ولادة العمالقة الأربعة استفدنا من المفكر الجزائري مالك بن نبي قاعدة تقول إن كل حدث هو علاقة جدلية بين السبب والنتيجة، بمعنى أن كل حدث هو في نفس الوقت سبب ونتيجة في جدلية الزمن؛ بكلمة أخرى، هو نتيجة لما قبله، وهو في نفس الوقت سبب لما سيأتي بعده. من هذه القاعدة، يجب معرفة ظروف ووقت ولادة العمالقة الأربعة. يبدو أن متم القرن العشرين هو الذي دشن هذا الفتح المبين، فبين عامي 1995م و2011 على امتداد 15 عاما تلاحقت فتوحات عالم الديجتال. أنا شخصيا كان من أدخلني إلى عالم الكمبيوتر ابنتي مريم حين أدخلنا إلى منزلنا الكمبيوتر بسرعة بسيطة ورام (RAM) لا يتجاوز 16 اليوم 256 عادي، وكنا مع البنتيوم فرحين ونحن الآن على عتبة كمبيوتر الكوانتوم حسب قانون التسارع المعروف في عالم الكمبيوتر وبنائه، بل يقوم ماركرام في لوزان بمحاولة تقليد بناء الدماغ من عمل شيبس الكمبيوتر (الرقائق). في عام 1995م، بدأ أمازون في أمريكا وانطلق من عالم الكتب. أنا شخصيا أتذكر مكتبة عجان الحديد في حلب، ليس من كتاب في التراث إلا وجدته عنده. مكتبتُه من الخارج لم تكن تغري كثيرا، أما محتواها فهائل. في عام 2010، بعد 15 سنة من الانطلاقة، كانت مبيعات أمازون السنوية تقدر ب32.2 مليار دولار بربح سنوي يناهز 1,2 مليار دولار وشركة تجمع من العاملين 33700 خبير! مركز إمبراطورية جيف بيزو في سياتل واشنطن. فكر جيف بيزوس في عالم الكتب فضرب آبل بدل (آي باد) بتنزيل الكيندل فاير، حيث يمكن قراءة 1400 كتاب لمكتبة عامرة وبطريقة سهلة وبمزايا أنيقة في تتبع القراءة والكتب. في نفس الوقت، جعلت هذا الجهاز من ملكياتها، فلا يمكن لأي جهاز أن يعمل عليه إلا ما يختارونه. بعد أمازون بثلاث سنين، في عام 1998م، تأسست شركة جوجول ليلحقها بعد سبع سنين (2005) جوجول الأرض مع خدمة الخرائط التي تصل حاليا إلى أبعاد لم يحلم بها إنس ولا جان. اليوم، كنت أسمع من قناة مونت كارلو عن تقنيات جديدة لراكبي السيارة: أن تمسح لهم المنطقة من حولهم حيث يسافرون بل ويتخاطبون مع السيارات المجاورة لهم وهو يقودون عرباتهم المرفهة.. إنها جنات من ديجتال مصفى ولهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. جوجول تعمل حاليا في جبل الرؤية (ماونتن فيو كاليفورنيا) وبعمل يصل إلى 29,3 مليار دولار وربح سنوي وصل عام 2010م إلى 8,5 مليارات دولار، ويعمل في المؤسسة 24400 عامل وخبير. ضربت جوجول ضربات مضاعفة جديدة في تقوية مركزها في السوق فأنزلت الأندروئيد، وهو مطور عن الآي فون ويقرأ حالة الجو وتلوث المناخ ودرجات الحرارة وما شابه، وفي وجه منافسة فيسبوك أنزلت نظام جوجول بلوس. آبل تأخرت قليلا في السباق وبدأت بعد ست سنوات من أمازون عام 2001م وثلاث سنوات بعد جوجول.. بدأت بالموسيقى فأبدعت آي توينس وآي بود. آبل أسسها شخص واحد ستيف جوبز. يقال إن أصله حمصي ربما من باب عمر، المنطقة التي تقصف براجمات الصواريخ الأسدية في شتاء 2012م! آبل مقرها في كيوبريتنو في كاليفورنيا بلغت عملياتها عام 2010م 64,2 مليار دولار وربحت 14 مليار دولار ويعمل عندها 46600 خبير. إنها مدينة عقول وخبرات، أليس كذلك؟ استطاعت آبل لاحقا، عام 2007م، تنزيل الآي فون الرائع، وتبيع في ربع سنة حوالي 150 مليون جهاز في العالم. جيلنا ينظر حاليا إلى أطفال الآي فون بدهشة، أنا شخصيا مازلت أحمل جهاز دمعة مطور وقد خسر السباق مع الآي فون بشكل ملحوظ، أداء وأناقة. آبل تخطط لغزو عالم التلفزيون، ولكنها تلقت ضربة هائلة مع موت مؤسسها ستيف جوبز، فمن سيربح في هذا الماراثون؟ مؤسسة فيسبوك تأخرت عن أمازون تسع سنين عددا وعن جوجول سبع سنين وعن آبل أربع سنوات، ولكن مارك شوكر بيرج ضرب ضربته وحقق فائضا ماليا تجاوز مائة مليار دولار في سبع سنوات سمان. بدأت فيسبوك عام 2012م بناد عالمي يضم 800 مليون عضو وعملة خاصة وآلية عمل خاص ونظام ضرائب ويدخل سوق البورصات بقوة، وهو ما يرشحه لأن يستولي على عالم المستقبل كما جاء في مجلة «در شبيجل الألمانية» (49/2011م). فيسبوك اليوم رابضة في بالتو ألتو في كاليفورنيا وتعمل بمليارين من الدولارات وتربح 0,6 مليار دولار سنويا ويعمل فيها من الخبراء ألفا شخص. فيسبوك.. الشفافية الكاملة 800 مليون عضو على امتداد مساحة الكوكب، بمعدل كل واحد من ثلاثة من سكان الأرض يدخل على النت. في ألمانيا، كان العدد 14 مليونا وارتفع إلى 22 مليونا. خطتهم من يدخل على اليوتيوب يكون دخل على النت. يوصف مارك شوكر بيرج، ملك فيسبوك، بكونه شابا في عمر 27 عاما، بسيط الثياب والهندام، جم النشاط والذكاء، فالمال يفتح المواهب، والرجل أصبح في جيبه أكثر من كنوز خوفو وقارون، فقد تراكمت ثروته في سبع سنين سمان من الصفر إلى 100 مليار دولار. والرجل كريم يتبرع بمائة مليون دولار ضربة واحدة مساعدة للمدارس، شعاره سنغير العالم، ويريد معرفة كل شيء عن المشتركين عنده في الفيسبوك. أمازون.. كل شيء تحت التصرف ويمكن الوصول إليه أنتجوا الكاندل فاير ب1400 كتاب في مكتبة متنقلة ملئية بذخائر المعرفة. إنها تذكرني بمشروعي الفكري قوانين البناء المعرفي، فقد حرصت على جمع كتب تنمي المعرفة، أقل من هذا فيمكن بذلك لكل شاب يريد بناء نفسه معرفيا أن يحمل هذه الكتب الألفية ويشتغل عليها عشرين عاما. إنه مشروع تثوير القراءة وتراكم المعرفة الكمي. جهاز الكاندل خفيف الوزن مثل الهانداي، وإذا مرت كلمة لم يفهمها القارئ أتاه الجواب بكبسة زر فلا حاجة إلى قاموس الفيروزآبادي وقاموس المحيط أو لسان العرب لابن منظور الإفريقي. وهناك القراءة الاجتماعية، فيمكن الاطلاع على ملاحظات الآخرين، كما أن المكان الذي توقف عنده القارئ ليلا يجده صباحا وهو يقرأ في الكاندل الفقرة الأخيرة التي توقف عنده، فلا حاجة إلى تشخيط المكان وطي الصفحة.. كله عالم عبقر بدون ورق وحبر. يباع الكاندل حاليا بمبلغ 79 دولارا وفي ألمانيا ب99 يوروها. إنها قفزة نوعية في التحصيل المعرفي.. يريد جيف بيزوس، إمبراطور أمازون، الاحتفاظ بالاحتكار لنفسه ويشبه في هذا روكفلر قبل مائة عام وإضاءة العالم بنور القناديل. لذا فكتب الجهاز كاندل لا تعمل عند غيره. كذلك، فإن أقل ما في مبيعات أمازون حاليا هو الكتب، فهي تبيع كل شيء بدءا من حمامات وأحواض السباحة إلى إطارات السيارات وقطع الغيار. خطورة هذا التطور أمران؛ من المصنع إلى البيت توصل الأغراض بدون طفيلي، وسوبر ماركت دونه كل سوبر ماركات العالم أجمعين. إن مجمع أمازون في مدينة مثل لايبزيج يضيع فيها الإنسان من كثرة الأشياء الموجودة فيها، من كتب ومعلبات ومصنعات واختراعات، ما يعرفه المرء ويجهل معظمه. نحن ندخل عصرا جديدا من البيع والشراء عن طريق النت. كنت يوما في البريد وقلت لهم انتهى عصركم بعد الفاكس والنت؟ قالوا: على العكس اليوم بدأ عملنا. هذا الكلام صحيح على مستوى مبيعات أمازون، ولكن لا مكان للكسالى والمتخلفين عن نبض التاريخ والتكنولوجيا وعالم الديجتال. بضاعة تصل إلى أي إنسان في أي مكان، عليه فقط أن يحدد مكانه ويدفع الثمن عن طريق البطاقات الائتمانية. في عام 2010م باعت أمازون 6 ملايين جهاز كاندل وبلغ سقف المبيعات عام 2000م 2.7 مليار ولار ليصل عام 2010 م إلى 34 مليار دولار. شعارها صديقي الشاري: هل ثمة كتاب لم تعثر عليه وغرض تعثرت في الوصول إليه، نحن في خدمتك وبالطبع يدنا في جيبك؟ وهكذا فأي شيء في أي مكان أصبح تحت التصرف وبأبخس الأثمان أو هكذا يزعمون. بوجود الحيتان الأربعة اندلع صراع ضار على امتلاك القارة المجهولة الجديدة عالم الديجتال.. فلمن ستكون الغلبة في امتلاك المستقبل؟ يتبع...