكم في جزء كبير من مقاطع الفيديو التي يتم وضعها على الشبكة العنكبوتية، من خلال موقع «يوتيوب». «غوغل يسعى لأن يصبح نظام استغلال حياتنا اليومية، والمجتمع الذي يدبر تدفق المعلومات في كل مناح الحياة، سواء عندما نقود السيارة، أو نمشي، أو نتحدث مع الأصدقاء، إلخ»، يوضح سيفا فيدهاينتان، أستاذ باحث بجامعة فيرجينيا، ومؤلف كتاب حول انتشار المحرك في كل المجالات.
«حصة الشركة من سوق محركات البحث ليس هو الأهم، يضيف الأستاذ الباحث. الأمر الأهم هو ما يقومون به بفضل سلطتهم. فمحرك غوغل يسعى بشكل متصاعد لقطع الطريق في وجه المنافسة، من خلال اقتراح عدد من الخدمات تستطيع الشركات الصغرى تقديمها.» وفي هذا الصدد تشكك أعداد متزايدة من الشركات في كون نتائج بحث محرك «غوغل» لا تشمل كل الأشياء، ولكنها تكون منحازة وفقا للامتيازات التي سيستفيد منها المحرك. كما يعتبر فيدهاينتان بأن خدمة الفيديو من خلال موقع «يوتيوب» هي «النشاط الأكثر تأثيرا في مجالات الثقافة والسياسة. فمثلا في حالة الفيلم المسيء للرسول، كان لموقع يوتيوب اليد في انتشار الخبر، وبالتالي تظهر المسؤولية المتعاظمة للموقع، من خلال الدور الذي يلعبه في تحديد الكيفية التي يرى من خلالها الأشخاص العالم».
من بين الثلاث بقيت شركة «آبل»، التي هي في غنى عن الاستحواذ على جزء من السوق لأجل تحقيق الأرباح. فطريقة الشركة تتجسد في استقطاب المستخدمين والحرص على إبقائهم داخل منظومة الشركة المغلقة. يمكنها هذا الأمر من منح «تجربة» غنية من الناحية الفنية والحسية، من خلال الآلات التي تصنعها، والتطبيقات التي تطورها. يميل زبناء الشركة لقبول هذا الأمر دون أدنى تذمر، فيما يتعين على الصحافة، التي تستخلص «آبل» نسبة 30 في المائة من جميع الاشتراكات على جهاز «الآيباد» مع الاحتفاظ بملكية ملفات المشتركين، المرور بصناديق الشركة...
المنافسة والحلول
التفسيرات التي يقدمها هؤلاء العمالقة الأربعة جد متعددة. فعالم التكنولوجيا يتطور بوتيرة جد سريعة، حسب ما يقولون، والمنافسة توجد فقط على بعد نقرة واحدة. هذا الأمر صحيح، ف «غوغل» و«فيسبوك» يقودان منافسة جد شديدة على مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث. كما تسعى شركة «غوغل» و«آبل» لدخول غمار نشر الموسيقى عبر الانترنت، فيما تتنافس «أمازون» مع شركة «نيتفليكس» حول قطاع الأفلام... لكن فيما «يخص الأنشطة المركزية المدرة للعائدات المالية، لا يواجه الأربعة منافسة كبيرة»، يذكر فيدهاينتان.
أما التفسير الثاني فيكمن في كون تلك الشركات تسعى للخير بطبيعتها، وتؤمن بالقيم، ولا يجول ببالها سوى تحقيق مصلحة المستخدمين. «عندما شرعنا في وضع التصورات بشأن اختراع كمبيوتر لوحي، وضعنا التساؤل التالي على أنفسنا: «ما الذي سيكون أكثر أهمية من السماح لأي شخص في أي مكان بالعالم بالولوج إلى الكتب؟»، يشير إيان فريد، مدير الكمبيوتر اللوحي (كيندل) لدى «أمازون». لا أحد يشكك في مدى جدوى خدمات ومنتجات تلك الشركات، لكن تحقيق الربح والهيمنة على المنافسين هي أحد أكبر الاهتمامات المتصاعدة بالنسبة للشركات الأربع.
