قديما كانوا يقولون: من يملك البحار يملك الثروات ويملك العالم. ولكن بحار العالم اليوم خضراء إلكترونية والبشر يتواصلون عبر شبكة إلكترونية، فيتعارف بعضهم على بعض محققين كلمة الله القديمة «إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» بمعنى أكثر التزاما بخدمة البشرية. حاليا، عالم الأنترنيت تحوم فوقه أربعة نسور خاطفة تحاول سبيه إلى عشها في حرب ضروس. القوى العالمية الجديدة ليست عسكرية ولا سياسية، بل علمية ثقافية اقتصادية تكنولوجية. العمالقة الأربعة المتصارعون هم جوجول وآبل وفيسبوك وأمازون؛ وكلٌّ له حقله الذي نبت فيه واشتدت فيه أذرعته وبأسه. المؤسسات الأربع تمثل أربعة حقول مختلفة؛ فجوجول يمثل المعرفة الكلية، وفيسبوك الشفافية الكلية، وآبل الديناميكية الكلية، والأمازون العرض الكلي. حتى نأخذ فكرة عن العمل الخارق والقوة العظمى التي تمثلها قوى المستقبل الأربع يمكن، بلغة الأرقام، أن نقول التالي: في جوجول يجري يوميا من طرف الداخلين على النت بحث عن مليار سؤال يحتاح إلى الإجابة والشرح. أذكر جيدا حين بحثت عن كلمة غثبر أن القاموس المحيط والصحاح ولسان العرب لابن منظور الإفريقي لم يسعفني فأسعفني البحث في جوجول فتأمل! رئيس آبل الحالي تيم كوك (الطباخ) يعلن عن بيع 146 مليون جهاز من نوع آي فون في الربع الثالث من عام 2011م. حين أحضرت لي ابنتي هديتها من هذا الجهاز، ضحكت وقالت: لا تخف منه، جربه فقط. أنا شخصيا مرتاح مع جهازي الدمعة المطور، ولكن من يعتاد على الآيفون ينسى ما عداه إلى حد العشق، فقد ربطوا الأنترنيت على الموبايل فأصبحت المعلومات تركب سيقانا للحركة. تصل الطلبات عند أمازون في كل شيء تقريبا في أيام الذروة إلى 13.7 مليون طلب. وصفحات البيع تغطي ما يبحث عنه الشاري وما يحير الباحث. كانت في الكتب، أما الآن فهي تبيع كل شيء وسوف تضرب سوبرماركات العالم أجمعين.. إنها تبيع السيارات والطيارات وإطارات السيارات والكتب النفيسة وحمامات السباحة. أذكر جيدا قبل فترة كيف قام المزاد العلني في لندن في بيع نسخة قديمة أصلية من كتاب أصلي بخط أرخميدس، عثر عليه في بيت راهب قد يكون أصله من كنيسة القدس، مما جعل راعي الكنيسة يطارد المخطوطة عبثا؛ وصادها جيف بيزوس، ملياردير الأمازون، بمبلغ 2.3 مليون دولار؛ ولا خوف من هذا الرقم، فالرجل في جيبه خزانة من تسعين مليار دولار. أما الشاب العفريت علامة جبل السكر مارك شوكر بيرج، مؤسس فيسبوك، فيجمع حوله ناديا عالميا بما لم يحلم به إنس ولا جان، بعضوية 800 مليون إنسان على مدار أرجاء المعمورة، فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ هؤلاء العمالقة الأربعة غيروا حياتنا وطرائق تفكيرنا بما لم يسبق إليه أحد. في البداية اقتسموا عالم الديجتال في ما بينهم، أما الآن فبعضهم لبعض عدو، يحاول كل واحد إزاحة الثاني ورميه من العرش واغتصاب حقه وملكه. هناك الكثير من الأفكار والاكتشافات وبراءات الاختراعات، يقوم بها كلٌّ لوحده، ولكن ما وصل إليه هذا الرباعي هو كنوز من المال ما لم يجمعه خوفو في هرمه، ولا قارون في خزائنه، ولا زورر اليهودي الحالي؛ إنه مال أكثر من التصور.. مال كثير وفي فترة قصيرة نسبيا. تصوروا ما فعله الشاب علامة جبل السكر مارك شوكر بيرج مارك ذو ال27 ربيعا، مخترع فيسبوك، من فقير خاوي الوفاض إلى ملياردير بجيب محشو بمائة مليار دولار خلال سبع سنين بين عامي 2004 و2011م وجمعية تضم 800 مليون عضو من الأنام! هل يمكن تصديق هذا؟ ليس هذا فقط، بل الإعلان عن دخول فيسبوك إلى سوق البورصة، كما أعلنت عن ذلك مجلات مهمة في عالم الاقتصاد، مثل ميجا بورزينجانج وحمى فيسبوك فييبر. إن ثروة هذه العمالقة الأربعة شيء مخيف! لنقرأ الأرقام التالية: أقلهم أمازون ب90 مليار دولار بقيادة الإمبراطور جيف بيزوس، وبعده جبل السكر شوكر بيرج، سيد فيسبوك، بمبلغ 100 مليار دولار، يأتي بعده جوجول، الذي يملكه الثنائي المرح لاري باج (الصفحة) وسيرجي برين، بمبلغ 200 مليار دولار؛ وعلى قمة الثروة تتربع آبل بمبلغ خرافي يصل إلى 360 مليار دولار. حاصل جمع الأرقام السابقة يصل إلى سقف ينقلب إليك البصر فيه خاسئا وهو حسير.. إنه رقم 750 مليار دولار، ما يتمناه الاتحاد الأوربي للخلاص من ورطة الحريق اليوناني وانخساف الأرض باليورو، وكل إنفاق أمريكا العسكري لا يصل إلى تخومه (500 مليار للعقد القادم)، إنه رقم تقوم على أكتافه إمبراطوريات وتنهدم دول وعروش. هذا المال.. المال الكثير، هو ملكية أربع مؤسسات وخمسة أشخاص. وهذه المؤسسات العملاقة الأربع هي أمريكية، مما يجعلنا نرى نوعا من التجدد الخفي في شرايين إمبراطورية اليانكي بعد سلسلة من الهزائم في حروب خاسرة بين العراق وأفغانستان، ويطالب المتظاهرون باحتلال وول ستريت بعد سمعته السيئة تالية لنكبة السوق العقارية وتبخر مئات المليارات في سوق الحرامية، وتوقف إرسال المسابر والمنصات للملأ العلوي منذ فترة وبوار سوق صناعة السيارات، وإعلان البنتاجون التقشف لإيجاد جهاز دفاعي أرشق بتكاليف أقل، وارتفاع ديون أمريكا إلى ذرى لم تصل إليها في كل تاريخها بتريليونات! هذه المؤسسات العملاقة الأربع تبدل العالم ومعه أيضا أمريكا التي تقود العالم... إلى حين. مع هذا، فالحرب ضروس بين المؤسسات الأربع العملاقة هي حول امتلاك المستقبل. الجدير بالذكر أن هذه المؤسسات ليست عسكرية وسياسية بل تكنولوجية اقتصادية وثقافية. ولكن متى بدأ عمل أولئك العباقرة وولد إنتاجهم فضربوا ضربتهم ووضعوا أيديهم على سطح الكرة الأرضية؟ أين مكان تموضعهم؟ وإلى أين يميل ميزان القوى؟ مع مزايا المؤسسات العملاقة الأربع تطير أمريكا بأربعة أجنحة إلى المستقبل.. منتجات آبل تنقل المعلومات مع الحركة؛ جوجول يفتح خزائن معرفته لكل سائل بالمجان؛ واجهات لخزائن كل شيء يطلبه الشاري والباحث في مخازن الأمازون؛ ويقوم فيسبوك بربط الناس بشفافية فيبنون الصداقات ويتذكرون طفولة بعضهم بعضا وقرابة عبر القارات. مجموع كل هذا يكرر إنتاج ما يعرف بالطريقة الأمريكية في الحياة. الأربع هي القوى العظمى وديناصورات عالم الديجتال، بينها لا يوجد سلام، ويدفع الكلَّ جنونُ العظمة الخلاق إلى أن يسيطر على كل شيء ويجعل المستقبل طوع أمره وفقط. الأربع شريكات متشاكسة لا ترضى بأقل من السيطرة على عالم الأنترنيت في الغابة العالمية. فلمن سيكون المستقبل؟ الوضع الحالي يقول إن الاشتباك حاصل بين هذه الحيتان الضخمة؛ جوجول يحاول السيطرة على سوق الموبايلات فيدفع آبل بعيدا. فيسبوك يحاول منافسة جوجول في السيطرة على المعلومات فينافس في مجال البحث عن المعلومة. أمازون ينافس آبل بأجهزة القراءة ليزر، مما يتفوق به على آي باد. آبل يحاول غزو سوق التلفزيونات. بقية العالم يتفرج على هذا التخاطف لآخر معاقل الثقافة الإنسانية طالما تتحول إلى ديجتال. لمن سيكون الاجتياح؟ لا أحد عنده الجواب النهائي؟ يتبع ...