أما التفسير الثالث، الأكثر غرابة، فيتجسد في الإيمان بشكل مطلق بكون التكنولوجيا قادرة على منح الحلول لكل المشاكل، سواء كانت عابرة، أو مجتمعية، أو ميتافيزيقية. «إنهم يجرون وراء إيديولوجية شاذة وخطيرة أسميها الإيمان بالقدرة على حل جميع المشاكل»، كما جاء في مقال للكاتب افجيني موروزوف نشره بصحيفة «نيويورك تايمز»، وأكد فيه بأن هذه العدوى الفكرية تحدد المشاكل وفقا لمعيار واحد؛ أي تبحث عن معرفة إن كان في الإمكان تقديم «حل» تكنولوجي نظيف ومقبول (...). هؤلاء يخادعون أنفسهم عندما يكتفون بوصف المشاكل دون القيام بمساءلة أسباب ظهورها. وبفضل المطارق الرقمية للسيليكون فالي، كل المشاكل تصبح شبيهة بالمسامير، وكل الحلول شبيهة بالتطبيقات.»

ويليام بوردون: العالم في حاجة إلى محكمة دولية لمتابعة الجرائم الاقتصادية الكبرى
- أطفال يولدون بتشوهات خلقية لأن أمهاتهم شربن من مياه ملوثة، تلوث الأرض، قطع أشجار الغابات، تشغيل الأطفال... كثيرة هي التجاوزات التي تقف وراءها فروع بعض الشركات متعددة الجنسية. ألهذا الغرض أنشأتم جمعية «شيربا»؟
الجمعية هي ثمرة معاينة عن قرب لظهور عدالة جنائية تكتسب طابعا دوليا على نحو متزايد وتترصد كبار الجناة الذين تتناقص حصانتهم... وعدم القدرة على التساهل المتنامي في وجه حصانة أكبر الفاعلين الاقتصاديين. هذه الوضعية هي مصدر لكوارث جمة على المستوى الجماعي. قمت رفقة المحامي يان كوينيك بصياغة وثيقة تحمل عنوان «لننظم الشركات العابرة للقارات: 46 مقترحا». لدينا بعض الأمل بخصوص إقدام البرلمان الفرنسي على الاستفادة من تلك المقترحات وتوظيفها ضمن الأشغال الحالية...
- مؤسستكم تتجه رأسا للمشاكل الحيوية المرتبطة بتفويت الخدمات التي تقوم بموجبه الشركات متعددة الجنسية بنقل جزء من أنشطتها لمناطق جديدة من العالم.
كل الشركات الكبرى لها ميثاق لحسن التصرف، وكلها تعبر عن التزامها القوي بتحقيق التنمية المستدامة. ويسود الانطباع لدينا بأن كل شيء يسير على أحسن وجه في شبكات التزويد والفروع والفروع الصغرى، التي تكون أحيانا أعدادها بالعشرات في العديد من البلدان. وبعيدا عن أنظار المستهلك المدعو لاستهلاك المنتجات على نحو «عقلاني»، والمساهمين الحذرين النادرين، تظهر ممارسات مناقضة لما هو منشور على مواقع الانترنت والجمعيات العامة. وفي هذا الصدد، تحضرني الشكاية التي وضعناها ضد شركة «سامسونغ» بسبب التصرفات التجارية المخادعة جراء تشغيل الشركة للقاصرين بالصين في ظل ظروف غير لائقة.
- تسعى أوربا لكي تكون رائدة في مجال المسؤولية الاجتماعية والبيئية للشركات. هل أضحت متجاوزة؟
بالنظر عن قرب لمشاريع القوانين، نرى بأن أوربا هي في قلب معركة دولية بين «القانون الصارم» (قانون ملزم يفرض عقوبات زجرية)، و«قانون رخو» (مواثيق محاربة الرشوة، مواثيق التصرفات الحسنة، إلخ)، يسعى على ما يبدو للتخلص من المسؤولية القضائية. وبفضل العولمة، تحفز هذه الظاهرة ظهور «مجموعات افتراضية»، تكون مراكز قرارها، وأماكن الاحتفاظ برأسمال والمكاسب متباعدة أكثر فأكثر. فبعض الشركات المنجمية المستثمرة بأمريكا الجنوبية أصبح من غير الممكن ملاحقتها، نظرا لكون البنيات التي توجه المشاريع هي في الغالب هيئات غامضة، ولها مقرات بالملاذات الضريبية.
(...)
- لكن كيف بالإمكان إعطاء تفسير لضعف الدول أمام تلك الشركات؟
إن العلاقات بين مسيري الشركات متعددة الجنسية والدول بعيدة كل البعد عن أن تكون فاضلة. فالشركات لا يفيدها في شيء تعزيز المسلسل الديمقراطي، لأنه كلما كانت دولة القانون ضعيفة أو منعدمة، كلما قل واجب تقديم الحساب. هذا هو الحال بالنسبة لعدد من الدول الإفريقية، حيث استغلال الثروات الطبيعية لا يأتي بالنفع على الجميع. بعض الشركات تذهب أبعد من ذلك، حين تلجأ إلى الهجرة من بلد لآخر لإيجاد القوانين الاجتماعية والمالية «الأقل صرامة». فمثلا، شركة «فوكسكون»، التي تشتغل لفائدة «آبل»، هي بصدد نقل مواقع إنتاجها نحو اندونيسيا، لأن الصين أصبحت أكثر تطلبا فيما يتعلق بأجور اليد العاملة. وفي مواجهة المقاومة المتصاعدة للمجتمع المدني، تقوم الشركات بمضاعفة بنياتها القانونية ما بين الشركة الأم والشركة العاملة على الأرض، واستقدام جيل جديد من محترفي الدعاية بواشنطن، وبروكسيل، والبرلمان الفرنسي لمجابهة صعود «القانون الصارم» على حساب «القانون الرخو».
- هل لديكم أي أمل في تغير هذا الوضع؟
بداية سنة 2000 كان يبدو بأن «القانون الرخو» أضحى الفائز، حيث بدأت الشركات متعددة الجنسية تستهزئ بأوربا. بيد أن العجرفة التي بدرت من تلك الشركات أبانت عن كونها أسوأ عدو بالنسبة لها، وهو ما يثبط عزيمة صناع القرار الذين يؤيدون تلك الشركات... لكن هناك ورش كبير أمامنا، خصوصا في ظل إصرار كبريات الشركات العالمية على استخدام لغة مزدوجة. وبعد فضيحة وكالات التنقيط الائتماني، يتعين فرض جيل جديد من وكالات التنقيط الأخلاقي تكون مستقلة وتتحدر من أوربا وقادرة على التأشير على مدى صدق الشركات الكونية.
- هل من مقترح؟
أدعو لإنشاء محكمة دولية لمتابعة الجرائم الاقتصادية الكبرى. إقامة مثل هذه الهيئة أصبح ضرورة ملحة لممارسة سلطة رادعة نفتقدها اليوم بالنظر لغياب إطار قانوني دولي شامل، الذي رغم كونه رائعا على الورق، إلا أن بعض الدول تتهاون في القيام بتفعيله.
- ما هي الجهة التي ستكون أول متابع من لدن هذه المحكمة؟
بدون أدنى شك الشركة البريطانية «ترافيغورا»، التي تمت متابعتها بعد إفراغها سنة 2006 لشحنة سامة في العديد من الأماكن بالقرب من العاصمة الإفوارية أبيدجان. يتعلق الأمر بكارثة عظمى على المستوى الصحي والإيكولوجي. فبحيرة أبيدجان ستظل ملوثة لعدة أجيال قادمة.
* محامي ساهم في إنشاء جمعية «شيربا» سنة 2001 بهدف جعل الشركات الأم مسؤولة قضائيا وماليا عن التصرفات التي تصدر عن فروع تلك الشركات بالخارج، وتمكين الضحايا من ملاحقة تلك الشركات قضائيا.

لوبي السكر.. هكذا تربح الشركات «حرب الصحة»

تستعين الشركات الأمريكية العملاقة بنفس الاستراتيجيات التي تتبعها الشركات المصنعة للتبغ؛ وذلك عبر تمويل دراسات علمية شكلية، وممارسة الضغط على المنتخبين...
المفعول المدمر جراء استهلاك مادة السكر، تعرفه عن ظهر قلب كريستين كوزنز. هذه الطبيبة الشابة سيرت خلال سنوات طويلة مصحة لطب الأسنان بالأحياء الفقيرة بدنفر. أما الرسالة التي تسعى لنشرها فلم تظهر إلا منذ وقت قريب، في أحد أيام شهر نونبر 2007 بأحد فنادق مدينة سياتل. فبعدما أصبحت تعمل إطارا طبيا لدى شركة للتأمينات، شاركت في فعاليات منتدى حول داء السكري. حينها غمرتها صدمة كبيرة، حين اكتشفت أنه تم التطرق بشكل خاطف لأخطار مادة السكر، في حين تم التركيز بشكل مستفيض على مخاطر المواد الدهنية، والملح، والوزن الزائد، وقلة ممارسة التمارين. لكن لم يتم ذكر أي كلمة حول السكر. ولم يتم إرداف ولو سطر واحد حول مخاطر السكر في كتيبات الوقاية من التسوس، التي يتم توزيعها على الأطباء. «لم يكن الحديث يدور سوى حول الوزن الزائد. لكن الأشخاص الذين يعانون من داء السكري ليسوا كلهم من ذوي الوزن الزائد. لم أستطع تصديق الأمر.» كما تتذكر هذه الطبيبة قيامها بملاحقة مختص في الحمية شهير أكد بأن احتساء قنينات الشاي المجمد التي تحتوي على 44 غراما من السكر في اللتر الواحد ليس مضرا بالصحة، إذا كان الشخص يتمتع بوزن مثالي. «لقد جعلني أخرس لساني، من خلال التأكيد على عدم وجود أي دراسة علمية تثبت بأن السكر يمكن أن يتسبب في أحد الأمراض المزمنة... وذهب في حال سبيله.»
شكل ذلك اليوم منعطفا في مشوار كريستين. وبعد مرور بضعة أشهر أصبحت تدير حملة ضد استهلاك مادة السكر. لم يكن أمام عمالقة السكر (دومينو، كريتسال)، والمشروبات التي تحتوي على السكر (كوكا كولا، بيبسي) والشركات المصنعة للأغذية (نابيسكو، جنرال ميلز، كرافت، نيستلي) سوى التعامل مع الوضع بحذر. فبعد إمضائها قرابة سنة ونصف من إجراء كافة أنواع التحقيقات، عثرت على كنز من المعلومات، حين طالعت أرشيف شركة تنتج السكر تضم 1500 صفحة من الوثائق السرية توثق لثلاثين سنة من اللجوء لخدمات جماعات الضغط والتحكم في مجريات الأمور. أما نتائج التحقيق الذي أجرته، والمدعم بكثير من الوثائق، فظهرت بمجلة «ماذر جونز» شهر دجنبر 2012. واكتشفت جراء ذاك التحقيق كيف تمكنت، منذ السبعينيات، جمعية منتجي السكر النافذة، التي تضم مصنعي القطاع، من قلب الآراء بغية حجب الحقيقة. استطاعت الجمعية القيام بذلك من خلال ميزانية سنوية تبلغ مليون دولار تخصصها للعلاقات العامة، وتمكنت بفضل ذلك من تحويل غذاء كان يتوقع العلماء مفعوله المدمر إلى عنصر غذائي لا يؤثر على الصحة، العنصر الذي لا تلقي عليه الجمعية الأمريكية لمحاربة داء السكري ولا خبراء طب القلب والشرايين أي لوم. وبشكل أدق تمكنت الجمعية من اختراق الجامعات المرموقة، من خلال التمويل المباشر للدراسات، ووقف الدعم المالي عندما ترى بأن النتائج لن تروق للجهات التي تمثلها جمعية مصنعي السكر، والعمل على إبراز الدراسات التي توضح مخاطر تناول المواد الدهنية.
دراسات متناقضة
«خلال سنوات الثمانينيات، تواجهت مدرستان، يفسر الدكتور روبيرت لوستيغ، خبير بالغدد الصماء، ومختص في السمنة بجامعة كاليفورنيا. إحداهما كان يقودها الأمريكي أنسل كايز، المختص في التغذية، الذي كان يشجب استهلاك المواد الغنية بالدهون. أما المدرسة الثانية فكان يقودها جون يودكين، أستاذ جامعي من لندن، كان يتهم السكر. وبناء على نتائج ثلاث دراسات علمية، خسر يودكين الرهان، وتم التشكيك في العمل الذي قام به. لكن ما كان يجهل آنذاك، هو أن تلك الدراسات الثلاث مولت من قبل لوبي السكر».
لم تغط الأبحاث التي أجراها كوزينز فحسب تلك التي قادها يودكين، بل توضح كذلك كيف نجحت جمعية البحث في قطاع الصناعات السكرية في التأثير على وكالات الصحة العمومية، أو القيام، عندما لم يكن ذلك ممكنا، بزرع الشكوك من خلال نشر دراسات متناقضة. كما استطاعت تلك الجمعية، بالاستعانة بالدراسات الموجهة، قطع الطريق أمام استخدام المنتجات البديلة للسكر، ونجحت فعليا في منع استعمال بعضها. وتمكنت كذلك من الوصول إلى القمة من خلال نشر دراسات تبرز المزايا العلاجية للسكر، في حين كان كل شيء يشير إلى العكس. هذا النجاح أهل أحد العاملين بالجمعية لكي يترأس جمعية مصنعي السيجار، ومكن جمعية السكر من الظفر سنة 1976 بأوسكار العلاقات العامة، بعدما «نجحت في المساهمة في صناعة الرأي العام». وبفضل جهود هذه الجمعية، وخلال نحو 20 سنة، وبينما تم وضع اللوم على المواد الدهنية في كل الأمراض، لم تظهر أبدا أي أبحاث حول الروابط بين استهلاك السكر والأمراض المزمنة.
تزامنت سنوات الثمانينيات مع الظهور الكثيف للمواد قليلة الدسم، التي ينبغي تفادي تناولها، حسب روبيرت لوستيغ: «عندما نزيل المواد الدسمة من منتوج معين، يفقد ذاك المنتوج مذاقه. ولكي يستمر المستهلكون في استحسان مذاقه، لجأ المصنعون إلى تعويضه بالسكر». هذا الأمر أكثر سوءا، حسب هذا الطبيب: «لا يوجد سكر جيد، في حين توجد مواد دسمة جيدة.» وخلال أقل من عشرين سنة، تضاعفت أعداد الأشخاص الذين يعانون من السمنة بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت الراهن، يعاني أكثر من نصف الأمريكيين من الوزن الزائد، بما في ذلك 9 ملايين طفل، و24 مليونا يعانون من داء السكري، فيما يحمل 79 مليون شخص الأعراض الأولية لنفس الداء. وهذا ما يجعل السمنة اليوم ثاني سبب للوفيات داخل البلاد.
الأكيد أن لوبي السكر ليس الوحيد الذي يلام في هذا الأمر، لكن، حسب روبيرت لوستيغ، يتحمل هذا اللوبي مسؤولية كبيرة. «لا يوجد لوبي منظم بالنسبة للمواد الدهنية، في حين يدرك الجميع وجود لوبي للسكر، لوبي جد قديم، وجد منظم، ويتمتع بإمكانيات جد كبيرة.» ظهر هذا اللوبي منذ أكثر من قرن، واستطاع فرض وجوده سنوات السبعينيات عندما تولى ريتشارد نيكسون رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. ففي عز ارتفاع أسعار المواد الفلاحية، قام الرئيس، الذي كان يسعى لإعادة انتخابه، بإطلاق برنامج ضخم لإنتاج الذرة، الذي سيحدث ثورة في مجال صناعة تحويل المنتجات الفلاحية. حينها قام نيكسون بوضع حد للعمل بنظام «الكوطا»، الذي كان موجها للحفاظ على استقرار الأسعار. وبسبب تشجيعهم على إنتاج القدر الذي يستطيعونه، أصبح الفلاحون من أصحاب الثروات الطائلة.
الاختراع الياباني
وعندما تهاوت الأسعار بسبب الإنتاج الزائد عن الطلب، ظهر اختراع ياباني في الوقت المناسب للاستفادة من المنتوج الفائض؛ أدى ذلك لظهور شراب عصير الذرة. هذا المنتوج له تأثير سيء على الصحة، لكنه مذر من الناحية التجارية. وكمنتوج مستخلص من الذرة، لهذا الشراب مفعول سكري جد كبير، كما أنه أقل كلفة من السكر، ويمكن من حفظ المواد الغذائية لمدة أطول. وبفضل مزاياه تلك، اخترق المنتوج الغالبية الكبرى من المنتجات الأمريكية، بما فيها الخبز، واللحم، والمصبرات، والحلويات المجففة،... المنتوج يوجد في كل مكان، بدءا بالمشروبات الغازية. فقد كانت «كوكا كولا» أول من استخدم المنتوج، سنوات الثمانينيات، لتتبعها باقي الشركات المنافسة.
هذه المشروبات، المدمرة بالنسبة للصحة العمومية، هي اليوم أول مصدر للسكر في التغذية التي يحصل عليها الأمريكيون، الذين يشربون منها في المتوسط 190 لترا للشخص الواحد كل سنة... كما أن العلاقة بين السمنة وداء السكري وتلك المنتجات لم تعد واضحة. وهذا الأمر لم يمنع وزارة الفلاحة الأمريكية من التأكيد سنة 2010، بدون أدنى حرج، كون المشروبات التي تحتوي على السكر لا تؤدي إلى رفع الوزن، من خلال الاعتماد على تقريرين علميين. التقرير الأول كتب تحت إشراف مستشار يعمل لصالح مكتب السكر، أما الثاني فكان تحت التأطير المباشر لجمعية مصنعي السكر.
«تلك حتما نفس المنهجيات التي يعتمدها مصنعو قطاع التبغ»، توضح كريستين كوزينز. «ومثل صناعة التبغ، فصناعة السكر جد منظمة، وتؤدي المبالغ المالية لباحثين لإنجاز دراسات تسعى لتوضيح عدم وجود أي علاقة بين الأمراض والمنتجات التي يصنعونها. كما أن هؤلاء المصنعين اشتروا خدمات الشركات والمنتخبين من خلال تقديم تبرعات مالية كبيرة لجمعيات المواطنين أو المستهلكين»، يضيف الباحث كيلي براونويل، أستاذ بجامعة يال ومختص في السمنة. وكمثال على ما تمارسه تلك الشركات من نفوذ ما جرى مع عمدة مدينة نيويورك، مايكل بلومبرغ، الذي حاول مثل عمدة مدينة فيلاديلفيا فرض ضريبة على المشروبات التي تحتوي على السكر. وكانت كوكا كولا وبيبسي قد شرعتا في تنفيذ برنامج مكثف للدعاية لمنع فرض تلك الضريبة، من خلال التأكيد على أن السلطات العمومية لا يحق لها التدخل فيما يستهلكه الأشخاص ، وبأن ضرائب من هذا القبيل لن تنجح أبدا. كما عمدت الشركتان إلى إنشاء «منظمة لأمريكا في صحة جيدة»، تتمتع بميزانية تصل ل 10 ملايين دولار، التي قامت بتمويل مصلحة بمستشفى للأطفال بفيلاديلفيا لمحاربة السمنة المفرطة لدى الأطفال. ذلك الأمر بمثابة قيام مصنع للتبغ بتمويل مركز لعلاج سرطان الرئة...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.